نشرة انذارية…زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح عاصفية يومي الاثنين والثلاثاء    "درون" تقصف ضاحية بيروت الجنوبية    المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على منتخب ليسوتو    توقعات طقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    صحافيون جزائريون يستحضرون مساهمة المغرب في استقلال الجارة الشرقية    "أطباء القطاع العام" يعلنون خوض إضراب وطني عن العمل احتجاجا على حكومة أخنوش    أشرف حكيمي ضمن المرشحين الخمسة للفوز بلقب أفضل لاعب إفريقي للسنة    المنتخب الوطني يختتم مشواره في إقصائيات كأس إفريقيا بفوز كبير على منتخب ليسوتو    زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح عاصفية مرتقبة بعدد من أقاليم الممكلة    المفوضية الجهوية للأمن بأزرو…استعمال السلاح الوظيفي من قبل شرطي لتوقيف متورطين في اعتراض وتهديد سائق أجرة    أسرة الأمن الوطني تحتفي بأبنائها المتفوقين دراسيا ورياضيا وفنيا    توزيع 10 حافلات للنقل المدرسي على الجماعات الترابية بإقليم الحسيمة    مشاريع الحسد الجزائرية تواصل فشلها الذريع....    المنتخب المغربي يختتم تصفيات كأس إفريقيا 2025 بالعلامة الكاملة    الشرادي يكتب : عندما تنتصر إرادة العرش والشعب دفاعا عن حوزة الوطن وسيادته    شريط سينمائي يسلط الضوء على علاقات المملكة المغربية والولايات المتحدة منذ مستهل التاريخ الأمريكي    حالة ان.تحار جديدة باقليم الحسيمة.. شاب يضع حد لحياته شنقا    العراقي محمد السالم يعود لجمهوره المغربي بحفل كبير في مراكش    إنقاذ سائح وزوجته الألمانية بعد محاصرتهما بالثلوج في أزيلال    مصرع 4 أشخاص في حادث سير مروع    المغنية هند السداسي تثير الجدل بإعلان طلاقها عبر "إنستغرام"    مجموعة العشرين تعقد قمة في البرازيل يطغى عليها التغير المناخي والحروب وانتخاب ترامب    الحزب الحاكم في السنغال يستعد للفوز    بريطانيا تفرض عقوبات جديدة ضد إيران    الفرحة تعم أرجاء القصر الملكي غدا الثلاثاء بهذه المناسبة    دراسة: البحر الأبيض المتوسط خسر 70 % من مياهه قبل 5.5 ملايين سنة        أجواء غير مستقرة بالمغرب.. أمطار وزخات رعدية وثلوج ابتداءً من اليوم الإثنين    جائزة ابن رشد للوئام تشجع التعايش    فتح باب الترشح لجائزة "كتارا للرواية العربية" في دورتها الحادية عشرة    محامي حسين الشحات: الصلح مع محمد الشيبي سيتم قريبا بعد عودته من المغرب    انطلاق مهرجان آسا الدولي للألعاب الشعبية وسط أجواء احتفالية تحت شعار " الألعاب الشعبية الدولية تواصل عبر الثقافات وتعايش بين الحضارات"    المغرب يستضيف الملتقي العربي الثاني للتنمية السياحية    مركز موكادور للدراسات والأبحاث يستنكر التدمير الكامل لقنطرة واد تدزي    الكرملين يتهم بايدن ب"تأجيج النزاع" في أوكرانيا بعد سماح واشنطن باستخدام كييف أسلحتها لضرب موسكو    تزامن بدلالات وخلفيات ورسائل    فاتي جمالي تغوص أول تجربة في الدراما المصرية    فرنسا تقسو على إيطاليا في قمة دوري الأمم الأوروبية    "غوغل" يحتفل بالذكرى ال69 لعيد الاستقلال المغربي    المغرب يفتح آفاقاً جديدة لاستغلال موارده المعدنية في الصحراء    بني بوعياش وبني عمارت على موعد مع أسواق حديثة بتمويل جهوي كبير    ملعب آيت قمرة.. صرح رياضي بمواصفات عالمية يعزز البنية التحتية بإقليم الحسيمة    تنظيم النسخة 13 من مهرجان العرائش الدولي لتلاقح الثقافات    بعد صراع مع المرض...ملك جمال الأردن أيمن العلي يودّع العالم    تراجع النمو السكاني في المغرب بسبب انخفاض معدل الخصوبة.. ما هي الأسباب؟    ارتفاع أسعار النفط بعد تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا    مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان    وقفة احتجاجية بمكناس للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيدولوجيا التوحيد والإصلاح تزحف على برنامج الحكومة
نشر في الأحداث المغربية يوم 24 - 04 - 2012

بعد أن شكل فريقه الحكومي، أدرك بنكيران أن تحالفه مع أحزاب من مختلف المشارب، قد يهدد في المستقبل تركيبتها. وكان الإتفاق على ميثاق للشرف بين مكوناتها. وقبلها شدد الأمين العام لحزب المصباح في أول حوار أجرته معه القناة الأولى المغربية، على أن «الحريات الفردية شيء مقدس لا يجب المساس به، مؤكدا أن التدخل في الشؤون الخاصة للناس هو «ضرب من الحمق»، لكن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن فيما بعد ووضعه وزراء حزبه أمام موقف لا يحسد عليه، وتبين أن تحالف حكومته هش ستفجره المواقف الإيديولوجية كالموقف من المهرجانات وحرية الفن والإبداع، وهو ما قد يستفحل بشكل أكبر عند تنزيل القانون التنظيمي للأمازيغية وتنزيل هئية المساواة، ووضع قوانين رفع الحيف عن النساء، والاصطدام بين المرجعيات القانونية المحلية وسمو الإتفاقيات والمواثيق الدولية ....
يعطي الجهاز التنفيذي اليوم الإنطباع بوجود حكومتين داخل حكومة بنكيران، حكومة العدالة والتنمية، وحكومة باقي حلفائه، وكل القرارات المثيرة للجدل، لم تخرج من المجالس الحكومية بقدر ما خرجت من دواوين وزراء العدالة والتنمية؟ هل يتعلق الأمر بتهريب للقرارات الحكومية؟ يصعب الجزم بذلك وفق مرجعية القوانين وتوزيع الاختصاصات، لكن الواضح، أن تهميش تدقيق وتعميق النقاش في البرنامج الحكومي خلال مرحلة تشكيل الحكومة، ترك فراغات كبيرة وهوامش جد واسعة للمناورة يستغلها الآن الوزراء الإسلاميون في تمرير قناعاتهم الإيديولوجية التي بدأت تزحف على برنامج حكومي صيغت خطوطه العريضة على عجل.
حتى ميثاق الأغلبية لم يفهم منه وزراء العدالة والتنمية شقه الذي يركز على «التشارك في العمل والفعالية في الإنجاز والشفافية في التدبير والتضامن في المسؤولية»، وتم اختزاله، مع كثير من التأويل الديني الإيديولوجي، في أحد أهدافه التي تنص على «النهوض بمنظومة الأخلاق والقيم، والتصدي للانحرافات»، وإن كان قد حدد أهدافا ذا أولوية وهي «تفعيل مقتضيات الدستور في اتجاه تحقيق مزيد من الإصلاحات وبناء الدولة الديمقراطية، دولة القانون والحرية والمواطنة والعدالة والتعاضد والتضامن بين كافة فئات الشعب وجهات الوطن لتحقيق مزيد من التقدم والتنمية» وأيضا «تعزيز الاختيار الديمقراطي بما يقتضيه من توسيع مجال الحريات والمشاركة المواطنة وتشجيع روح المبادرة ودعم آليات تكافؤ الفرص والمساواة داخل المجتمع وتعزيز دور المرأة في أفق المناصفة والنهوض بمشاركة الشباب وتقوية اندماجه في الحياة المؤسساتية, والانفتاح على الإعلام ودعم شروط الحرية والمسؤولية والإبداع».
المتتبعون لحزب المصباح ومن بينهم مؤسسة كارينغي أشارت أنه منذ العام 2002 أصبح الحزب أقل انشغالا بالنقاشات حول المسائل الايديولوجية والدينية، وبرز الحزب «يبرز كفاعل براغماتي ملتزم بالمشاركة السياسية وحريص على البحث عن حلول حقيقية للحاجات المزمنة للمواطنين، أما المطالب الإيديولوجية بما فيها الدعوات إلى تطبيق الشريعة، فقد أصبحت تدريجيا أهداف هامشية، يجب التأكيد هنا على أن الحزب، في برنامجه الإنتخابي في العام 2007 ركز على تعزيز الهوية الإسلامية للمغرب، كأساس لأولوياته المتعلقة بالدين، بدلا من الإشارة إلى الشريعة كإطار مرجعي إسلامي»، لكن خرجات وزرائه توحي ب«صحوة دعوية جديدة».
رغم أن العدالة والتنمية استطاع في مؤتمره الأخير الإنتصار لخيار المشاركة في التدبير السياسي، لكنه بمجرد اكتساحه لمقاعد البرلمان، عادت وجوه محسوبة على التيار الدعوي للضغط بشدة سواء داخل حركة التوحيد والإصلاح أو المحسوبين عليها، لذلك حرص وزراء الحزب في الحكومة على القيام بخرجات تؤكد لمؤتمري الحزب المقبل أنهم لم ينسوا مرجعيتهم الدينية والأخلاقية، ذلك أنساهم الميثاق الأخلاقي للأغلبية الحكومية وتسبب في سجالات مع حلفائهم، وقد يفجرون الحكومة إن توسعت التصدعات.
خرجات وزارية تخضع لمنطق الدعوة وتصفية الحسابات الإيديولوجية
بنيان الحكومة يتصدع يوما بعد يوم. ليس الأمر بسبب عدم الرغبة في الحفاظ على تماسك الفريق المشكل لأغلبية أول حكومة يشكلها حزب إسلامي في المغرب، ولكن مرتبط بتشكيل الحكومة منذ البدء ومكوناته الهجينة وغياب الوضوح في تحديد الأولويات والمرجعيات الفكرية والإيديولوجية. كل ذلك جعل التدبير الإيديولوجي يعوم على البرنامج الحكومي .
منذ بدء تشكيلها، بدأ الصراع حول الإختصاصات بين وزراء العدالة والتنمية بين كلا من نجيب بوليف وإدريس الأزمي والإستقلالي نزار البركة. لم يقتصر الأمر على تحديد اختصاصات كل وزير بعد أن اقتنص الإستقلاليون «شكارة الحكومة» من حزب المصباح، لكن الأمر تعدى ذلك حين دعا الوزير الحبيب الشوباني إلى وقف تمويل المهرجانات وهاجم رفقة قياديين من حزبه بالخصوص مهرجان موازين والأجور التي وصفت «بالخيالية» للفنانين الأجانب، قبل أن يرد عليه وزير الثقافة محمد الصبيحي بقوة. ذات الأمر كررته الوزيرة بسيمة الحقاوي التي طالبت بدورها رفضها استقبال الراقصة اليهودية «كوزيمان » في مراكش.
خرجات وزراء العدالة والتنمية سارت في منحى واحد ذات بعد أخلاقي وإيديولوجي، فوزير الإتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة ربط وجوده في الحكومة بمنع اشهار اليانصيب في القناة الثانية، وسارع وزير الشباب والرياضة من الحركة الشعبية ليرد عليه بقوة بأنه «ليس فقيها وليس مفتيا للديار يحرم ويخون»، مضيفا أنه « كان يجب أن يتخد القرار داخل مجلس الحكومة» ودافع عن الشركة المغربية للألعاب الرياضية وبرر ذلك بالمنح التي يحصل عليها صندوق التنمية الرياضية والتي تصل إلى 13 مليار سنتيم وسيحرم منها بعد قرار الخلفي. ولم يقف الخلفي موقف المتفرج، بل رد عليه بقوله « من حقي أن أفتي، فأنا حاصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية».
لم يتوقف السجال بين مكونات الحكومة، فمباشرة بعد نشر دفتر تحملات قنوات القطب العمومي، سينتقد حزب التقدم والاشتراكية بشدة مشروع وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي في البرلمان، وتقدم فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب بطلب عقد اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال في أقرب الآجال بحضور الخلفي، ومختلف المسؤولين على إدارات القطب العمومي، والمسؤولين في جميع القنوات التلفزية الوطنية والجهوية لدراسة أوضاع هذه القنوات ودفاتر التحملات الخاصة بها.
قبل ذلك أثار نشر وزير التجهيز عزيز رباح لوائح المستفيدين من الكريمات ردود فعل الأمين العام للتقدم والإشتراكية نبيل بن عبد الله الذي لم يتردد في توجيه سهام النقد للرباح وقال « إن مثل هذه الخرجات الإنفرادية من شأنها أن تشتت العمل الحكومي»، وانتقد حزبه أيضا نشر لوائح الجمعيات المستفيذة من الدعم، خاصة أن وزيرة الأسرة والتضامن تعي جيدا أن جمعيات بعينها تستفيذ من الدعم الخارجي للاهتمامها بمجالات اجتماعية تدخل في نطاق الحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان. وأطلقت نزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية سابقا والنائبة البرلمانية حاليا عن حزب التقدم و الاشتراكية المشارك في الحكومة نيران نقذها تجاه بسيمة الحقاوي خليفتها في الوزارة ذاتها، واتهمتها على أمواج إذاعة أصوات بأنها «تغالط الرأي العام بقولها أنها نشرت لوائح الجمعيات المستفيدة من الدعم العمومي، في حين أن تلك اللوائح كانت دائما منشورة على صفحات الموقع الالكتروني للوزارة».
خرجات وزراء العدالة والتنمية تلك ليست الوحيدة، فحين حل وزير العدل والحريات ضيفا على السلفي المغرواي بدار قرآنه، قال ما معناه إن «السياح يأتون إلى مراكش للتسلية وللمعاصي بعيدا عن الله»، وهو ما جعل وزير السياحة لحسن حداد يواجهه وينتقده. ولم يكتف وزير السياحة بالرد عليه عبر الصحافة، بل أصدر بلاغا ليوقف عند حده، وقال فيه «إن قطاع السياحة من اختصاص وزير السياحة ورئيس الحكومة«، ورد له الصاع صاعين بقوله أن «المغرب يعرف كيف يلتزم باقلوانين التي تكفل حرية الأشخاص».
بعد حوالي مرور مائة يوم على عمر الحكومة، بدأت كل المؤشرات تؤكد أن وزراء العدالة والتنمية لهم أجندتهم الخاصة إرضاءا لجناح حزبهم الدعوي. بوزارة الإتصال، منعت توزيع صحف بالمغرب منها «نوفيل أبوسرفاتور» لمرتين و«ليكسبريس» و«بيلران» و«كازيل» بسبب ما أسمته «سليت أفريك» «قراءة حرفية للدين». الإسلاميين الذين قبلوا مدونة الأسرة سنة 2004 يرفضون أيضا إلغاء نصوص مهينة للمرأة في القانون الجنائي، منها الفصل 475 الذي دفع الطفلة أمينة إلى الانتحار بعد تزويجها بمغتصبها. ورغم أن القانون المغربي يمنع على المسلم تناول المشروبات الكحولية، فإن هناك إقبالا على تناولها، وحاول الإسلاميون بكل ما أتوا من قوة منع استهلاك الخمور، وفرضوا رفع الأثمنة من خلال رفع الرسوم على هذه المشروبات.
مباشرة بعد تكليف الأمين العام للحزب الإسلامي بتشكيل الحكومة، خرجت في مختلف المدن ميليشات تابعة له أو مقربة من توجهات لمحاربة ما تسميه «الفساد والممارسات المخلة بالأخلاق العام» وما أشارت إليه وسائل إعلام من أنها « شرعت في تنفيذ حملات ضد بعض المحلات التي ادعت أنها تستخدم أوكارا للفساد». ورغم نفي وزارة الداخلية في بلاغ لها صدر الثلاثاء 28 فبراير وجود أي لجن شعبية أو مجموعات شبابية، لكن تبين أنها حقيقة في عدد من المدن كالحاجب وتمارة وغيرها. واضطرت الوزارة فيما للتأكيد أن «الأمر يتعلق بمبادرات شخصية معزولة»، لكن رسالة وزير الداخلية المضمرة كانت واضحة وهي أن « مسؤولية الحفاظ على الأمن هي من اختصاص المؤسسات التي حددها وينظمها القانون»، وأنه «لا يحق بالتالي لأي شخص مهما كانت الدواعي التي تدفع به أن يعطي لنفسه حق ممارسة هذا الاختصاص الذي يهم أمن وسلامة المجتمع»، بل شدد بلاغ وزارته على أن «المغرب دولة الحق والقانون، ولن يسمح لأي تطاول على اختصاصات مؤسساته الأمنية»، وأن «السلطات المختصة لن تتوانى في التصدي بكل حزم وصرامة لكل من سولت نفسه محاولة القيام بالدور الموكول للأجهزة الأمنية المختصة في الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين». وكانت تلك إشارة واضحة لوزارة الداخلية والوزير العنصر ضد تمادي تلك المليشيات في أعمالها.
وزراء العدالة والتنمية، اعتبروا أن الحكومة حكومتهم، أما باقي الحلفاء، فمجرد قطع غيار قابلة للتغيير عند أي عطب، ونسوا أن الحكومة حكومة تحالف وليست حكومة حزب بعينه. ذلك ما تبين بعد اعلان وزير الإتصال مصطفى الخلفي عن إلغاء رسم السمعي البصري دون أن يكون مدرجا في قانون المالية الذي يقع تحت وصاية الوزير الاستقلالي نزار البركة، وأعلن نجيب بوليف عن قرب اعتماد البنوك الإسلامية التي هي من اختصاص وزير الاقتصاد والمالية، وهاجم الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان مهراجانات ثقافية تدخل في نطاق تخصص وزير الثقافة المنتمي لحزب التقدم والإشتراكية ...
نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، كان أكثر واقعية من بقية وزراء الحكومة، حين قال في حوار مع يومية المساء إن «محاربة الفساد لا تتم بالتصريحات الرنانة»،، مضيفا أن قانون المالية يعبر عن مشروع مجتمعي، وهو لا يتضمن إجراءات نكوصية أو محافظة أو تعاكس التحولات التي نبتغيها أو تضرب في الصميم المشروع التقدمي الديمقراطي لحزبنا»، لكنه كان واضحا بالقول «لنكن واضحين، إن كانت هناك في السمتقبل إجراءات قانونية تمس في الصميم السايحة المغربية أو تمس الحريات سننسحب من الحكومة». ذلك يصير حقيقة لو استمر السجال بين أعضاء الحكومة.
ذلك ما تنبهت له المعارضة، حيث نبه المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة أحد مكوناتها إلى «خطورة سعي بعض الوزراء إلى افتعال سجالات بخلفيات عقدية وإيديلوجية ممارسة منهم لسياسة الهروب إلى الأمام محاولة التنصل من وعودهم الانتخابية وتعبيرهم عن صعوبة تأقلمهم مع مستلزمات تدبير الشأن العمومي»، واعتبر الضجة «المفتعلة حول دفتر التحملات الذي وضعه وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة إلا نموذجا فاضحا يهدد في العمق المكتسبات الديمقراطية ويسعى يائسا إلى المساس بقيم التعدد والانفتاح ببلادنا».
الحقائب تنسي البرنامج
حين اكتسح العدالة والتنمية بأغلبية مقاعد البرلمان، وجد صعوبة في تشكيل تحالفه الحكومة، فمكونات الكتلة رغم جمودها منذ سنوات لم تتوافق على الدخول في الحكومة برفض قواعد حزب الإتحاد الإشتراكي المشاركة فيها والعودة للمعارضة، قبل أن يضمن حزب المصباح مشاركة كل من التقدم والإشتراكية وحزب الإستقلال، وبعدها الحركة الشعبية.
كان الهاجس في مرحلة تشكيل الحكومة هو البحث عن حلفاء وترك الأهم وهو التقارب الأيديولوجي جانبا، حين ركز رئيس الحكومة المعين حينها مشاوراته مع قيادات الكتلة الديمقراطية. الحزب استبعد منذ البدء أي تحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة أو التجمع الوطني للأحرار بسبب صراعات سياسية وتبادل التصريحات النارية قبيل الإنتخابات. وقبل تشكيل أغلبيته من حلفاء ينتمون لأطياف سياسية غير متقاربة إيديولوجيا، وشكل منها فريقا هجينا من اليمين واليسار والمحافظين.
حتى بعد ضمان حلفاء الأغلبية الحكومية غاب البعد الأيديولوجي. وبدأت المشاورات حول توزيع الحقائب. حينها كان كل حزب يبحث عن الإستفراد بوزارات لها وزنها وحتى تكون مشاركته في التدبير الحكومي وازنا. كانت الجولة الأولى مخصصة لجس نبض الأحزاب السياسية التي عبرت مكاتبها السياسية عن مشاركة «البيجيدي» في الأغلبية الحكومية ويتعلق الأمر بحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية. مرحلة توزيع الحقائب الوزارية قد عرفت نوعا من شد الحبل بين بعض الأطراف المتحالفة نتج عنه تأخر لم يكن متوقعا ورسم صورة مضببة على مآل المشاورات.
وعقب انتهائه من مشاراته وتوزيع المقاعد الوزارية بين الأحزاب، حرص بنكيران على التأكيد أن «على الحكومة الجديدة أن تكون كتلة موحدة ومنسجمة وقوية وفي مستوى اللحظة التاريخية»، ولأول مرة يتم وضع ميثاق لمكونات الأغلبية الحكومية بدا أنه بقي حبرا على ورق.
النظرية التي تلزم وزراء العدالة والتنمية بممارسة الدعوة
جميع وزراء العدالة والتنمية هم أعضاء في حركة التوحيد والإصلاح، وبالنتيجة هم ملزمون بالمرجعيات النظرية للحركة، وبتنفيذ تصوراتها، ولعل الأبرز والأكثر قوة منها، ما ورد في كتاب «الرسالية في العمل الإسلامي : استيعاب ومدافعة» للدكتور محمد الحمداوي ، من تأصيل نظري للعلاقة بين فعل الدعوة الدينية والمشاركة السياسية. وقد اخترنا كتابات الحمداوي بالضبط، لسببين، الأول هو صفته الرئاسية للحركة مما يجعله مرجعا توجيهيا لباقي الأعضاء والأطر ، والسبب الثاني هو كونه تحمل رئاسة الحركة خلال الفترة التي طرح فيها بجدة الفصل بين الحركة والحزب ( من 2003 إلي 2013).
تدور تنظيرات الحمداوي حول مفهوم العائد الحضاري لفعل المشاركة السياسية(الصفحات 57- 58-56) ووفق هذا التصور يصبح الحزب مطالبا بتحقيق المردودية الدعوية للحركة أكثر ما هو مدعو للإنشغال بأسئلة الإنتخابات ومخاطر الإحتواء، يقول الحمداوي «كانت نقاشات الحركة الإسلامية الذاتية مهتمة أكثر ، تارة بالنتائج وبالأعداد والأرقام التي تحققها في كل استحقاق انتخابي صعودا أو أفولا، وتارة أخرى بمظاهر الثأثير السلبي لفعل المشاركة على المنسوب التربوي لزبناء الحركة، وانشغل البعض الأخر تارة ثالثة، بمسألة احتواء الحركة الإسلامية من قبل الدولة من خلال مدخل المشاركة السياسية. حكايات كثيرة وانشغالات عديدة وأسئلة مشروعة للفاعل الحزبي الإسلامي بشكل مباشر، إلا أنها تبدو ثانوية بالنسبة للفاعل الدعوي المهتم أكثر بقضية الدعوة ومدى انتشارها»
يعتبر الحمداوي أن هذه الأسئلة عكست التفاعل الفكري والسياسي والوجداني مع لحظة ما بعد فعل المشاركة ، غير أن ضغط اللحظة ، وعنف المخاض في إخراجة التجربة في الداخل والخارج ، لم يسعف أبناء الحركة في «البحث فيما أسميه العائد الحضاري لفعل المشاركة السياسة، ويلتفتوا جميعا إلي مستمسكات الدعوة من خلال فعل المشاركة واستثمار نتائجها في الآفاق، متسائلين راغبين في الاستجابة: كم أطرت دعويا المشاركة السياسية من شاب وشابة؟ وكم استثمر دعاتها في تربية المشاركين سياسيا والمصوتين انتخابيا وتزكية أخلاقهم وتنمية أذواقهم وتسديد أفكارهم؟ هل بذل دعاتها الوقت الكافي والجهد اللازم للاستثمار الدعوي في المكاسب البشرية للمشاركة السياسية؟»
ويؤكد الحمداوي أن من المقتضيات اللازمة لإنجاح مرحلة ما بعد المشاركة فعلا وحقا ، أي بعد انتقال المشاركة من فكرة تصورية إلى تجربة حية وواقع جديد، «نرى أن من مقتضيات ذلك، استصحاب البعد الدعوي لمشاركتنا السياسية ، وإعطائها زخما بنائيا أكبر ، يمكنها من الاستمرار في فيما بعد المد الجماهيري الذي تحققه، ولن يكون ذلك إلا بإيجاد خيط رفيع بين التدبير اليومي لفعل المشاركة ، والتأطير الحضاري لنتائجها المقدرة».
إن من أسباب نزول المشاركة السياسية، يقول الحمداوي، «اعتبارها محطة دعوية، تسهم في تمكين أفراد جدد من فقه دينهم بعد الإنتماء السياسي أو التصويت الإنتخابي (...) وعلى سبيل ختم ما بدأناه ، واستخلاص ما أردنا التنبيه عليه، فإن فعل المشاركة السياسية – كما نتطلع إليه- يقاس بحجم النجاح الدعوي أكثر مما يقاس بحجم النجاح الإنتخابي، فهذا الأخير قد ينتهي مع انتهاء لحظة المد، لكن النجاح الدعوي والحضاري الذي يستجيب لقابليات التجاوب مع الرؤية الإصلاحية العميقة للإنسان في كينونته ومنهج حياته، يساهم في إطالة مرحلة المد، وإعطاءها عمقها الفكري والتربوي والاجتماعي، الذي نعكس على رسوخ الدين في وعينا الجمعي وفي انتمائنا الحضاري ، وأيضا على تجذر قيم التدين في سلوكنا المجتمعي العام، الذي به تتحقق التزكية والرسالية والنهضة المنشودة، وهي الأبعاد التي بدونها لن يكون فعل المشاركة السياسية سوى لحظة عابرة من لحظات العبور الأخرى».
الخلاصة واضحة ولاتحتاج لكثير من التعليق، وزراء العدالة والتنمية يقيسون مشاركتهم الحكومية بما تحققه للدعوة الدينية، والخرجات الإيديولوجية هنا أو هناك ، ليست انفلاتات وزراء حديثي العهد بالتجربة الحكومية، لكنها تعبير عن تصور نظري محكم يشكل قاعدة «ربط المسؤولية بالمحاسبة» داخل أوساط حركة التوحيد والإصلاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.