بناء الثقة بين الحكومة والبرلمان ومن خلاله المواطنين. هي رسالة بارزة في خطاب وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، خلال أطوار تقديم ومناقشة مشروع مالية 2020بمجلس النواب. بنشعبون، وباعتماده موقفا "تقنيا"بحثا في الرد على النواب البرلمانيين، سواء في إطار اللجنة المختصة، لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، أو في الجلسة العمومية الخاصة بالتصويت على المشروع، (بنشعبون) سعى إلى الدفع بالنواب البرلمانيين إلى التخلي عن "الشك" في "حسن نوايا " الحكومة. وكانت بارزة دعوة بنشعبون للنواب البرلمانيين لنبذ ممارسات "مكتسبة" وبدء علاقة جديدة تتأسس على "الثقة" و"الشفافية" و"الحوار" وفق تأكيداته. وهي الكلمات الثلاث، التي تشكل لازمة متكررة في خطابه وردوده. وفي كل مرة، يدعو بنشعبون النواب البرلمانيين إلى إعمال "العقل والمنطق" والابتعاد عن "الشعبوية" و"المزايدات السياسية"، التي تكرس الفجوة بين الحكومة والبرلمان. و تكرس، برأيه بذات الوقت، "الترويج لمغالطات شتى " نفور المواطن من الحكومة وتشكيكه في تدبيرها . وفي الجلسة العمومية للتصويت على مشروع مالية 2020بمجلس النواب، التي جرت أشغالها الخميس 13نونبر 2019، عاد بنشعبون إلى إثارة حديث بعض النواب البرلمانيين عن الصناديق السوداء للحكومة. واعتبر بنشعبون نعت هذه الصناديق ب"السوداء" متجاوزا. وأوضح بنشعبون أنه الوصف، الذي لا يليق بأن يصدُر عن ممثلي الأمة بالنظر إلى مهامهم الرقابية على الحكومة، والتي تخول لهم دستوريا، إخضاع عمل الحكومة برمته للرقابة والمحاسبة والمساءلة. وزاد بنشعبون موضحا أن هذا التوصيف أضحى متجاوزا لأن إنجاز مشروع مالية الدولة يخضع للمراقبة ليس فقط وطنيا ولكن دوليا في إشارة إلى المؤسسات الدولية الممولة أو المقرضة. وبالتالي، ووفق توضيحات بنشعبون، فمشروع مالية الدولة يستجيب للمعايير الدولية المعتمدة عالميا في إطار من الشفافية والوثوقية ارتكازا على التوقعات، التي تظل، كما قال، مجرد توقعات ظرفية قابلة للتغير . هذا، وجاء رد النواب البرلمانيين بشكل جماعي داعما لتوضيح الوزير وأقروا أن توصيف الصناديق بالسوداء "إرث لممارسات قديمة". وكان كشف فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، عن أن عدد الصناديق "السوداء" بلغ 66 حسابا، حيث أبقى مشروع قانون المالية الجديد ل2020 على صندوق الزكاة غير المفعل. وبحسب ما جاء في مشروع مالية 2020، فإن نفقات هذه الصناديق، بلغت 9002 مليار سنتيم مسجلة ارتفاعا مقارنة مع الاعتمادات، التي تم رصدها في 2018، والمحدد قدرها في 8400 مليار سنتيم. وفي هذا السياق، كان وصف عضو فريق الأصالة والمعاصرة، عزيز اللبار، في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب بحضور الوزير بنشعبون، الاعتماد المالي المخصص لهذه الصناديق ب"المهول" . ودعا اللبار الحكومة إلى توظيف هذه المبالغ المالية الضخمة، التي قال إنها "لا تخضع للمراقبة " في مشاريع كبرى. وأثار النواب البرلمانيون، خلال الجلسة العمومية للتصويت على مشروع مالية 2020، هذه الصناديق والاعتمادات المرصودة لها واعتبروها " تهريبا لأموال الدولة " و"طريقة لإعفاء هذه الأموال من المحاسبة والرقابة البرلمانية ورقابة المجلس الأعلى للحسابات". وإلى ذلك، فقد صادق مجلس النواب في الجلسة العمومية، مساء الخميس13 نونبر 2019، بالأغلبية على مشروع قانون المالية 70.19 للسنة المالية 2020 ب146 صوتا ومعارضة 60 من النواب. وتتوخى الحكومة من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2020 تحقيق نمو اقتصادي في حدود 3.7 في المائة، مع مواصلة التحكم في التضخم في أقل من 2 في المئة، وضمان استقرار التوازنات المالية من خلال حصر العجز في 3.5 في المائة. وتوجه أولويات المشروع بالأساس لدعم البرامج الاجتماعية، وتقليص الفوارق، وتسريع تنزيل الجهوية، وتحفيز الاستثمار ودعم المقاولة عبر اتخاذ مجموعة من التدابير لاستعادة الثقة ومواكبة الشركات الصغيرة جدا والمتوسطة والمقاولة الذاتية، وتمكين الشباب من إطلاق مشاريعهم والاستفادة من كل فرص الاندماج المهني والاقتصادي. وأكد الوزير بنشعبون أن الحكومة حرصت على التجاوب بإيجابية مع التعديلات المقدمة سواء من الأغلبية أو المعارضة، والرامية إلى جعل مشروع قانون المالية 2020 منطلقا لمرحلة جديدة في المسار التنموي. وأبرز بنشعبون أنه من بين 271 تعديلا تم تقديمها بخصوص الجزء الأول من مشروع القانون، تم سحب 65 تعديلا أي 24 في المائة من مجموع التعديلات، وأشار إلى أنه من بين 206 تعديلات المتبقية تم قبول 74 تعديلا (حوالي 40 في المائة منها لفرق المعارضة). واعتبر بنشعبون أن هذه الأرقام تعد استثنائية وتعكس الأجواء الإيجابية، التي مر فيها النقاش والتصويت على مشروع القانون، وكذا التجاوب والتفاعل الكبيرين للحكومة مع تعديلات كافة الفرق والمجموعات النيابية أغلبية ومعارضة، لافتا إلى أن ما يعكس أكثر هذه الأجواء الإيجابية هو التوافق بشأن صياغة مشتركة للمادة التاسعة من مشروع القانون، التي تمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة عند تنفيذ الأحكام القضائية.