بعض الكلام المتسرع، في شبكات التواصل الاجتماعي، اعتبر تشكيلة اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي نوعا من سحب البساط من تحت أرجل السياسيين. وهناك من اعتبر شكل تركيبة اللجنة، حكومة موازية أو الحكومة الحقيقية. هو كلام غير منطقي، بل بدون ذاكرة لا قريبة ولا بعيدة. لابد من الإشارة أولا إلى أن تركيبة اللجنة تضم خبرات متنوعة ومختلفة، وتضم شخصيات مشهود لها بالمعرفة كل في مجاله، ومشهود لها بالنزاهة والاستقامة، ونهج سيرها حافل بالتكوين العلمي العالي في مجالات مختلفة. أيضا لابد من التأكيد على أنها لجنة تقنية، لها مهمة محددة في سقف زمني محدد، تقوم بعملها وتقدمه للملك وانتهى الأمر. الذين تحدثوا عن استبعاد الأحزاب من اللجنة ربما ذاكرتهم محدودة. ففي المدى القريب كانت هناك أشياء لا يمكن القفز عنها قبل الكلام في الموضوع. جلالة الملك قبل حوالي ثلاث سنوات تحدث في خطاب على ضرورة إيجاد نموذج تنموي بديل يحل إشكاليات عويصة من قبيل عدم انعكاس المشاريع التي أنجزها المغرب على مستوى التنمية. فهناك عمل كبير أنجز لكن ذلك لم يظهر على مستوى الحياة اليومية للمغاربة. ودعا جلالة الملك إلى فتح نقاش جاد في الموضوع وقول الحقيقة مهما كانت قاسية. بعد هذا الخطاب طلب الملك من الأحزاب تقديم تصوراتها حول النموذج التنموي البديل. ولم نسمع حزبا يصرح بأنه قدم هذا التصور في حينه. بعدها طلب الملك من الحكومة أن تقدم له مشروع النموذج التنموي المتوخى. ولم يطلع رئيس الحكومة ولا الناطق الرسمي باسم الحكومة المغاربة بأن المشروع أنجز والتكليف بالمهمة أنجز، على الرغم من أن في الأمر سقفا زمنيا محددا لم يتم احترامه. هنا تأتي مسألة إنشاء لجنة خاصة عين الملك رئيسها، ثم عين أعضاءها في ما بعد. هذه باختصار شديد كرونولوجيا لجنة النمودج التنموي. لجنة النموذج التنموي ستنكب على إنجاز نموذج بديل. لكن لن تشتغل بمعزل عن السياسة. والأمر قد يقوم على لقاءات وحوار كما حدث مع إنجاز الوثيقة الدستورية. لكن اللجنة سوف تعتمد على الخبرة التقنية بالدرجة الأولى لكون الموضوع تقني في ظاهره. وسوف تحدد مكمن الخلل في النموذج التنموي الذي لم يستطع خلق الثروة وخلق التنمية. اللجنة سوف تجد أمامها ترسانة من التشخيصات للواقع كلها تبين وجود خلل في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. والتشخيص الذي تجمع عليه كل التقارير يلخص المشكل في ثالوث الصحة والتعليم والشغل. لكن لهذا الثالوث تفريعات وتفصيلات عدة سوف تكون هي المعنية بالمعالجة. ستجد اللجنة مشاكل تتطلب الحل الفوري وأخرى تقتضي مدة زمنية متوسطة أو طويلة. لكن مع كل هذا سيتطلب الأمر جدولة زمنية محددة ودقيقة وبآليات إنجاز قابلة للتقييم والمحاسبة. نأتي إلى مربط الفرس في الإشكالية وهو الجانب الاقتصادي. لا يمكن الحديث عن نموذج تنموي بمعزل عن النظام الاقتصادي. والتشخيصات التي أنجزت في هذا الباب تضع الأصبع على مكمن الداء. فالنظام الاقتصادي في المغرب ليبرالي نظريا لكنه ريعي في الجانب العملي. كما تعلق به عدة شوائب من إدارة متخلفة ومساطر استثمار معقدة وحالات فساد. النموذج التنموي لن يكون قادرا على مواجهة الهشاشة وضعف معدلات النمو إذا لم يقم على نظام اقتصادي يقوم على الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص والمحاسبة. وحينما يتوضح نموذج النظام الاقتصادي تأتي مسألة الأولويات، وعلى رأسها التعليم. فبدون تعليم ذي جودة عالية، تتحكم فيه الرغبة في تكوين مغاربة المستقبل، دون حسابات سياسية ولا إيديولوجية، لن تكون هناك تنمية على الإطلاق. أما المنتظر من بعد إنجاز مشروع النموذج التنموي البديل فهو ثورة ثقافية حقيقية تحدد من نحن وماذا نريد وكيف نواجه تحدياتنا الآنية والمستقبلية، بعيدا عن الانتهازية والمصالح الشخصية.