أكد رئيس مجلس المستشارين حكيم بن شماش، اليوم الأربعاء بالرباط، أن إصلاح منظومة تمويل الاقتصاد الوطني، يعتبر عاملا محددا لنجاح التحول التنموي الذي انخرط فيه المغرب، عبر ورش تجديد النموذج التنموي. وقال بن شماش، في مداخلة ألقاها بمناسبة اللقاء الدراسي حول تمويل الاقتصاد الوطني، الذي احتضنه مجلس النواب، إن المغرب مدعو إلى إصلاح عميق للقطاع البنكي، بانسجام مع التغيرات التقنية التي يعرفها القطاع على المستوى العالمي وتماشيا مع الدعوة الملكية لتقوية مساهمة القطاع البنكي في الدينامية الاقتصادية الوطنية. وشدد، في هذا الصدد على ضرورة العمل على إعادة النظر في الإطار القانوني الأبناك ومؤسسات الائتمان والرقي به لمرتبة "مدونة بنكية ومالية". ودعا بن شماش إلى خلق منصات خاصة بتمويل وتتبع مشاريع الشباب والمقاولين الذاتيين مع تقوية مكانة الأعمال المصرفية الالكترونية من قبيل PayPal والتأسيس لمرحلة العملات الرقمية المشفرة ببلدنا، بالنظر لكونها مصدرا كبيرا للدخل بالنسبة لشريحة عريضة من الشباب المغربي التي تنشط في ميدان التشغيل الذاتي . كما دعا، بالموازاة مع ذلك، الى تسريع مسار إعادة النظر في منظومة الضمانات وتدبير المخاطر، وذلك انسجاما مع مضامين القانون المتعلق بالضمانات المنقولة، الذي يهدف الى تسهيل ولوج المقاولات إلى مختلف مصادر التمويل المتاحة. في السياق ذاته، أكد رئيس مجلس المستشارين، أن الابتكار المالي هي كلمة السر في مسار إصلاح منظومة تمويل الاقتصاد الوطني، خاصة وأن حالة الإشباع الاستراتيجي للاقتصاد الوطني تستلزم أجوبة براغماتية من أجل تحقيق الاقلاع الشامل، والمضي قدما في "مشروعنا الجماعي للالتحاق بركب الدول الصاعدة". ودعا بن شماش، الى تقوية الصندوق السيادي الوطني انسجاما مع مبادئ سانتياغو، ليكون قادرا على المساهمة الفعالة في الدينامية الاقتصادية الداخلية، وأن يكون بمثابة دراع مالي للدبلوماسية الاقتصادية الوطنية، في ظل توجه المغرب نحو تعزيز حضوره الاقتصادي بالقارة الافريقية من جهة، وكذلك للاستعداد الجيد للنجاح في الالتزام المتعلق بالمنطقة الحرة الافريقية، من جهة أخرى. إلى ذلك، أكد بن شماش أن تمويل الاقتصاد الوطني يشكل عصب الحياة في مسار ضمان التقدم والازدهار، وأن نجاعته يُعتبر عاملا محددا لنجاح الاستراتيجيات الاستثمارية والمبادرات المقاولاتية. وقال بن شماش، إن المغرب بادر منذ الاستقلال، إلى تعزيز نظام التمويل الوطني، بداية من إحداث صندوق الايداع والتدبير بظهير 10 فبراير 1959 ، وإحداث مجموعة أخرى من المؤسسات من قبيل صندوق التجهيز الجماعي وصندوق الادخار الوطني والبنك الوطني للتنمية الاقتصادية. كما عمل المغرب، على تشجيع القطاع البنكي وتقوية ترسانته القانونية واكبتها اصلاحات كبيرة ومتعددة مع التطور الطبيعي لنظامنا التمويلي، ابتداء ا من الظهير بمثابة قانون رقم 1-67-66 بتاريخ 21 أبريل 1967 المتعلق بالمهنة البنكية والائتمانية، الذي وضع تعريفا أكثر دقة للأبناك وحدد صلاحيات هيئات الرقابة. وأوضح بن شماش أنه رغم هذا المجهود التاريخي الكبير، يلاحظ أن النظام التمويلي الوطني ما يزال يعاني من مجموعة من الاشكاليات البنيوية، أبرزها تدهور رسملة البورصة الوطنية بحوالي 50 مليار درهم سنة 2018، وبروز محدودية النموذج الاقتصادي للقطاع البنكي الوطني، بالإضافة الى استمرار تأخر بلادنا في اعتماد الجيل الجديد من أساليب التمويل، وهذا المعطى يؤكده كذلك مؤشر حول مناخ الأعمال العالمي الذي يصنف المغرب في المرتبة 119 عالميا فيما يتعلق بالولوج الى القروض. واستحضر بن شماش، في هذا السياق، مضمون خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة، حيث أكد جلالته أن القطاع "لايزال يعطي أحيانا، انطباعا سلبيا، لعدد من الفئات، وكأنه يبحث فقط عن الربح السريع والمضمون. وهو ما يتجلى مثلا، في صعوبة ولوج المقاولين الشباب للقروض، وضعف مواكبة الخريجين، وإنشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة." وفي السياق نفسه حث جلالته: " القطاع البنكي الوطني على المزيد من الالتزام، والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية، التي تعيشها بلادنا، لاسيما تمويل الاستثمار، ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل والدخل. وفي هذا الإطار، ندعو الأبناك، إضافة إلى الدعم والتمويل الذي توفره للمقاولات الكبرى، لتعزيز دورها التنموي، وخاصة من خلال تبسيط وتسهيل عملية الولوج للقروض، والانفتاح أكثر على أصحاب المقاولات الذاتية، وتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة". وأبرز بن شماش أن هذه الدعوة الملكية، تعتبر بمثابة توصية للقطاع البنكي من أجل تغيير النموذج الاقتصادي الخاص بعمل الابناك الوطنية، خاصة وأن جلالة الملك ركز على مجموعة من النقط المتعلقة بتعزيز المردودية الاقتصادية وتشجيع المبادرات الذاتية، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة العاملة في مجال التصدير، وخاصة نحو إفريقيا، والاستفادة من القيمة المضافة، للاقتصاد الوطني، بجانب تمكين أكبر عدد من الشباب المؤهل، حاملي المشاريع، المنتمين لمختلف الفئات الاجتماعية، من الحصول على قروض بنكية، لإطلاق مشاريعهم، وتقديم الدعم لهم، لضمان أكبر نسبة من النجاح؛ مع العمل على تسهيل ولوج عموم المواطنين للخدمات البنكية، والاستفادة من فرص الاندماج المهني والاقتصادي، خاصة بالنسبة للعاملين في القطاع غير المنظم.