مع الإطلالة الأولى لشهر الصيام وارتفاع الإقبال على استهلاك السمك، والرغبة في اقتنائه طريا، بمجرد وصوله إلى الشاطئ، يتضاعف عدد زوارها، فتزدهر تجارة القوارب الصغيرة التي يركبها شبان يغامرون بحياتهم في رحلات إبحار غير مأمونة العواقب. هي مرسى صغيرة، تفتقد إلى كثير من المقومات، تعارف سكانها على تسميتها ب "الحديدة".. تقع على الشريط الساحلي للمحيط الأطلسي، ضمن النفوذ الترابي لجماعة «اثنين هشتوكة» بدائرة آزمور.. ورغن افتقارها لكثير من المقومات، تبقى وجهة مفضلة للراغبين في اقتناء السمك "حيا" كما يقولون... عند البحث عن أصل التسمية، يكون الجواب الذي لا يختلفه حوله اثنان، والذي يتعلق ب «السلم الحديدي» الذي كان ينتصب قبل عقود على شاطئ هذه المنطقة، حيث كان يعتليه أحد الأجانب، من الميسورين، الذي استوطن المنطقة مستغلا إياه في عمليات الصيد عبر الصنارة، ومراقبة الشاطئ من الأعلى. قبل سنوات قليلة مضت، كان الولوج إلى مرسى "الحديدة" مشوبا بالكثير من المعيقات، لأن الطريق لم يكن سالكا، وإنما كان عبارة عن مسلك ضيق يغزوه الحفر، وتنتشر به المطبات التي تعيق تحرك جميع وسائل النقل.. ورغم هذه المغامرة لم يكن إقبال الراغبين في اقتناء السمك الطري يفتر. والآن وبعد أن أصبحت الطريق معبدة وسالكة إليها، مازالت مرسى الحديدة تعاني من كثير من المشاكل والمعيقات. "الدلالة".. طريقة الصيادين لبيع أسماكهم «بسم الله وتوكلنا على الله»، بالبسملة تنطلق عملية البيع، وبمجرد إعلان أو ثمن، تتوالى المزايدة، فيرتفع المبلغ، مع كل اقتراح يعلن الزبون المفترض.. تتكرر الأثمنة المقترحة، على لسان "الدلال" الذي يمتطي كل قارب صيد وصل إلى بر الأمان، وبعد أن يبلغ العياء مبلغه من أصحابه، يفسحون المجال ل "الدلال"، لإعلان الأثمنة المقترحة. وعند التوقف عن المزايدة، وإضافة اقتراح ثمن جديد، يعلن "الدلال" الثمن على الأسماع ثلاث مرات، قبل أن يلتفت إلى الصياد، مسائلا إياه إن كان راضيا عن المبلغ المتوصل إليه عن طريق "الدلالة"، فإن أبدى رضاه تكون عبارة الختم "الله يربح مولاه والله ينفعوا"، وإن لم يرض على المبلغ تعاد الكرة مرة أخرى، أو يبحث الصياد بطريقته عن وسيلة لترويج بضاعته. فبالمعاينة النظرية فقط، ودون اللجوء إلى وزن السمك المحمول طريا على القوارب، تتم عملية البيع عبر "الدلالة" التي يشارك فيها المستهلكون إلى جانب بائعي السمك، حيث يرى الصيادون أن المستهلكين يجنبونهم في كثير من الأحيان احتكار التجار. ظروف غير صحية وبنيات منعدمة يجود البحر في منطقة "الحديدة" بكميات وفيرة، أحيانا، من الأسماك، يأتي على رأسها سمك "الصنور"، كما أن أنواعا أخرى يكون للصيادين موعد مع اقتناصها، في رحلات الصيد التي يقضون خلالها ليالي بالبحر، أو يخرجون إليها في الساعات الأولى من الفجر... وحال وصول الأسماك إلى الشاطئ، يظهر الخصاص المهول، في بنيات الاستقبال، الذي تعاني المنطقة. فقبل سنوات تم تشييد محطة لبيع وتثمين السمك، لكنها ظلت معطلة في ظل الخلاف الكبير الذي نشب بين مهنيي الصيد التقليدي بهذه "المرسى" ومسؤول الصيد البحري باقليم الجديدة. ومع هذا الخلاف ظلت البناية، التي صرفت عشرات الملايين من السنتيمات عليها، مجرد أطلال، ترفرف فوقها طيور النوارس، وتستوطن أركانها الكلاب المشردة.. فلا خزان الوقود سرى في أوصاله البنزين المدعم المخصص لقطاع الصيد، ولا نقطة البيع والتفريغ تصلها الأسماك، حيث تبقى القاعة مقفلة الأبواب على مدار السنة.. وحتى الماء الصالح للشرب يبقى منعدما.. لذلك يرفض الصيادون الاشتغال فيها.. وحدها بعض الخزانات يستغلها الصيادون من أجل وضع معداتهم فيها، وعند سؤال بعض الصيادين عن حالة العطالة التي تعيشها قرية الصايدين ب "الحديدة"، يكون الجواب الفوري "ماكين فيها والو".. "لا ثلج لا ليصانص.. لا ماء". فحسب ما صرح به «عبد الكريم» وهو أحد الصيادين بمرسى الحديدة الذي يشتغل على متن قارب يملكه شخص له حوالي أربعة من القوارب يضعها رهن إشارة الصيادين، فإن «الملايين التي صرفت على قرية الصيادين، ضاعت هباء، في ظل غياب تجهيزها بالضروريات التي يحتاج الصياد في عمله»، ناهيك عما وصفه المتحدث ذاته ب «غياب ممثل لمكتب الصيد البحري» يشرف على تسيير هذا المرفأ الذي يقع في منطقة «معزولة». لكن مصدرا مسؤولا صرح لنا بأن «الصيادين لم يستغلوا القرية ومنشآتها، لأنهم تعودوا على الاشتغال عشوائيا»، لذلك «رفضوا ما جاء به مكتب الصيد»، خاصة أنهم «سيؤدون مقابلا ماديا لما يستغلونه من هذه المنشآت». وبين موقف الصيادين، ،إدارة مكتب الصيد، تبقى الظروف التي يتم بها تهييئ الأسماك بمرسى "الحديدة" تفتقر إلى الكثير من المقومات الضرورية، والشروط الصحية.. فعلى طاولات خشبية متهالكة يضع محترفو تقديم خدمات تنقية الأسماك مختلف الكميات التي يقتنيها الزبائن.. وفي غياب للمياه يتم استغلال ماء البحر الذي يحمل بواسطة دلاء ينقلها الأطفال الصغار إلى الكبار في إطار مسلعدات دائمة يقدم الأبناء للآباء رغبة في تدبر مصروف يرفع عن جميع القاطنين قرب المرسى وضواحيها حالة العطالة.