تزداد حدة الخلافات داخل بعض الأسر نتيجة إصرار أحد الولدين على فرض أسلوبه في تربية الأبناء وإغلاقه أي مجال أمام الطرف الآخر للمشاركة في هاته المهمة. في الحوار التالي يتطرق الأستاذ الخمار العلمي إلى انعكاسات انفراد أحد الوالدين بتربية الأبناء على العلاقة الزوجية ونفسية هؤلاء الأبناء، ويوضح أهمية تقاسم الوالدين لهذا الدور. ما هي العوامل التي تشعل شرارة الصراع بين الزوجين في مسألة تربية الأبناء؟ كي نجيب عن هذا الإشكال الشائك يجب أن نوضح أولا بأن الأمر يتعلق بطفل الطبقة المتوسطة بكل أصنافها، لأن الأمر يكاد يكون محسوما بالنسبة للفئات المتواضعة، لأن التربية بالنسبة لهذه الفئة الاجتماعية ذات الطابع التقليدي تكاد تكون موزعة بين مجال الأب ومجال الأم، فالأم هي التي تقوم بتربية الأطفال على مستوى الأخلاق والقيم والوقاية والعلاجات المرتبطة بالصحة، بينما يقوم الأب بغرس القواعد والقوانين المنظمة للحياة الاجتماعية، كما لو أن الأم تربي العاطفة والحب والأب ويربي القانون والمنع. هذا يذكرنا بما كان عليه الأمر في المبادئ العامة للتربية في القرن التاسع عشر في الغرب، حيث كانت تقوم على مبدأ اللذة والواقع، اللذين يؤسسان لجانب الحب المرتبط بمبدأ اللذة عند الطفل ورفاهته، وجانب المنع الذي يعطي معنى للقانون المنظم للمجتمع. أما بالنسبة للفئة الميسورة فإن مهمة تربية الأبناء توكل في الغالب للمربيات، نظرا لانشغال الآباء بمهامهم في ممارسة السلطة أو الأعمال أو الصناعة والتجارة، واهتمام زوجاتهم أيضا بالأعمال نفسها أو الأعمال الاجتماعية والخيرية، ومن ثم فإن دور الأم والأب في تربية الأبناء لا يظهر إلا حينما يصير هؤلاء الأبناء في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى الرشد. ثانيا لا بد أن نستحضر متغيرين أساسيين يساهمان في تحديد هذه الأدوار الجديدة في تربية الأطفال، يرتبط المتغير الأول بالوظائف الجديدة للأسرة النووية، والانتقال من أسرة كانت فيها سلطة الأب هي السلطة المطلقة إلى أسرة تقوم على أساس التشارك والمبادئ المحددة لحقوق كل طرف في الأسرة، وذلك بنظرة جديدة تضع لهذه العلاقة ضوابط إنسانية وحقوقية وقيمية. أما المتغير الثاني فهو مكانة الطفل داخل الأسرة، فعدد الأطفال صار محدودا للغاية في الأسرة النووية بالمقارنة مع الأسرة التقليدية التي تتميز بكثرة الأطفال، حيث كانت تحال تربية هؤلاء الأطفال إلى إخوانهم وأخواتهم الأكبر منهم سنا. من هذا المنظور نستنتج أن التنازع في الاختصاصات فيما يتعلق بتربية الأطفال بالنسبة للأسرة الحديثة يرجع إلى مفهوم حقوق الأسرة وحقوق الطفل وتكافؤ الفرص وتكافؤ العلاقة بين الزوج والزوجة في تدبير شؤون المنزل. ما هي انعكاسات انفراد أحد الوالدين بهذا الدور؟ إن انفراد أحد الوالدين بتربية الأبناء يخلق مشكلتين، تتمثل الأولى في خلق سلطة فيها نوع من التراتبية داخل الأسرة، وهذه السلطة تكون لها انعكاسات سلبية على الرابطة الزوجية والعلاقات الأسرية وفي نفس الوقت يكون لها انعكاسات على نفسية الطفل ونموه العاطفي والوجداني والاجتماعي، ومن ثم حينما يقوم الأب بالاستحواذ على تربية الأطفال، فهو يساهم بتلك الطريقة في خلق أطفال مستبدين بدورهم، لأنه يعيد تربيته الأسرية بشكل لا شعوري، يتشبع بها أبناؤه ويعيدون إنتاجها، مما يؤدي إلى خلق مجتمع فيه تمايز بين الذكور والإناث وتراتبية سلطوية في التربية الأبوية. بينما يؤدي استحواذ الأم على التربية إلى نوع من تأنيث تربية الأطفال وتحويل الصراع بينها وبين زوجها إلى صراع مع الأبناء، يخلق لهم مشاكل مع أقرانهم وزملائهم وفي حياتهم المدرسية ومستقبلهم أيضا، بحيث يكون لهم موقف سلبي من الأب وسلطته. فانفراد كل طرف بتربية الأطفال له نتائج سلبية سواء على بنية شخصية الطفل واختياراته وتوجهاته وعلاقته بالآخرين، بالإضافة إلى التصدع الذي يحدثه على مستوى الرابطة الزوجية التي تطغى عليها صراعات تكون نتائجها سلبية على العلاقة الزوجية وتربية الأطفال والمجتمع. أين تتجلى أهمية تقاسم الوالدين مهمة تربية الأبناء؟ حينما تكون الأسرة ناشئة على قيمة الحب والتفاهم والانسجام وتحديد الأدوار بين الأزواج فإن تربية أطفالها تكون تشاركية، فكل طرف يساهم من موقعه في تكوين شخصية الطفل وتحقيق الوسائل المساعدة على تحرره وتحمله لمسؤولياته واندماجه في المجتمع بسلاسة وتشبعه بقيم المجتمع وثقافته وإعداده للمستقبل. إن مشكلة تربية الطفل تكمن بالأساس في كيفية جعل الطفل يعيش وضعه الطفولي بكل حاجاته ورغباته حسب طاقته، وفي نفس الوقت إعداده ليصبح راشدا. إن المشكل إذن لا يكمن في تنازع الطرفين، بل في الوسائل المتبعة، ودرجة نضج كل طرف وكفاءته ليقوم بدوره في تربية الطفل. فرغم تكافؤ الفرص بين الآباء في المعارف والتكوينات، فإنه يلزم، دون أن يعتبر ذلك تمييزا أو تمايزا، أن تكون هناك منطقة مشتركة بين الأب والأم في تربية الأطفال معا من أجل أن يعيشوا في أسرة واحدة ومجتمع معين، لكن في الوقت ذاته على كل طرف أن يساهم من زاوية وضعه الاعتباري ووضعه الخاص في غرس القيم وتربية هذا الطفل، فالأم يمكنها أن تساهم في تربية بنتها أشياء لا يستطيع الأب أن يقوم بها، كما هو الشأن بالنسبة للأب الذي يمكن أن يقدم لابنه الذكر ما تعجز والدته عن تقديمه له، مما يحقق نوعا من التكامل بين الوالدين في التربية والتنشئة والتكوين. حاورته شادية وغزو *أستاذ التعليم العالي في سوسيولوجيا التربية بالمدرسة العليا للأساتذة