في كثير من الأحيان ينتابني شعور بخيبة الأمل ممزوجا بالإحباط وأنا أتابع عن كثب الانزلاق الأخلاقي الذي أصبحت تعيشه مؤسساتنا التعليمية يوما بعد يوم. فالكثير من الظواهر المشينة أصبحت ملتصقة للأسف بهذا الفضاء الذي كان إلى زمن قريب مكانا للتحصيل يضرب برواده المثل في سمو الأخلاق وعلو الكعب في المعرفة والتهذيب والعفة والشموخ لقد أصبح الداخل إلى مؤسساتنا التعليمية مولودا والخارج منها مفقودا فأين نحن من أولئك التلاميذ الذين كان شغلهم الشاغل هو الدراسة والتحصيل والذين كانوا يتنافسون لنيل أعلى النقط وأحسنها عندما يمر المرء جوار أي مؤسسة تعليمية (إعدادية أو ثانوية)، يصاب بالدهشة والحسرة في آن واحد، تلاميذ تركوا قاعات الدرس للتجمع حول أبواب المنازل والحدائق المجاورة ليس من أجل التداول في شؤونهم الدراسية ولكن للأسف للتدخين وإتيان أفعال منافية للأخلاق. تلميذات هائمات على وجوههن، شاردات، يبحثن عن شيء ما (لا علاقة له طبعا بالدراسة والفاهم يفهم). لقد أصبح هذا الفضاء الخارجي شبيها بسوق تباع فيه كل الأشياء من حشيش وأقراص هلوسة، بل الأنكى من ذلك يباع فيه شرف بناتنا بأرخص الأثمان، حيث يأتي أناس عديمو الأخلاق للتلاعب بفتيات لم يجدن من ينتشلهن من براثن الضياع. أما إذا ما ولجت داخل المؤسسة فالوضع لن يختلف كثيرا أو لنقل فالمصيبة أعظم، تلاميذ استعاضوا عن الجد والاجتهاد بالشغب وسوء الأخلاق فلا يكاد يوم يمر دون مشاحنات وملاسنات سواء بين التلاميذ أنفسهم أو بين هؤلاء والهيئة التعليمية. فهذا تلميذ يريد دخول الفصل وقتما شاء دون الامتثال للضوابط والقوانين الداخلية، وآخر يريد الولوج وهو في حالة تخدير ضدا عن كل الأعراف، وتلكم فتاة تصر على دخول الفصل بملابس لا علاقة لها بالزي المدرسي. والنتيجة؟ صراع مرير من أجل إلزام التلاميذ بالامتثال، يواجهه هؤلاء بعصيان كبير مما يحول في كثير من الأحيان دون مرور الدراسة بشكل عادي ويؤثر على باقي التلاميذ الذين جاؤوا فعلا من أجل التحصيل (رآه باقي لي باغي يقرا). كثيرة هي الظواهر السلبية التي تعيشها مؤسساتنا التعليمية، ولو تكلمنا أياما وأياما لما استطعنا إيفاءها حقها من التحليل، ولكن يجب أن ن-طرح السؤال، من المسؤول عن هذه الوضعية؟ كلنا مسؤولون بشكل أو بآخر، فالأسرة تخلت عن دورها في الرعاية والمراقبة، هناك آباء لا يعرفون حتى المستوى الذي يدرس فيه أبناؤهم وحتى إن عرفوا فهم لا يراقبون نتائج أبناؤهم، بل الأدهى من ذلك فهم لا يقومون بزيارات ولو مرة في الشهر للمؤسسات للسؤال عن أحوالهم الدراسية. وهكذا يشعر التلميذ أنه غير مراقب من طرف ذويه فينزلق في أتون الانحراف الأخلاقي. وماذا عن الأساتذة أو الهيئة التعليمية برمتها؟ بطبيعة الحال فمسؤوليتها كبيرة، فالكثير من الأساتذة لا يتقنون فن التواصل مع تلاميذهم والتقرب منهم لمعرفة ما بدواخلهم والمشاكل التي يعانون منها، فالكثير منهم يكتفون بإلقاء الدروس وكفى. أما الإداريون فيركزون دائما على الجانب الزجري ( وهذا ضروري )، لكن هل هذا كاف؟ لا أظن، فهناك تلاميذ على شفا حفرة من الضياع ( وآخرون ضاعوا) محتاجون لمن يأخذ بيدهم لتصحيح المسار، ولكن للأسف فجل مؤسساتنا تنعدم فيها مثلا” مراكز الاستماع” من أجل المتابعة النفسية والاجتماعية لناشئتنا. فالتلميذ ليس منسلخا عن المجتمع ويتأثر بكل ما يدور حوله، فهناك من طلق أبواه ولم يحتمل الصدمة، وهناك من كان ثمرة علاقة غير شرعية يحسبها كوصمة عار، وهناك تلميذات اغتصبن وهن صغيرات فتحطمت أمالهن ولم يجدن لا عونا ولا سندا بل وجدن ذئابا بشرية استغلت ظروفهن وعبثت بما تبقى من كبريائهن. إننا يا سادة أمام معادلة متشعبة يتداخل فيها ما هو تعليمي محض مع ما هو أخلاقي صرف، معادلة أطرافها التلميذ والأسرة والمدرسة والشارع، فالمجتمع كله مسؤول عما تعيشه مؤسساتنا التعليمية من انزلاق أخلاقي خطير يهدد مستقبل بلادنا العزيزة، فتلاميذ اليوم هم رجال الغد فلنساهم جميعا في خلق جيل قادر على رفع التحديات وقيادة البلاد نحو الرقي والازدهار. فتحي رضوان