دخل عزيز أخنوش في دينامية حركية مكثفة منذ تعيينه على رأس التجمع الوطني للأحرار، بدأها بإعادة تنظيم هياكل الحزب، والإشراف الشخصي على إقامة المؤتمرات الجهوية على الرغم من انشغالاته المتعددة، ثم المؤتمر الوطني الذي انتخب إدارة جديدة، وأخيرا سلسلة اللقاءات الحزبية، التي تعتبر عملة نادرة خارج الزمن الانتخابي. نشاط عزيز أخنوش رسالة يعبر من خلالها على رغبة في التغيير، ليس فقط من داخل التجمع الوطني للأحرار، بل على صعيد المشهد السياسي المغربي ككل. تحديدا هذا هو المطلوب، فالمنافسة الحزبية تشكل قاعدة العمل الديمقراطي عموما. فقط وجب التنويه إلى أن السياق غير مشجع بالمرة. الشباب المغربي يبدي عزوفا واضحا، ليس عن السياسة تحديدا، بل عن الحقل الحزبي ككل. الشباب لا يتسجل في اللوائح الانتخابية. نسبة العزوف عن التوجه لصناديق الاقتراع تصل إلى 65 بالمائة، وهي نسبة تخفي الكثير من التفاوت، بما أن نسبة المشاركة في الانتخابات في المدن الكبرى لا تتجاوز ال30 بالمائة. هذا الانصراف عن السياسة ناتج عن عوامل مختلفة. الأحزاب السياسية في غالبيتها لا تقدم برامج واضحة، تتخللها مواقف واضحة وإجراءات عملية، تسمح بتقييم مستويات الاختلاف فيها، وفتح نقاش موسع وغني حول محتوياتها. الشعارات تتكرر. كلها تتحدث عن إصلاح التعليم مثلا، بينما الواقع يثبت أن هذا القطاع يتدهور بشكل مستمر منذ عقود، أو تحسين مستوى الحياة وغيرها... إذا رغب حزب التجمع الوطني للأحرار في التميز خارج هذا المشهد الراكد، فيجب عليه توضيح برنامجه بطريقة دقيقة، ولم لا إغنائه عبر التواصل المباشر مع المواطنين، وفي مقدمتهم فئة الشباب. من مشاهد هذا السياق غير المشجع أيضا، تنامي الإحباط من نوعية العمل الجماعي، المتهم بإضعاف جودة الخدمة العمومية، وبالتالي تحويل الحياة اليومية للمواطن إلى مجموعة مشاكل متتالية. اللاتمركز يضع الأحزاب في خط المواجهة مع مطالب المواطنين، لأن مفهوم القرب يتحدد أولا في مستوى الجماعات المحلية. إلى ذلك، تطغى على الساحة الأسئلة الأخلاقية والصورة النمطية «كل شيء فاسد»، التي يتوجب محاربتها لأنها خاطئة أولا، وخطيرة على الديمقراطية ثانيا. ولكنها صور لا يمكن تجاوزها إلا إذا آمنت الأحزاب بوضع حد للحسابات الانتخابية الضيقة، والتزمت داخليا بميثاق أخلاقي في اختيار مرشحيها. في هذا السياق الصعب، يتحرك حزب التجمع الوطني للأحرار مثل باقي الأحزاب الوطنية. على أن أهم التحديات التي تواجه الحزب،مثل باقيالأحزاب،يكمن في تعبئة الشباب للاستحقاقات المقبلة. من هم في سن 14 اليوم سيصبح بإمكانهم التصويت سنة 2022، وتعبئتهم تحتاج إلى خطاب خاص بهم، وفق برامج تستجيب لانتظاراتهم وتطلعاتهم. برنامج طموح يتماشى مع تصور مغرب الغد، ولا يقصي أيا كان. أشكال التواصل ليست محايدة والأنترنيت قناتها الأساسية، وكل خطاب يسعى لأن يتوجه إليهم يجب أن يراعي خصوصياتهم المتطلبة للغاية. هذا في الوقت الذي توجد فيه مواقع الأحزاب المغربية في المستوى «صفر» من العصر الرقمي. كان عزيز أخنوش على حق حين صرح بأنه لا ينوي استنساخ تجربة أي حزب آخر. كل الأحزاب لها مكانها في هذا المعترك لمصالحة المواطن مع الحياة السياسية. التواصل المستمر مع المواطن حيوي للغاية، لكنه ليس كافيا. يجب أن يتطابق شكل ومضمون الخطاب مع هذه الرؤية. تمرين صعب ولكن لا محيد عنه في كل بناء ديمقراطي.