قلتها في اليوم الأول من هذا الموسم الجديد، و أكررها اليوم ما دمنا في بداية أخرى من بين بدايات أضحت تتشابه من فرط تكرار نفس المشهد. تأخرت قليلا، لأن القلم كان يحتاج أن أحفزه بفترة توقف، و أن أمنح نفسي مهلة للتأمل. كنت أود أن أعود و أنطلق، لأناقش بواطن الأمور مع أهل الاختصاص. لا أعرف حقا إن كان هذا التفصيل ممكنا، أم أنه حلم مؤجل إلى حين. نعبر من التقديمات التي تصيبني من بالملل إلى صلب ال"سي بي إم".. عدت و تصادفت العودة مع تنظيم مهرجانات بداية الموسم، و المختص العارف لا يحتاج لكثير من نباهة أو حتى للحضور و المتابعة، ليذكر مرة أخرى بأن ما يقدم، لم و لن يثير اهتمام الشريحة المستهدفة. تستمع للمنظمين، و تمل من كميات التبرير المتكررة، و تتأكد بأن طريقة اشتغال لجنة دعم المهرجانات يجب أن تعدل في أقرب وقت إن كانت هناك رغبة في التطوير. قبل يومين، عبرت دورة جديدة من المهرجان المتوسطي للفيلم القصير في صمت، و مهرجان مراكش الدولي الذي نرافقه و ندعمه بكل الجهد منذ نشأته، ننتظر بفارغ الصبر أن يفضى باسم رئيس لجنة تحكيمه على بعد أقل من شهرين على انطلاقه. من الناحية المنهجية في تنظيم مهرجان دولي، فهذا هو التوقيت الملائم للشروع في بيع الدورة المقبلة التي نتمناها أنجح من سابقاتها. أترك المحلي، و أعبر الدولي لأعرج على عرض عالمي أول لفيلم "جوكير" لتود فيليپس ميز الصيف الذي ودعناه. عدت بعد أن شاهدت الشريط و استمتعت بقتامته و بعنفه الممتع، و هو فعلا يستحق الهالة الإعلامية التي أقيمت حوله و بخصوصه. إخراج بلمسة إبهار من تود فيليپس، و أداء غاية في الروعة من جانب جواكين فينيكس و الكبير روبرت دو نيرو أو فرانسيز كونروي، و الصورة اشتغل عليها لورنس شير بحرفية قل مثيلها. "جوكير" رجل مقهور و محبط، و ممثل فاشل يتحول لجوكير يتفنن في الإزعاج. الجمال في الإزعاج، و ليس الإزعاج بدون جمال. الجمال تشاهده في فيلم يضرب المثالي، و يبجل الطرق الملتوية المستفزة و المثيرة للمتعة في ال0ن. "جوكير" إحدى التحف السينمائية التي أبهرتني في الفترة الأخيرة، و سيبهر بدون ارتياب ملايين المشاهدين عبر أنحاء العالم بعد أن بدأ عرضه، و حقق في نهاية الأسبوع الأول عائدات تقارب 94 مليون أورو في الولاياتالمتحدة في إنجاز تاريخي، و نحو 234 مليون دولار في العالم. عدت بعد مشاهدة هذه التحفة (Un thriller psychologique)، و احتجت لأيام كي أسترجع أنفاسي. مثل كل الأفلام التي تحرك المخيخ، لا زلت أنتظر فرصة مشاهدة ثانية متأنية لكي أستوعب أكثر، و أكتب عنه بثقة أكبر. هو أيضا صيف مشاهدات متفرقة في عديد من أمكنة تحتضن السينما الجميلة داخل و خارج المغرب، و صيف أعدت فيه متابعة أعمال سينمائية خالدة في غرفة مظلمة بعيدا عن الضوضاء و الشوشرة. بعيدا عن الصخب و عن الجدل الذي يضر أكثر مما ينفع، و بمنأى عن تفاهات يروج لها على أنها فن. لم أشاهد فيديوهات سخيفة، و ابتعدت و أبتعد ما أمكن عن برامج تلفزية تستجدي اللايكات اللعينة، و التي قد يكون موتها أفضل بكثير من بقائها. تركت سماسرة الفن و شأنهم، و لم أمنح و لو ثانية من وقتي للإجابة على كلمات عبيطة رصتها بغباء كائنات تتقن التطبيل المجاني و المديح الفارغ الذي تعبنا منه من زمان. بدأت بالمحلي، و به من اللازم أن أهيىء للختم. عدت و التقيت بعضا من أبناء المسرح، أولئك الذين يحاولون و يشتغلون رغم شح الإمكانات. يقدمون جديدهم و يروجون لأعمالهم بما تيسر لهم، و وزارة عليها أن تدعمهم و تعتمد على أناس أكفاء لتهييء الظروف لمهرجان وطني يليق بالمسرح، و بالمجهودات التي يقدمها أهل المسرح. المهرجان الوطني للمسرح، يحتاج لجرعات قوة لن يمنحها إلا المهني العارف بالمسرح، و المصغي لصوت خشبة المسرح. أما المسرح المدرسي الذي ركزت عليه مرارا، و نادى و ينادي بدعمه من زمان عشرات الغيورين على هذا الفن فهو لازال منسيا، و يقحم جورا من طرف الطارئين في خانة الكماليات التي لا تفيد في شيء. باختصار شديد، و بدون اجترار لكلام قد لا يفيد، عدت لأكمل المشوار في ركن يعرفه المتابع المغاربي جيدا، بضمير مرتاح و برغبة في أن أسهم و لو بالقليل في تغيير بعض من تافه العادات. ال"إف بي إم" بدوره انطلق، و النقاش المهنى كان و سيبقى هدفنا المنشود. كنت متعبا، و ارتحت. كنت مرهقا، و ال0ن استعدت أنفاسي و مرحبا بكل من يريد أن يفتح نقاشا هادفا. نجتهد قدر المستطاع، و لم نغير الكثير على مستوى الشكل و المضمون في الوقت الحالي. يبدو حسب بعض العارفين بمساري أكثر مني، بأني لم أعد مجبرا على إثبات أي شيء في مجال اشتغالي. حين ستربحني 0لة الفساد في الفن، سأنسحب بهدوء لأشتغل على أشياء أخرى تنتظرني و أنتظرها. إلى حد ال0ن، لم أخسر و لا زلت قادرا على إزعاج المفسدين في المجال و تعقبهم في جحورهم. شكرا على الاهتمام، و عاش ركن ال"السي بي إم" و عاشت السينما. عدت، لأن قلمي لا يريد حاليا أن يتوقف.