واجه سعد الدين العثماني أقوى موجة انتقادات برلمانية، لأول مرة منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب لمحاصرة انتشار وباء كورونا. ووصل الأمر لحد انقسام واضح حتى بين مكونات الأغلبية الحكومية داخل مجلس النواب، في الوقت الذي ذهب فيه عبد الله بوانو، رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب وأحد أقوى نواب العدالة والتنمية، إلى اعتبار تمديد حالة الطوارئ الصحية «قرارا لا طائل منه»، مضيفا أن كل المؤشرات تدل على خسارة العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية لقدرتها على المقاومة في ظل انحسار اهتمام الدولة بمواجهة انتشار فيروس كورونا باستمرار الحجر. العثماني: نملك آلية قانونية لاستمرار الحجر اعتبر سعد الدين العثماني، في جلسة الأسئلة الشفوية لمجلس النواب الخاصة بالسياسات العمومية، أن حالة الطوارئ الصحية، المنظمة بموجب المرسوم بقانون رقم 2.20.292، هي الآلية القانونية المؤطرة لكافة التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية لحماية المواطنين من جائحة كورونا، والتخفيف من آثارها الاقتصادية والاجتماعية، في حين أن الحجر الصحي ما هو إلا أحد الإجراءات التي تندرج في إطار حالة الطوارئ الصحية، والذي قد يتضمن مقتضيات تختلف من مرحلة لأخرى، حسب تطور الوضعية الوبائية. ودافع العثماني عن حصيلة فترات حالة الطوارئ، الممتدة من 20 مارس إلى 10 يونيو، معتبرا أنها مكنت من تحقيق جل الأهداف المتوخاة من إقرار تدابير الحجر الصحي، سواء تعلق الأمر بالتحكم في الوضعية الوبائية، أو الحد من انتشار الفيروس، أو التقليل من حدته، أو تفادي عجز المنظومة الصحية عن مسايرة الوضعية الوبائية، بالإضافة إلى التقدم في توفير الشروط التي التزمنا بالعمل على تحقيقها. وأضاف رئيس الجهاز التنفيذي أن حالة الطوارئ الصحية لم تكن تعني في أي وقت وقف عجلة الاقتصاد، بل اتخاذ تدابير استثنائية لتقييد الحركة وتنظيمها، وفقا لما ورد في عدد من البلاغات الرسمية الصادرة منذ 20 مارس الماضي. وأضاف العثماني أن الحكومة أعلنت في نفس الوقت عن تصور متكامل، وفق مبادئ محددة، وشروط واضحة، وتدابير عامة وقطاعية مضبوطة، لإعداد تخفيف آمن وتدريجي لتدابير الحجر الصحي، كما أعلنت عن برنامج إجرائي، غني وشامل، لتنزيل هذه الخطة، والإعداد لمرحلة ما بعد 10 يونيو، ومنذ ذلك الحين وجميع القطاعات منكبة على تنفيذ ما تم الإعلان عنه والإعداد لهذا الموعد الجديد. وعلى حدي نقيض اعتبر رئيس الحكومة أن مؤشرات حدة الوباء، من حيث نسبة الإماتة، ونسبة الحالات التي تستلزم العناية المركزة، هي أقل من المتوسط الدولي. وقد يكون مرد هذا الأمر إلى تأثير المناخ، أو معدل السن، أو لأسباب وراثية، أو بسبب تحول طرأ على الفيروس، على حد قوله، لكن من جهة أخرى اعتبر أنه، وبالنظر إلى محدودية المعلومات التي تتوفر لدينا، ولدى الإنسانية جمعاء بخصوص هذا الوباء، فإنه من الصعب للغاية الجزم بأجوبة عن حقيقة تفسير هذا المعطى، وهو ما يبرر الإبقاء على الحيطة والحذر تجاه هذا الفيروس. في السياق نفسه اعتبر أن خاصية أخرى لانتشار الوباء ببلادنا، تتعلق بالتفاوت الكبير بين مناطق وعمالات المملكة، وكذا باستمرار ظهور بؤر لانتشار الوباء بطريقة متكررة في أوساط عائلية، وأخرى مهنية أو صناعية، مما يستدعي أيضا مضاعفة الحذر. كما أن بعض أقاليم وعمالات المملكة ما تزال تشكل مصدر قلق، من حيث عدد الإصابات اليومية، أو توالي بروز البؤر الوبائية هنا وهناك. واعتبر العثماني في سياق آخر أن المغرب، وعلى غرار باقي بلدان العالم، تأثر بالتداعيات السلبية لجائحة كورونا على المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، إذ تضررت العديد من القطاعات الحيوية على إثر فرض حالة الطوارئ الصحية، كما أدت الأزمة إلى اضطرابات على مستوى سلاسل الإنتاج والتوريد، بالإضافة إلى تراجع المداخيل من العملة الصعبة. وانعكس الوضع سلبا على مجموعة من المؤشرات الماكرو-اقتصادية، بما فيها معدل البطالة، من جراء التوقف الكلي أو الجزئي لنشاط عدد من المقاولات (حوالي 136 ألف مقاولة، ما يشكل حوالي ثلث المقاولات/ و960 ألف أجير في وضعية عطالة تقنية، ما يشكل حوالي ثلث الأجراء المصرح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي). كما سجلت الصادرات تراجعا بأكثر من 60 في المائة مقابل حوالي 40 في المائة بالنسبة للواردات. وقد هم تراجع الصادرات، على الخصوص، القطاعات المرتبطة بسلاسل القيمة العالمية، كقطاع السيارات، والطيران، والإلكترونيك، والنسيج والألبسة. وأشار رئيس الجهاز التنفيذي إلى عائدات القطاع السياحي عرفت انخفاضا ملحوظا يقدر بنسبة 60 في المائة إلى متم شهر أبريل 2020، بالموازاة مع تسجيل انخفاض على مستوى تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وتراجع إيرادات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 26 في المائة خلال نفس الفترة. ومن المتوقع أن يترتب عن هذه التطورات انكماش مهم للناتج الداخلي الخام هذه السنة، وفقا لما ساقه العثماني، الذي أضاف أن الاقتصاد الوطني يتكبد خسارة تقدر بمليار درهم عن كل يوم من الحجر الصحي، بالإضافة إلى نقص في مداخيل الخزينة يقدر ب500 مليون درهم في اليوم الواحد. ولقد نتج عن هذه الوضعية انعكاسات اجتماعية سلبية بسبب تدني دخل فئات عريضة من الأسر، يضيف العثماني، واحتمال فقدان مناصب الشغل في العديد من القطاعات الإنتاجية، مما سيؤثر سلبا، على القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين. ووضع العثماني وفقا لخطة حكومته شروط الانتقال إلى مرحلة تخفيف الحجر الصحي، مضيفا أن هذه الشروط كانت تفرض تأهيل المنظومة الصحية الوطنية، ليس فقط لاستقبال عدد الإصابات ىالفيروس في ظروف الحجر الصحي، بل أيضا لتحمل ارتفاع حالات الإصابة المحتملة والناتجة عن إجراءات تخفيف الحجر الصحي، بالإضافة إلى الاستمرار في توفير العلاجات الضرورية للحالات المرضية الأخرى. وفي هذا الإطار، عملت الحكومة على الرفع من قدرات المنظومة الصحية. وأضاف العثماني ضمن خانة نفس الشروط توسيع القدرة على اختبار من يعانون من أعراض الوباء، حتى يكون اكتشاف الحالات الجديدة سريعا وتتبع مخالطيهم ناجعا، مضيفا أن «الحكومة عملت على الرفع التدريجي من قدرات منظومتنا الصحية، لننتقل في بداية تدبير الوباء، من حوالي ألف اختبار يوميا، وبثلاثة مراكز للاختبارات فقط، لنصل حاليا إلى تعبئة 24 مختبرا وطنيا، ورفع عدد التحاليل المخبرية للكشف عن الفيروس إلى 17500 يوميا». وأضاف العثماني أن تخفيف تدابير الحجر الصحي جاء بهدف الرفع من قدرة بلادنا على المراقبة الفعالة وتتبع جميع الحالات المؤكدة ومخالطيها بطريقة ناجعة وسريعة. وفي هذا السياق، عملت وزارة الصحة ووزارة الداخلية على تطوير تطبيق معلوماتي للإشعار وتتبع الحالات المحتملة، يحمل اسم «وقايتنا». ويأتي هذا التطبيق دعما لنظام تتبع مخالطي الأشخاص المصابين، ولتمكين منظومتنا الصحية من تحديد هؤلاء المخالطين والتكفل بهم قبل ظهور الأعراض عليهم، وتفادي انتقال الفيروس وتفشيه. معارضة داخل البيجيدي مداخلة عبد الله بوانو، رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، كانت صادمة بالنسبة لرئيس الحكومة، فقد اعتبر البرلماني القوي داخل البيجيدي أنه لم يكن هناك من داع لاستمرار الحجر الصحي في عدد من الأقاليم والعمالات. واعتبر بوانو، في دردشة هاتفية، مع «الأحداث المغربية» بعد جلسة الأسئلة الشفوية، أن كل المؤشرات الصحية تدل اليوم على أن الوضع انتقل من الخطورة للتحكم فيه. واعتبر المتحدث نفسه أن الإبقاء على الحجر في ظل ترجيح كفة فقدان الاقتصاد الوطني لسبع نقاط كاملة، ونقصان موارد الخزينة، وكذا خسارة الاقتصاد الوطني يوميا لمليار درهم. وأضاف في تعقيبه على جواب رئيس الحكومة، أن التمديد للمرة الثالثة مع إجراءت التخفيف يطرح عدة إشكالات، ف«منهجيا هناك غياب الوضوح الشامل»، مضيفا أن«التمديد أغفل الإجابة على فتح الحدود لما له من ارتباط بالسياحة وتنقل الأشخاص، كما أغفل عودة المغاربة العالقين بالخارج». وانتقد بوانو، تغييب المنتخبين عن لجان اليقظة الجهوية، مضيفا أنه من الناحية التدبيرية «تم تكليف لجن لليقظة جهويا وإقليميا لتفيبم الإجراءات، تضم السلطة ويرأسها العامل والوالي كما تضم المصالح الخارجية ووزارة الصحة، لكن المعنيين هم الجماعات الترابية حيث تم تغييبهم، رغم أن القانون التنظيمي 13.11 أكد أن الشرطة الإدارية من صلاحيات الرئيس ولا يمكن لأحد أن يتخذها ومع ذلك تم تغيبه في هذه اللجنة». وأكد بوانو على «ضرورة العودة للحياة الطبيعية الصحية التي أهملت خلال هذه الفترة، حيث إن 30 في المائة من الأسر، بها فرد يعاني من مرض مزمن منهم 48 في المائة لم يلجؤوا للخدمات الصحية خلال فترة الحجر». وأشار إلى أنه «رغم التأكيد على استئناف الأنشطة، إلا أن ارتباطها ببعض المهن والمجالات الترابية، سيحد من انطلاقها وعودتها للحالة الطبيعية». ووجه رئيس لجنة المالية بمجلس النواب مدفعيته نحو الأبناك وشركات التأمين وكذا المحروقات، معتبرا أن هذه القطاعات كانت لاذعة لمن أسماهم ب«المتخلفين يوم زحف معركة المغرب ضد جائحة كورونا». وتساءل بوانو في تعقيبه عن مصير تقرير مجلس المنافسة حول المحروقات، محذرا بأن هذا القطاع قد يسبب احتجاجات، وقال: «اليوم للأسف نعطي للمواطن لكي يحتج، المحروقات نزل ثمنها عالميا ولم ينعكس على الثمن المحلي». البام محبط بعد التمديد لم يجد فريق الأصالة والمعاصرة للتعبير عن إحباطه من قرار الحكومة تمديد حالة الطوارئ الصحية سوى إعلان سحب دعم سابق قدمه لحكومة سعد الدين العثماني. وأعلن فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، على لسان الأمين العام للحزب عبد اللطيف وهبي، عضو الفريق النيابي، أن حزبه سيتخلى عن دعمه السياسي للحكومة في تدبيرها لمحاصرة جائحة كورونا، وهو الدعم الذي سبق أن أعلن عنه الحزب، خاصة مع التأشير للحكومة لتجاوز معدلات المديونية المنصوصة عليه في قانون المالية. واعتبر عبد اللطيف وهبي في تدخل باسم الفريق النيابي أن تعاقد الدعم السياسي الذي قدم من طرف الحزب منذ بداية هذه الأزمة قد ألغي. وأضاف نفس المتحدث في تعقيبه على تدخل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في جلسة الأسئلة الشفوية المخصصة للسياسات العمومية المخصصة لرئيس الحكومة «قرارات حكومتكم حتى الآن ما هي إلا خطوات فاشلة لا ترقى إلى طموحات المواطنات والمواطنين، الذين أصيبوا بخيبة أمل إزاء قراراتكم الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تثير مخاوف كل فئات وشرائح المجتمع». ونبه وهبي إلى أن المقاولات الصغرى والمتوسطة والكبرى قد أنهكت بعدما تحملت بكل حس وطني وبكل مسؤولية عبء المساهمة في مواجهة الجائحة، على حد قول نفس المتحدث، الذي أضاف أن الحكومة ظلت تصدر قرارات تعكس أزمتها التنظيمية والسياسية، وتجعل المواطن يرفض أن يقدم تضحيات أكثر مما قدم في الماضي. واستدرك عبد اللطيف وهبي أن الجميع لا يطالب الحكومة بقرارات أسطورية للخروج من الأزمة «ولكن يريدون فقط الوضوح والحوار، حوار جدي ورصين، حوار حقيقي صادق وجاد ومسؤول، ليتفهم المغاربة الإكراهات، ويشعرون بما ينتظرهم». وخاطب وهبي رئيس الحكومة بالقول «لقد أتعبتنا حكومتكم بصمتها، وحولت الحجر الصحي إلى حجر سياسي، رافعة شعار كم حاجة قضيناها بتركها، فمن واجبكم السيد رئيس الحكومة أن تمارسوا سلطاتكم الدستورية كاملة، لا أن تتخلوا عنها بالتقسيط لبعض الوزراء»، متهما رئيس الحكومة بالتخلي عن سلطات كبيرة للوزراء، وللولاة والعمال، قائلا: «وتخليتم عن صفتكم ومهامكم الدستورية كمؤسسة تنسق وتفوض السلطات، كما همشتم دور المؤسسات المنتخبة، وأبعدتم دور مجالس الجهات، كل ذلك أبان عن فشلكم البين وعدم قدرتكم على اعتماد المقاربات التشاركية أثناء اتخاذ القرار»، يضيف وهبي. الاستقلال: تدبير مرتبك وصف نواب حزب الاستقلال المتواجدين بالمعارضة تدبير الحكومة لمواجهة فيروس كورونا بالمرتبك. ووجه عمر احجيرة، البرلماني عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، انتقاداته لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، معتبرا أن حكومة العثماني «حكومة مرتبكة وخلطت الأمور على المغاربة بسبب التسابق حول التصريحات والتسريبات»، مشيرا إلى أن «تدبير الحكومة أربك المغاربة، وخلق صراعا بين النواب والمواطنين». وأضاف المتحدث ذاته أن «رئيس الحكومة لا يقول أي شيء في جميع خرجاته الإعلامية، رغم التعطش الكبير للمعلومة لدى المواطنين»، منتقدا في الوقت ذاته «الخروج في غير وسائل الإعلام الوطنية وعدم استعراض المعطيات للبرلمان أولا».