واشنطن 14 يناير 2020 (ومع) غذى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التوصل الى اتفاق تجاري "مرحلي" مع الصين ،من المقرر أن يتم التوقيع عليه غدا الاربعاء بواشنطن، آمال المراقبين والفاعلين في أوساط المال والأعمال في انفراجة في الحرب التجارية الضروس القائمة منذ نحو سنتين بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، والتي اتخذت أبعادا أرخت بظلالها على الاقتصاد العالمي. وقد خلفت هذه الخطوة التي فتحت كوة في جدار الأزمة بين واشنطنوبكين، صدى إيجابيا عكسه بشكل خاص أداء البورصات العالمية وأسواق النفط في ظرفية موسومة بالاضطرابات وحبلى بالتحديات التي تسائل راهن ومستقبل النظام الدولي. ووفق إفادة مسؤولين أمريكيين وصينيين فإن اتفاق (المرحلة الأولى) كما أسماه الرئيس ترامب، سيشمل بنودا تتطرق إلى حماية الملكية الفكرية والمنتجات الغذائية والزراعية والخدمات المالية والعملات الأجنبية إضافة إلى بند مرتبط بحل النزاعات. وأعلن ترامب الوفي لشعاره الانتخابي "أمريكا أولا" الذي جعل منه مبدأ موجها في سياسته الخارجية ، استعداده للتوجه إلى بكين لإجراء مفاوضات حول الجزء التالي من اتفاق أوسع "في موعد لاحق". وكان الرئيس الامريكي ،في مؤشر على التهدئة، قد ألغى خططا لفرض رسوم على ما قيمته 160 مليار دولار من السلع الصينية في منتصف دجنبر تشمل سلعا رائجة مثل الهواتف النقالة ، فيما وافقت الصين، حسب تصريحات المسؤولين الأمريكيين، على شراء منتجات أمريكية بقيمة 200 مليار دولار خلال العامين المقبلين. وقد أعلنت الصين أن نائب رئيس الوزراء ليو هي سيقود الوفد الصيني المتوجه الى واشنطن للتوقيع على اتفاق "المرحلة الأولى" التجاري. ولايمكن، برأي المراقبين ، فصل إعلان الرئيس ترامب عن التوصل الى هذا الاتفاق عن تطورات المشهد السياسي الداخلي في سنة انتخابية حاسمة لولايته الرئاسية، لاسيما في ظل التصعيد الواضح لخصومه الديمقراطيين المستأسدين بهيمنتهم على مجلس النواب والذين يعملون بشتى السبل على الحيلولة دون إعادة انتخابه ولو اقتضى الأمر جره الى المحاكمة أمام مجلس الشيوخ بهدف عزله. وفي مواجهة الهجمات المتزايدة للديمقراطيين، تشكل ورقة المكاسب الاقتصادية سلاح الرئيس ترامب للنأي ، من جهة، عن السجال الدائر حول سلط وصلاحيات الرئاسة وخطوط تماسها مع السلط الاخرى وخاصة الكونغرس ، ومن جهة أخرى، رصف صفوف الموالين له داخل الحزب الجمهوري، وهو الأمر الذي بدا جليا خلال المحاكمة المتعلقة بعزله من منصبه، فضلا عن استمالة المزيد من الأصوات التي تعزز حظوظه في انتخابات باتت على مرمى حجر. ومن هذا المنطلق، يسعى الرئيس ترامب إلى إحداث اختراق في النزاع التجاري مع الصين وتسويقه داخليا لإعطاء مزيد من المصداقية للأداء الاقتصادي لإدارته المنتشية بالبيانات الاقتصادية الجيدة خاصة بالنسبة لمعدل النمو والتراجع القياسي لمعدل البطالة، وكذا تفادي أي تصعيد تكون له انعكاسات سلبية على المستهلك الأمريكي في حال ارتفاع الرسوم الجمركية. وتعد النظرة الإيجابية للاقتصاد إحدى نقاط القوة التي يستثمرها قاطن البيت الابيض في الحصول على أعلى نسب التأييد منذ انتخابه رغم المحاكمة المتعلقة بمسطرة عزله من منصبه وفق استطلاع للرأي أجرته "جامعة كوينيبياك" مؤخرا. وأظهر استطلاع "كوينيبياك" أن نحو ثلاثة أرباع المستطلعة آراؤهم (73 بالمئة) رأوا أن الاقتصاد في وضع جيد أو ممتاز. وعلى خط مواز، يبدو أن المؤشرات الإيجابية في النزاع التجاري الصيني -الأمريكي فتحت شهية الاوروبيين الذين سارعوا الى اقتناص الفرصة لتقويم مسار علاقاتهم مع واشنطن والتي تأثرت بسياسة الإدارة الامريكية الحالية. وفي هذا الاطار، سيلتقي المفوض الأوروبي للتجارة فيل هوغن مسؤولين أمريكيين في واشنطن بين الثلاثاء والخميس، من أجل "إعطاء زخم جديد" للعلاقات التجارية بين ضفتي الأطلسي. وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية إن هذه الزيارة ستشكل فرصة لإيجاد أرضية مشتركة، "كما نأمل التوصل إلى حلول لبعض المشكلات التي كنا تحادثنا بشأنها خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة". ومن المتوقع أن يتباحث المفوض الأوروبي، مع الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر، بالإضافة إلى وزيري التجارة ويلبور روس والخزانة ستيفن منوتشين فضلا عن عدد من أعضاء الكونغرس. وشهدت العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تراجعا منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض قبل نحو ثلاثة اعوام، وإيلائه قضية مكافحة العجز التجاري الأمريكي أولوية. وفرض الرئيس الأمريكي رسوما جمركية قاسية على واردات الفولاذ والألمنيوم، خصوصا من الاتحاد الأوروبي الذي رد بدوره بفرض رسوم إضافية على عدد من المنتجات الأمريكية. ويلوح الرئيس ترامب منذ أشهر أيضا بفرض رسوم جمركية على السيارات الأوروبية، وأخرى إضافية، قد تصل نسبتها إلى 100بالمائة على ما يوازي 2,4 مليار دولار من المنتجات الفرنسية، ردا على إصدار باريس ضريبة على عمالقة التكنولوجيا الرقمية الامريكية. وبعيدا عن الحسابات السياسية الظرفية للجانب الأمريكي وتعاطي الصين مع الملف التجاري ، وهي التي سبق أن حذرها ترامب من المراهنة في إطالة أمد النزاع على عدم انتخابه لولاية رئاسية ثانية، يعتبر العديد من الخبراء أنه من السابق لأوانه الحديث عن نهاية وشيكة للحرب التجارية بين الطرفين في غياب اتفاق أشمل يعالج الكثير من القضايا العالقة. ويرى هؤلاء الخبراء أن الرجة العميقة التي أحدثتها هذه الأزمة في علاقات البلدين ستنجم عنها ،حتى بعد أن تضع الحرب التجارية أوزارها، مراجعات استراتيجية، لاسيما بالنسبة للفاعلين الصينيين، على مستوى التوجهات والخيارات والتي ليس أقلها وضع حد للإرتهان للتكنولوجيا الأمريكية في بعض القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. وتقدم شركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي" مثالا واضحا في هذا الباب.