يظل سؤال المشاركة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية ل 7 أكتوبر من بين أكثر الأسئلة التي تطفو على السطح كلما حل موعد الانتخابات باعتباره يشكل هاجسا محوريا لدى السلطات المشرفة على هذه الاستحقاقات وكذا لدى الأحزاب والفاعلين والهيئات السياسية المشاركة فيها. ولعل مرد هذا الانشغال الكبير بنسبة مشاركة الكتلة الناخبة ومستواها في الاستحقاقات المقبلة سواء لدى الأحزاب السياسية ومرشحيها أو لدى المراقبين والمتتبعين أنها تكون هي المحدد والجواب عن مدى صدقية وصوابية ما وصل إليه المسلسل الديموقراطي بالمغرب كما تكشف مدى قناعة المواطن بالعمل السياسي وثقته في الفاعلين فيه. ولا شك أن نسبة المشاركة في أية استحقاقات انتخابية تظل من المؤشرات الأساسية التي يقيس بها المتتبعون والمراقبون وكذا الدولة مدى تقبل ووعي المواطن بأهمية الممارسة السياسية التي تعد الانتخابات أحد أبرز صور تكريسها وكذا مدى استعداده لدعم هذه الممارسة والانخراط فيها والدفاع عنها كآلية لا محيد عنها لتنمية وتطور المجتمع. وحسب العديد من المهتمين بالشأن السياسي الوطني فإن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة (7 أكتوبر) تحكمها عدة ضوابط لابد من توفرها في العمل السياسي منها الثقة التي يجب أن تسود لدى المواطن بأهمية ونجاعة المسلسل الديموقراطي وانعكاساته الإيجابية على واقعه ونمط حياته وكذا صدقية ومعقولية الفاعل السياسي المشارك في هذا المسلسل والذي يجب أن يعكس من خلال ممارساته وعمله السياسي وعيه ومسؤوليته في تدبير الشأن العام لمدة محددة نيابة عن الشعب إلى جانب التزام السلطات والدولة بقيم ومبادئ النزاهة والشفافية وتكريسها في تدبير مرتكزات وآليات هذا المسلسل. ومن هذا المنطلق فإذا كانت الانتخابات في الأنظمة الديموقراطية هي من الأسس التي تنبني عليها دولة الحق والقانون فإن الحق في المشاركة السياسية هو من حقوق الإنسان السياسية باعتباره يشكل بوابة لممارسة مجموعة من الحقوق والحريات الأخرى كما نصت عليه مختلف العهود والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان الكونية. وبرأي الباحث أحمد مفيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس فإن الانتخابات تشكل طبقا للمعايير الدولية المتعارف عليها حجر الأساس في بناء دولة القانون وهي شرط ضروري للديمقراطية وحقوق الإنسان كما أنها أساس لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وبالتالي فهي تشكل جوهر مبدأ تقرير المصير عن طريق صناديق الاقتراع. وأكد أحمد مفيد في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن الانتخابات إذا كانت بتلك الأهمية الكبرى فإن المشاركة السياسية لا تقل أهمية عنها باعتبارها هي التي تجعل من الانتخابات معبرا حقيقيا عن الإرادة العامة وبالتالي هي شرط من شروط المواطنة الحقة حيث ينبغي أن يتمتع المواطنات والمواطنون بحقوقهم وأن يتحملوا الالتزامات والواجبات الملقاة على عاتقهم. وبعد أن شدد على أن المشاركة في الانتخابات تعد أولى الواجبات الأساسية التي ينبغي أن يلتزم بها جميع من تتوفر فيهم شروط المشاركة أوضح الباحث الجامعي أن المشاركة في الانتخابات هي عامل أساسي لاختيار البرامج الانتخابية التي تشكل أساس البرامج الحكومية والسياسات العمومية ذات الارتباط بحاجيات المواطنات والمواطنين في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية كالصحة والتعليم والشغل والثقافة والاقتصاد والبيئة وغيرها. ولاحظ أن المشاركة في الانتخابات تعد سلاحا بيد الناخبات والناخبين لمحاسبة المنتخبين وذلك بمنحهم الثقة من جديد أو سحبها منهم وبالتالي فهي تكرس بذلك التفعيل الحقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليها دستوريا. وبالنظر لمزايا المشاركة الانتخابية الواعية والبناءة والايجابية يبقى من مسؤولية الفاعلين السياسيين وكذلك المواطنات والمواطنين برأي الباحث الجامعي أحمد مفيد النهوض بالمشاركة باعتبارها المدخل الحقيقي للتنمية السياسية. وبدوره أكد موحى الناجي الباحث الجامعي ورئيس "مركز جنوب شمال للحوار الثقافي والدراسات" أن نتائج الأبحاث الميدانية إذا كانت قد أظهرت أن الأسباب الأساسية لما يسمى ب "العزوف السياسي" تتمثل في انعدام الثقة في المؤسسات السياسية وضعف الأداء السياسي للبرلمان والحكومة فإن من حسنات الديمقراطية أن الناس بإمكانهم إحداث التغيير إذا هم صوتوا وشاركوا بكثافة في الاستحقاقات الانتخابية. وأضاف موحى الناي في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء أن هذا التغيير قد لا يحدث بالسرعة التي يريدون وقد لا يكون المرشحون مثاليين دائما ولكن ورغم كل ذلك فبإمكان الناخبين من خلال مشاركتهم في التصويت أن يرسموا مستقبل بلدهم وفق رغباتهم والقيم والمبادئ التي يؤمنون بها ويدافعون عن حامليها. واعتبر أن الطريقة الوحيدة التي يمكن للمواطنين من خلالها معالجة عدم المساواة التي يشعر بها العديد منهم وبالتالي إحداث التغيير المنشود هو التصويت والمشاركة الفاعلة في الانتخابات، مشيرا إلى أن المواطن الذي يبقى في البيت بدلا من الذهاب إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت لصالح المرشح الذي يفضله هو مجرد شخص يعزز الوضع الراهن ويعطي الفرصة للمرشح الطالح. وأكد الباحث الجامعي أن الناس إذا كانوا يرغبون في التأثير على مستقبل بلدهم فيجب عليهم القيام بدورهم في انتخاب المرشح الأنسب أو أقلهم ضررا مضيفا أن المراقبين والمحللين يمكنهم أن يجادلوا بأن التصويت يتطلب بعض الجهد والتحفيز من أجل إقناع أولئك الذين لا يعلمون أو لا يهتمون بالسياسة. لكن هذه الحجة تنطبق فقط برأي الباحث موحى الناجي على بعض الذين لا يصوتون خاصة وأن العديد من الناس الآخرين ومنهم الأطر والنخبة المتعلمة يتابعون الأخبار ويهتمون بالسياسة الوطنية ولكنهم يمكثون في بيوتهم يوم الانتخابات معتقدين أن أصواتهم "لا تهم" غير أن الحقيقة هي غير ذلك تماما لأن أصواتهم في العمق والأساس هي التي تحدد نتيجة الانتخابات. وشدد على أن الأحزاب السياسية والنخبة المثقفة وجمعيات المجتمع المدني مدعوة إلى بذل مجهودات مضاعفة من أجل تحفيز العازفين حتى يعودوا إلى ممارسة حقوقهم السياسية الأساسية وحتى ينفتح ويتوسع النقاش العمومي بالبلاد في إطار تنظيم الانتخابات البرلمانية. واعتبر رئيس "مركز جنوب شمال للحوار الثقافي والدراسات" أن هذه الخطوة ستكون دعوة إلى بناء نظام ديمقراطي بقاعدة شعبية متينة تدفع بالمسار الديمقراطي إلى الأمام.