كعادتها في تحقيق فترات الذروة من المتابعة، كانت فرقة الموسيقي مجيد بقاس في الموعد مع جمهور «مهرجان تموايت» بمدينة ورزازات.. غنت وعزفت ألحانا مختلفة تمتح من العمق الإفريقي والگناوي، وتمزج بين التراث المغربي والموسيقى العالمية، في تناسق حققه أفراد مجموعة يتحدرون من بلدان مختلفة، فرقتها الجغرافيا ووحدتها الموسيقى كأداء إنساني وعطاء بشري. ليلة الخميس الماضي كان جمهور مدينة ورزازات مع الموعد السنوي لمهرجان بدأ بحلم، ووصل عند بلوغه عقدا من الزمن إلى النضج الفني والعطاء الأدبي الشعري. في «تموايت، كان السؤال مؤرقا، والحلم كان جبلا»، كما قال مديره عبد الحكيم ايت تكنوين في الكلمة الافتتاحية و«كلما كان الارتقاء يزداد، كان الاحساس بالقمة تزداد علوا، فتحتاج حينها لأمرين: عناد عاشق وإصرار عارف».
هكذا بدأت الحكاية، حكاية مهرجان اختار منظموه له مدينة ورزازات الهادئة، انطلاقا من سؤال مفاده «ألا تستحق المدينة فرحة أخرى وموعدا للحلم يليق بكل الكلام المتناثر هنا وهناك؟..»، وزيادة في التأكيد على هذا الاستحقاق الذي تتغياه المدينة السمراء، كان السؤال التالي: «أليس كل ما نحتاجه، في آخر الأمر هو أن نصعد بذوقنا وحواسنا لنتنفس بشكل طبيعي..؟»، هو ذا الحلم الذي كان ينشده «تموايت منذ تأسيسه، فهل استطاع هذا المهرجان الشعري والموسيقى تحقيقه..؟ ومع توالي الدورات ووصولها إلى الدورة العاشرة، كان اللقاء المتجدد مع الفنان المتألق مجيد بقاس، الذي افتتح أولى سهرات هذه الدورة في أمسية رائقة احتضنتها خشبة قصر المؤتمرات، وتابع خلالها جمهور ورزازات وضيوف المدينة حفلا حمل تجربة متميزة امتزجت فيها الموسيقى بالشعر في سمفونية لاقت تجاوبا كبيرا من الجمهور. السهرة الأولى من «تموايت» شهدت كذلك صعود عدد من رواد الكلمة، ممن طوعوها شعرا عاميا، أو فصيحا، عندما امتطى المنصة الشاعر والزجال الساخر بوعزة الصنعاوي، الذي شارك في المهرجان للمرة الثانية على التوالي حيث كانت قصيدته عبارة عن سخرية لاذعة، تقتنص التناقض الكائن في المجتمع لتصوغ زجلا في قالب ساخر. وبعده كان اللقاء مع الشاعر السعودي محمد العتيق الذي أدى قصائد من ديوانه المعنون ب «بين قصيدتين»، لينطلق العرض الشعري الموسيقي «سفر» الذي رافق فيه الموسيقي مجيد بقاس ومجموعته، والفنانة «عائشة مايا» بمواويلها الأطلسية، الشعراء موحا ملال وعبد الحكيم أيت تكنوين والزجال ادريس بلعطار، حيث كان السفر موسيقى بديعة بكلمات معبرة من مبدعين مغاربة وعرب. وكان مدير المهرجان قد ذكر في كلمته بالسياق الذي تنعقد فيه الدورة الحالية، وتزامنها مع احتضان المغرب للمؤتمر العالمي حول التغيرات المناخية وما تطرحه من سؤال الحياة والمستقبل، مذكرا بمسار مهرجان تموايت الذي كان حلما قبل أن يتجسد كمهرجان يكبر دورة بعد أخرى قبل أن يصل إلى المستوى الذي يليق بمدينة ورزازات.