في خضم التحولات الدولية المتسارعة، تطرح اليوم ضرورة برمجة صيغ أمنية استراتيجية بين المغرب والدول العربية والافريقية والمغاربية والاوربية، بتنويع الشعب الأمنية بصفة عامة وذات الصلة بأمن شعوب المنطقة المتوسطية ومصالحها الاستراتيجية بصفة خاصة، وذلك بإدراج القضايا الأمنية ضمن الأولويات الكبرى، بحكم أن الإدراك الدولي لأهمية الأمن في هذه المناطق أصبح إكراها وتحديا بسبب اتساع رقعة المحن والمتاعب الأمنية ذات الارتباط بعدة عوامل داخلية، وفي مقدمتها الثقافة والتاريخ والدين والطاقة والتجارة ..الخ، الشيء الذي يجعل من البحر الابيض المتوسط كممر بحري وكمنطقة استراتيجية معرضة للخطر والاجرام المتنوع. وتحقيق الاستقرار بالمناطق السالفة يؤمن مجموع الأنشطة خصوصا وأنه لم يعد يتطلب تدخل الدول الغربية بسبب ميولها للدفاع عن تحقيق مصالح وأمن اسرائيل في المنطقة العربية، مما ولد رفضا من قبل غالبية هذه الشعوب، وهذا ما جعل دول هذه المناطق هي المعنية بدرجة أولى بأمن شعوبها والبحث عن وسائل حديثة وإمكانيات متطورة وتعاون لمواجهة مختلف المخاطر التي تطبع واقع هذه الدول المفتوحة على تنامي العمل الاجرامي والارهابي الذي يتغذى من محيط هذه المناطق، وهذا يدعو الى وضع استراتيجيات وصيغ أمنية كأولوية الأولويات في زمن لم تعد الحرب التقليدية ذات جدوى بسبب التطور الذي لحق تقنيات الحروب وأنماطها وطرق التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بالإضافة الى القدرة على التمويه وصعوبة ربط الأحداث بالمتغير الأجنبي المجنس، وتعقيد فهم مصادر وبنية الإرهاب وصعوبة تفسير وكشف خيوط ومسلسل الأحداث الارهابية المتوالية والمتسارعة التي تستغل مختلف أوجه الهشاشة وضعف الانسان، وتجد في وضعية الاقتصاد والدين والسياسة وحقوق الإنسان غير المتكافئة سندا لها. وتبقى بذلك الأوضاع محفوفة بالمخاطر الافتراضية ذات الاوجه اللامتناهية ويزيد التناحر والصراعات والمواجهات الداخلية والدولية في درجة الغليان، وللتفكير في الصيغ الأمنية على المستوى العربي والافريقي والمغاربي والاوربي قيمة كبرى في وقت تآكلت فيه مفاهيم أمن الدول التقليدية، لفائدة الدولة المفتوحة والمتعددة الأبواب واحتمالات تنفيذ عمليات إرهابية إجرامية تمس جوهرحقوق الانسان. لقد أصبح معامل الاستقرارسهما ذهبيا في حساب بورصة الأمن والسلم الدوليين، فقد يزيد وينقص بحسب تطورعقل وقدرة وشجاعة الاستراتيجيات الأمنية للدولة المستقرة والإمكانيات البشرية واللوجستيكية والمالية، بالإضافة الى حاجة الشعوب الى الاستقرار والأمن كرأسمال لامادي وكصمام أمان للحياة والتنمية والتطور وجلب الاستثمار، واستمرار السلام وحماية الحدود القانونية والمصالح القومية والاستراتيجية للدول والمجتمعات، فماهي أهم الصيغ الأمنية التي من شأنها تأمين الحفاظ على الاستقرار وسلامة الانسان المادية والمعنوية والتي يمكن للمغرب أن يبنيها بمعية العديد من هذه الدول ووفق مقتربات متعددة؟ الأمن بالمعلومة والأبحاث العلمية الأمنية: تعتبر المعلومة أهم معطى في بناء الاستقرار والحياة الآمنة، حيث التتبع والادراك بالمتخصصين للمتوقع لا يمكن معرفته دون توفر معلومات دقيقة ومعرفة تامة عن الأوضاع والإنسان في مختلف المناطق والتنظيمات والبنيات الاجتماعية، وذلك بتوفير بنك للمعلومات، وتعاون المغرب مع هذه الدول عبر الاتفاقيات المختلفة وفق رؤية استراتيجية موحدة يمكنها إنقاذ الشعوب من كثير من التهديدات، بحيث أن تلاقح المدارس الأمنية ومساعدة المغرب للكثير من الدول في إطار التعاون والتفاعل جنوب – جنوب في شتى المجالات للنهوض بالأوضاع التنموية لدول الساحل والصحراء وكذا الدول العربية يتوقف على المعلومات الأمنية بدرجة أولى، كما أن الأبحاث العلمية في المجال الأمني ستمكن من تشخيص الظواهر الإجرامية، وستبين كيفية التصدي للمعيقات وبشكل استباقي وستسمح بالتخطيط المتوسط والبعيد المدى وبتوفير الخطط والبرامج الأمنية العملية وتدقيق الإمكانيات المادية والبشرية والعلمية لمواجهة مخاطر محتملة متنامية ومؤثرة والتي تتجاوز حدود دولة المجرم الاصلي. تقوية أمن شبكة العالم الافتراضي والمعلوميات: يعتبر العالم الرقمي او الافتراضي من العوامل المبتزة لأمن الدول والشعوب والثقافات نظرا لغياب ضوابط الاستعمال والولوج، ونظرا لسهولة تسريب المعلومة وسهولة الارتباط بالتنظيمات والتواصل الواسع النطاق عبر الحدود بالسرعة التي يصعب التحكم فيها في الزمان والمكان المناسبين، بالإضافة إلى صعوبة فك ألغاز وتشفير الخطاب عبر الانترنت بالنسبة للجرائم المنظمة أو الإرهابية والتي ترسل عبر الحدود. ذلك أن أمن العالم الافتراضي بات ضروريا، وتوسيع دائرة المراقبة الرقمية تتطلب التعاون بين الدول وفق اتفاقيات تعاون للحد من الاستعمال السلبي للمواقع الاجتماعية التي لا تحمل جنسية ولا دينا ولا جغرافيا.. أكثر مما ترتبط بالحرية وهو ما يسمح للجماعات الإرهابية باستعمال نظام المعلوميات بشكل محترف في عمليات تخريب وقتل وتفجير دون رصدها من طرف الأجهزة الأمنية في مختلف الدول، وهو ما يزيد من حدة التهديد ومحنة المؤسسات الأمنية، ويزيد من ضريبة الاستقرار ويعرقل التنمية بشكل عام، ليبقى استباق الخطر قبل الوقوع هو الرهان، كما أن الاعتداء على الشبكة المعلوماتية وتخريبها خطر قائم، لأن العقل الصانع يمتلك القدرات على الاختراق والإيقاف وشل عقل الدولة الإلكتروني وتعطيل الحياة لاسيما بالنسبة للدول التي تشتغل بقدرات إلكترونية عالية. الاتفاقيات الأمنية و العسكرية الاستراتيجية: تعد التجارب الأمنية والعسكرية المغربية من أعرق التجارب العالمية، ولكي تستفيد الدول من هذه المدرسة العريقة في مجال الأمن والدفاع وتنويع النظريات الأمنية والعسكرية يتطلب الأمر من الدول الافريقية والعربية والمغاربية إبرام اتفاقية للتعاون مع المغرب وتجميع طاقات الدول وتبادل الخبرات وتنويع الخدمات والمعلومات، من أجل وضع استراتيجية أمنية وعسكرية عالية المستوى سواء بشكل ثنائي أو دولي بهدف تحصين الشعوب من ويلات ومخلفات الاضطرابات والانقلابات والتهديدات الخارجية وغيرها، التي يستغلها الفوضويون وأعداء الديمقراطية لأغراض ذاتية محضة، ذلك أن التفاعل الأمني بين المغرب ودول غرب افريقيا، أصبح واقعا تبرره الأبعاد الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية والثقافية حيث امتداد المغرب عبر افريقيا والعالم العربي بالتعاون والشراكات بمؤشر الانفتاح يمكن تطويرها مواجهة وضعية عدم الاستقرار في بعض الدول كخطوة استباقية لحالات الدول القابلة للاهتزاز والفوضى في دول أخرى عربية ومغاربية، بسبب قدم نظريات الاقتصاد في بعض الدول كاليمن وسوريا وليبيا والنظام الجزائري الذي ما يزال يعالج الاقتصاد بمنطق استغلال كلاسيكي وهو ما خلق الهوة بين المستغل والشعب في زمن تغير فيه السياق الدولي وطغيان حقوق الانسان والمبادرة الخاصة والعالم الحر، وهذا يتطلب إعادة صياغة مفهوم إفريقي وعربي لأمن الإنسان والمواطن وتقريب الحدود ومعالجة الاختلالات واعتماد القواعد القانونية بمحتوياتها الاجتماعية لاسيما مع تنامي النضالات والاحتجاجات التي وصلت الى حد شلل الدولة ومواجهة مفهومها الجامد، ومنه اضطراب الوضع السياسي في بعض الدول الافريقية والعربية كالصراع حول السلطة في الكوت ديفوار والشلل الذي تعرفه ليبيا...الخ أمن التنمية وحقوق الانسان: يعد مجال حقوق الانسان من أعقد المجالات ومركز ثقل السياسات ومؤشر لقياس التجاذبات الداخلية للدول ويمس حياة كل الشعوب وأنظمتها تبعا لتباين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، حيث ان تنامي استعمال الفكر الحقوقي في جوانبه الفردية والجماعية، جاء نتيجة نضالات الشعوب من أجل الحرية وأصبح مفهوم حقوق الانسان مبدئا عالميا ومدخلا لتحسين العلاقات الدولية، وشرط للانضمام الى حظيرة الدول المتقدمة ويتم التنصيص عليه في الدساتير، ويوظف للتدخل العسكري في عدد من المناطق التي تتدهور فيها الأوضاع كيوغوسلافيا والعراق والصومال ...الخ. وعليه فإن الإنسان في كل الدول هو هدف كل عمل من شأنه حماية حقوقه وحرياته وممتلكاته ورأيه بما تنص عليه الاتفاقيات الدولية، والعمل بالأمن التنموي لتجفيف مستنقعات الفقر والبطالة والأمية، كمؤشرات لليأس والاكتئاب والانحراف، وذلك بتغيير توجهات الدولة الاقتصادية نحو الرأسمال اللامادي والتنمية البشرية محليا للحد من الهجرة المختلفة والرفع من مستوى التعبير والرأي في هذه المجتمعات، فالدولة الاجتماعية والحقوقية تخفف من الأزمات الأمنية انطلاقا من أن كل عمل تنموي هو حق أمني وكل عمل أمني هوذاك الحق في الاستقرار. تأمين المجالالبحري والجويبالابيضالمتوسط: يبدو البحر الأبيض المتوسط منطقة استراتيجية، فقد أصبح خطا لتهريب المخدرات والسلاح والبترول، وتحول إلى مقبرة للمهاجرين غير الشرعيين، فهو الرابط بين ضفتين متناقضتين على مستويات كثيرة، وتبقى عمليات عبور السلع والمواد مهددة بمختلف العمليات الاجرامية من قرصنة واستهداف المنشآت والسفن الكبرى إذا لم تتوفر الوسائل الكافية لتأمين المنطقة المتوسطية، واحتساب مساوئ التطور العلمي والتكنولوجي بشكل دقيق، بحيث ممكن لعصابة أو جماعة أن تغطي بعملياتها الإجرامية والتخريب في كل مناطق العالم، ويحتل أمن المتوسط مكانة مهمة، ويتطلب صيغة وتخطيطا وتعاونا، يتجاوز مبدأ السيادة التقليدي والحدود البحرية الوهمية وشرعية التدخل، فالعدو يهدد كل الدول والشعوب ويتطلب تواجد الأمن بالسرعة والجاهزية في الوقت المناسب. وهذا يتطلب الاهتمام بمراقبة المجال الجوي بما لا يدع مجالا للشك بدخول هذا المجال بتقنيات غير متوفرة مضاداتها، ويسهل الاختراق ومعه القيام بأي فعل جهنمي. أمن الموارد الطاقية: يعد الماء موردا أساسيا للحياة، وقد نجد بعض الدول تشترك في مورد مائي موحد كالبحيرات والأنهار، فمثلا نهر النيل الذي تتوقف عليه حياة الملايين من البشر، وقد تنشب بسببه حروب، وقد تتعرض مياهه للتسميم والتلويث، ومنه إيقاف حياة الدول الست المستفيدة التي يمر منها، والتي قد تنشب بينها مشاكل بسبب بعض حساسيات التعديلات التي تهم توزيع الحصص من الماء أو إقامة سدود جديدة أو غيرها، كما يمكن لأي جهة أن تنتقم بسبب خصومة دولة او دول بعينها، ويتعرض بذلك النيل لأي تآمر ممكن، وكذلك هو الحال بالنسبة لموارد الطاقة الأخرى كمحطة الطاقة لتوليد الكهرباء ومحطات تصفية البترول والطاقة النووية ...الخ، لذا فأمن هذه الموارد من أمن الدول وشرط بقائها، وهذا يتطلب استراتيجية أمنية تنبئية احتياطية وقائية كفيلة بتجنب مادة الحياة أي مساس . الأمن الديني والثقافي: تؤسس مختلف حركات التطرف الديني لصراع الحضارات، وتنطلق من معاقل التعصب الديني أوالاثني أو الايديولوجي سواء أعلنت عن ذلك صراحة أم ضمنا ويعود السبب أيضا الى صمت أوغياب تأطير ورقابة دينية وثقافية رسمية لدى دول المنطقة مما يسمح لبعض الجماعات المتطرفة بوضع مشاريع واهية باسم الدين أو اللغة أوالأصل التاريخي، فتتحول في الغالب الى مواجهات مسلحة وتآمرات ضد الحكومات والدول، وبحكم العامل الجغرافي فإن امتداد هذه التنظيمات بين افريقيا والشرق الأوسط وشمال افريقيا عملية سهلة، بل وتوغلها في اوربا ممكن، وتبقى صيغة الأمن الديني والثقافي لأهميتها مطروحة الا أنها من أعقد الصيغ الأمنية على الاطلاق لكون الانسان يبقى كله هو ذاك الدين أو المعتقد أو الثقافة ويتطلب الامتداد الجغرافي ومنه البشري تكلفة مادية وبشرية وزمنية كبيرة، والرجوع للمدرسة المغربية في هذا المجال يبقى أفضل خيار استراتيجي أمني ديني بحكم التأطير الناجح والوسطية والاعتدال الديني الراسخ والقادر على التعايش وانتزاع الاعتراف العالمي بالمدرسة الدينية الاسلامية المغربية الخصوصية، رغم أن دول البعثة هي المسؤولة عن نشر وصيانة الدين وأنه لم يبعث أي نبي في المغرب حتى يتفهم أهمية تسامح الأديان.
ويبقى التفكير في الصيغ الأمنية الجديدة قائم إن كان للاستقرار والسلم قيمة ولحياة الانسان تكلفة ولاستمرار الحياة أهمية وتنويع الصيغ الأمنية بما لايسمح في هذا المقال من شأنه استباق المخاطر بالعمل على التنبأ وأخذ الاحتياطات باعتماد أساليب علمية أكثر يقينية من الارتجالية في التصدي لهذه المخاطر غير المعلنة الزمان والمكان والأضرار.