القراءة المباشرة و السطحية لنتائج اقتراع 7 أكتوبر تحيل على نجاح بن كيران، لقد حصل حزب العدالة و التنمية على مزيد من المقاعد مقارنة مع انتخابات 2011 و تصدر من جديد المشهد السياسي و تبث نفسه كأول قوة سياسية في البلاد رغم أنه فقد أكثر من 50 ألف صوت مقارنة مع انتخابات 2015. لقد انتصر العدالة و التنمية و حصل على 125 مقعدا، و حصل ربيبه السياسي على 12 مقعدا لقد خاض بن كيران و صحبه بشكل بشع حربا ضد الإطارات السياسية التي حصلت على الباقي أي أصحاب 251 مقعدا بدون احتساب السبعة الباقين… نعم لقد انتصر العدالة و التنمية، لكن بن كيران خسر الأهم و الضروري لبناء ديموقراطية مغربية و بيته اليوم أوهن من بيت العنكبوت، رغم المقاعد الإضافية التي حصل عليها، خسر لأنه لا يملك سلطة على ذويه لا يملك أية سلطة على حزبه، لا يملك أية سلطة على كتائبه و ميلشياته و هو كلام أهون من أن أقول أن عنده جوج وجوه وجه وديع… ووجه شرس. إذا كان أبناء العدالة و التنمية تربوا في حضن حركة التوحيد و الإصلاح فتلك مصيبة أخرى… الخلاصة الصادمة أن المنظومة التربوية و الدعوية للعدالة و التنمية ظلت حبيسة العمل الحركي المبني على تراث حسن البنة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر حول الآخر، فإما أن تكون معي خالصا لي أو خنوعا ساكتا حتى أؤجل أمرك و أتولى بشكل مباشر و فوري أمر من جاهر بعدائه لي، فأنا القرآن و أنا السنة و أنا الإسلام و أنا وحدي المُنَزَّل ، فمن فتاوى تحريم التصويت لحزب معين إلى فتاوى تحريم حتى التصويت لغير العدالة و التنمية انزلاق خطير عرفه استحقاق 7 أكتوبر. لقد عمدت الماكينة الدعوية إلى الإنزلاق باستحقاق تشريعي عادي إلى أتون سؤال الهوية.. الهوية في مواجهة ما سموه " أصحاب صايتي حريتي… وكالين رمضان… اللوطيون الجدد... تجار الحشيش المحسوبين على الحزب المخزني المعلوم... العلمانيون المتطرفون ... المنادون بتعديل الإرث لشكر و من على شاكلته… الجمعيات النسائية المعلومة الملعونة… الملحدون الجدد… السكايرية أصحاب لقصاير الفاسدين... المرايقية". لقد غاب نقاش البرامج، نقاش القرارات الحكومية و أداء الحكومة، غاب كل شيء و حضرت محاكم التفتيش بلغة داعشية للأسف. كثيرة هي الأحزاب التي تخلصت من فائض وسائل دعايتها الإنتخابية في الشارع العام و رغم أن الأمر سلوك غير حضاري لكنها تخلصت فقط من فائض ماهو مباح كمضمون أما "روث" العدالة و التنمية و جيوشه و فرسانه و محبوه و متعاطفوه في الشبكة الإجتماعية و ما كتبه شيوخه أصحاب المشيخة الكبرى و أصحاب المشيخة الصغرى وصبيتهم، قد وضع العدالة و التنمية كتنظيم و كمناضلين خارج الصف الديموقراطي... إن الأمر فظيع… فكلام بن كيران و رقصات بن كيران و قفشات بن كيران و سماعه لأم كلثوم وكل تسريباته حول طبيعته المنفتحة لن يستغفل بعد اليوم أحدا، فإما أنه متآمر مع كتائبه التي جلدت حتى حلفاءه في الحكومة و إما أنه لا يحكمها و هو أمر خطير، و شركاء العدالة و التنمية في الحقل السياسي و خارج الحقل السياسي يطرحون اليوم السؤال، ماذا كان سيكون مصير المغرب لو تمكن هؤلاء من المؤسسات؟.. بن كيران كان يريد 200 مقعدا، لماذا 200 مقعدا؟ أي الأغلبية البرلمانية الأمر من حيث المبدأ حلم مشروع ليحكم من خلال الحكومة، لكن ما حدث في الحملة الإنتخابية يجعلنا نتساءل مع المتسائلين هل فعلا بن كيران و اللذين معه يريدون فقط تسيير الشأن العام… تفجير الفضائح الأخلاقية في ظرف انتخابي حاسم جعلهم يلعبون على المكشوف كل أوراقهم و كل أسلحتهم…. أيها الديموقراطيون المتسترون لقد فقدتم أعصابكم و تنازلتم عن حكمتكم و مارستم السادية و الإقصاء الأصولي على كل خصومكم بدون استثناء.... أنتم اليوم أبشع من خصومكم. لن يثق بعد اليوم كثيرون في مايقوله بن كيران، لقد ربح الولاية الثانية و خسر مستقبل الإخوان ، أما الفضائح الأخلاقية التي كشفت المستور فيعرف الكثيرون أن العدالة و التنمية ليس استثناءاً. لكن بن كيران وذويه أضاعوا في تدبير تبعاتها تعاطف الكثيرين من اللذين لا يصوتون سياسيا لكنهم كانوا مؤثرين في دعم تجربة تصالح الإسلاميين و الديموقراطية من خلال بناء نموذج الديموقراطيين الإسلاميين إلى أن اكتشفوا الوجه البشع للذين يوجدون بيننا في الإدارات و المؤسسات السيادية و المنتخبة ،الوطنية، الجهوية و المحلية، لقد اهتزت الثقة حيث كان بن كيران يحضى بالدعم الخاص. لقد قضى بن كيران 5 سنوات في الحكومة لم ينزل أتباعه إلى الشارع إلا للدفاع عن المشترك مع الإسلاميين، لم ينزلوا يوما للشارع للدفاع عن القضية الوطنية الأولى أو بعض الإستحقاقات التي عبر فيها المغاربة عن موقف احتجاجي ضد قرار هذه الدولة أو تلك. لقد كان صادما لي أن يدعو ابو النعيم للتصويت على العدالة و التنمية بعد طلاق دام سنوات مع أبناء الشبيبة الإسلامية أمضاها في تكفير جل الديموقراطيين في البلاد، و كل مرة كانت جرته تسلم و يقال من طرف قياديين بارزين في العدالة و التنمية أنه أحمق…حمقه في النهاية كان انتصارا للعدالة و التنمية الذي يحاول أن يقنعنا منذ سنوات أنه قطع مع قطب و البنا و مشروع الإخوان و الإسلام الحركي و أنه يريد العمل السياسي المشروع. لقد فقد بن كيران تعاطف و مساندة الوازنين في محيط صناع القرار الإقتصادي و الإداري و حتى السياسي.. لقد استباحت كتائبه المحظور لم توقر أحدا فكيف يُستأمنون على مستقبل المغاربة. خلال الخمس سنوات الماضية كانت تأتي إشارات من هنا و هناك أن بن كيران يتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب و الآن مع عودة الوعي بدأت تتسرب معطيات كثيرة حول هذا التدخل، و حتى عن اختراق الأحزاب. لقد ربح ولاية ثانية وكشف قبل الأوان انتماء ماكينته إلى الزمن الفاشي، ففي الفترة الفاصلة بين التمرين الديموقراطي الأول 2011 2016 و الثاني 20162021 انفضح كل شيء. لقد ترك كل "روثه" غير الديموقراطي إلى الأبد في الشبكة الإجتماعية تسجيلات، فيديو، تدوينات، أخبار مختلفة، احتكار للموروث المشترك، محاكم تفتيش… كل شيء باسم الهوية المفترى عليها في استحقاق كان من المفروض ألا يغرق في سؤال الهوية لأنها أصلا غير مطروحة. فنحن لسنا في مرحلة نقاش دستوري أو نقاش على هامش قانون مطروح في البرلمان. لماذا الإنزلاق إلى سؤال الهوية حتى يخوض معركة ضد الجميع و يستجدي أصوات السلفيين و غيرهم… ما جرى بين التمرينين سنفرد له حلقات لأنه يشكل بكل المقاييس كتابا أسودا و مفتاحا أساسيا لنفهم الآتي و تطورات القابل من الأيام في المشهد السياسي المغربي… لقد انتهى التمرين الأول وظهر الإخوان على حقيقتهم بوجه بشع و مخيف.