بعد محاكمة مارطونية امتدت في الزمن منذ شهر ماي المنصرم وتطلبت إجراء 12 جلسة بكاملها، انتهت هيئة الحكم بغرفة الجنح التلبسية بمراكش إلى قناعة ثبوت تهم «التغرير بقاصرين يقل سنهما عن 18 سنة بدون عنف، وهتك عرض قاصر آخر، يقل سنه عن 18 سنة بدون عنف» في حق سائح دانماركي توبع في حالة اعتقال، ومن ثمة الحكم عليه بسنة ونصف حبسا نافذا وفقا للعقوبتين المنصوص عليهما في الفصلين 475 و484 من القانون الجنائي. جلسة الأربعاء الماضي، كانت كافية لتحديد مصير المتهم، بعد أن استمعت المحكمة لإفادة عنصرين أمنيين من فرقة الخيالة اللذين قاما بتوقيف المتهم بعد أن ضبطاه رفقة قاصرين بفضاء «غابة الشباب» على مستوى المنطقة السياحية بباب الجديد، حيث أكد العنصران على أقوالهما المتضمنة بمحاضر الشرطة القضائية. ورطة الدانماركي «نيلسون ديني فان بوفي» المزداد سنة 1970 بمدينة كالوندبورغ الدانماركية تعود إلى يوم 10 ماي الماضي، حين حاصرته دورية أمنية من فرقة الخيالة رفقة طفل قاصر لم يتجاوز ربيعه ال11، وكان برفقتهما قاصر آخر يبلغ 15 سنة. التحقيق الأولي حول الظروف والملابسات المحيطة بهذا الاختلاء المشبوه، انتهى بفتح أبواب المتابعة القضائية في وجه المعني، وإحالته على المحكمة في حالة اعتقال بالتهم المومأ إليها، بعد أن سهر قاضي التحقيق بابتدائية مراكش على وضع تفاصيل القضية تحت مجهر تحقيقاته، والتي انتهى بتاريخ 17 يونيو المنصرم إلى وجود أدلة كافية على ارتكاب الظنين للأفعال المنصوص عليها في الفصلين المذكورين بالقانون الجنائي، ومن ثمة قرار وضع المتهم بقفص الاتهام في حالة اعتقال. حقائق صادمة تضمنها قرار الإحالة من حيث استغلال المتهم لظروف الفقر والحرمان، التي يئن تحت وطأتها القاصران، وعدم التردد في استعمالها كورقة ابتزاز لإشباع ميولاته الجنسية الشاذة. الطفلان القاصران يقطنان بدوار «لهبيشات»، بطريق أوريكا بضواحي مراكش، ويتحدران من أوساط فقيرة، حيث تأكد بأن الضحية الأصغر سنا سليل أسرة تتكون من والديه وثلاث أشقاء، وأن أمه تشتغل عاملة في المنازل، أما والده فقال بأنه يوجد رهن الاعتقال بسبب إدانته في ملف يتعلق بالاتجار في المخدرات، بينما تتكلف جدته برعايته رفقه أشقائه. أما عن مساره الدراسي فقد توقف قطاره عند حدود المستوى الثاني ابتدائي، بسبب الظروف المادية المتردية لعائلته، وقرّر التردد على ساحة جامع الفنا من أجل التسول والحصول من السيّاح الأجانب على بعض الدراهم من أجل سد حاجياته اليومية، برفقه صديقه الذي يكبره بأربع سنوات. وضع الضحية الآخر لا يختلف في تفاصيله عن وضع رفيقه، من حيث توقف مساره الدراسي عند عتبة السابعة إعدادي، فيما والده يعمل كعامل نظافة وتتكفل الوالدة بالنهوض بأعباء المنزل ومتطلبات الأسرة. أما في ما يخص المتهم الدنماركي فقد كشفت خريطة حياته بكونه يعمل مترجما، ولازال أعزب رغم بلوغه 46 سنة من العمر، وسبق أن زار مدينة طنجة، في سنة 1996، والتي أقام بها لعدة أسابيع، قبل أن يقرّر، مرة أخرى، قضاء إجازته السنوية في المغرب، واختار بذلك، هذه المرة مدينة مراكش، التي حل بمطارها الدولي «المنارة» بتاريخ السادس من شهر ماي المنصرم، واستقر بأحد الفنادق الشعبية بحي سيدي ميمون جوار ساحة جامع الفنا. وقد أكد المتهم في محضر تصريحاته، بأنه منذ حلوله برحاب المدينة الحمراء دأب على التجوال وحيدا دونما الحاجة لمرشد أو رفيق ينير له مسار تحركاته، إلى أن قادته الصدفة لملاقاة الطفلين القاصرين وسط الساحة وعرض عليهما إرشاده لحديقة الكتبية مقابل تسليمهما عشرة دراهم، وهو العرض الذي لم يترددا قيد أنملة في قبوله والموافقة عليه، قبل أن يقوداه صوب إحدى الحدائق التي تبين له أنها لم تكن الوجهة المطلوبة والمتفق عليها. سوء فهم فرض عليه ضرب موعد جديد مع القاصرين خلال اليوم الموالي قصد إرشاده لحديقة الكتبية التي يجهل السبيل الموصل إليها، الأمر الذي تحقق فعلا واتجهوا جميعا صوب الحديقة التي يجهل تفاصيلها ومكان تواجدها، بحيث ما كاد يستقر بهم المقام بعد بلوغ فضاء غابة الشباب حتى تفاجأ وفق تصريحاته، بالقاصرين وهما يلودان بالفرار قبل أن يحيط به رجال الأمن ويعملون على توقيفه. تصريحات تختلف جملة وتفصيلا عما ورد بأقوال الطفلين، اللذين أكدا في محضر تصريحاتهما بكونهما قد دأبا على ملاقاة المتهم بساحة جامع الفنا، وكان يتحرش بهما بشكل ملحوظ ولافت، وهي المحاولات التي امتدت طيلة ثلاث أيام متتابعة دون أن ينجح في استمالتهما وإغوائهما. يوم الواقعة وفي حدود الواحدة والنصف زوالا (10 ماي)، قام المتهم بإعادة الكرة وشرع من جديد في مراودتهما، فطلب منه القاصر الأصغر مده ببعض الدراهم على سبيل الدعم والإحسان، الأمر الذي لم يتردد السائح في قبوله مع شرط مرافقته إلى غابة الشباب، وهناك عرض عليهما ممارسة الجنس عليه مقابل خمسين درهما، حيث قام برسم دائرة على الأرض وأدخل فيها أصبعه الأوسط، ثم طلب من أكبرهما سنا الابتعاد قليلا لفسح المجال أمام الاختلاء برفيقه الأصغر، مع تكليفه بالنهوض بمهمة المراقبة. في ظل تضارب الأقوال والتصريحات بين المتهم والضحيتين، ستتم مواجهته بالصور التي ضبطت بهاتفه النقال والخاصة بقاصرين مغاربة، حيث رجح المتهم فرضية أن تكون لأطفال بمدينة البوغاز قام بالتقاطها خلال بعض زياراته السابقة. لم تنفع كل هذه التبريرات وسياسة النكران التي اعتمدها المتهم في استراتيجيته الدفاعية في إخراجه من الورطة، خصوصا بعد أن حاصرته تصريحات عناصر فرقة الخيالة الذين ضبطوه متلبسا بالجرم المشهود، وكذا اعترافات القاصرين المتضمنة بمحاضر الشرطة وقرار قاضي التحقيق، ليكون قرار هيئة الحكم إدانة السائح الدانماركي والحكم عليه بالبقاء رهن أسوار السجن طيلة سنة ونصف. إسماعيل احريملة