أفصح مشروعا القانونين التنظيميين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية المسربين، عن انقلاب واضح وخطير على مكتسبات الأمازيغية المؤسساتية والعلمية، وأبانا عن ردة فاضحة عن روح وسياق المصالحة الذي بدأ سنة 2001 والمتضمن في خطاب أجدير وظهير تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ودستور 2011، وأكدا على صدقية المخاوف التي ما فتئت تعبر عنها مختلف مكونات الحركة الأمازيغية وعموم الفاعلين الديمقراطيين والحقوقيين بالنظر للظروف والحيثيات التي رافقت الإعداد لهذين المشروعين. وتتجلى أركان الانقلاب فيما يلي: طريقة ومنهجية إعداد القانونين التنظيميين، وزمن الكشف عن مضمونهما وتهريب القرار والنقاش التشريعي إلى آخر أيام الحكومة والبرلمان الحاليين، مما يؤكد كل ما سبق وأن حذرنا منه خاصة وجود نية مبيتة، صارت الآن معلنة، للانقلاب على الأمازيغية ومكتسباتها وروح المصالحة والإنصاف التي تستند إليها، والسعي لفرض أمر واقع استبدادي نكوصي عبر اللجوء لتهريب تشريعي مفضوح في الوقت السياسي الميت وفي زحمة وصخب العطلة الصيفية. لقد صيغت هذه المشاريع في ظل كولسة تامة وإقصاء مطلق لمختلف المعنيين بالشأن اللغوي والثقافي والوطني، وعلى رأسهم الحركة الأمازيغية التي ناضلت لعقود لترسيخ مفاهيم التعدد الثقافي والعدالة والحقوق اللغوية والهوية الغنية والمتنوعة للمغرب، هذه المبادئ، و بعد أن أصبحت على لسان الجميع وتم التنصيص عليها في دستور 2011، يأبى مناوئو الحقوق الأمازيغية إلا أن ينقلبوا عليها وفي واضحة النهار. والأدهى أن الإقصاء والكولسة لم يقفا عند الحركة الأمازيغية بل امتدا لمختلف القوى السياسية والفاعلين المعنيين سواء من المعارضة أو من الأغلبية الحكومية، ويكفي هنا الاستدلال، على سبيل الاستئناس بتصريح الأمين العام للحركة الشعبية العضو في الائتلاف الحكومي والذي قال بصريح العبارة، ساعات فقط قبل الإفصاح عن مسودة المشروعين، أنه وحزبه لا علم لهم مطلقا بمحتويات القانونين ولا تفاصيل الإعداد لهما. فعن أي مقاربة تشاركية يتحدث ابن كيران ومن معه؟ مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وكما يدل عليه اسمه وتنص عليه وضعيته الدستورية، يتوخى تأطير وضعية قائمة وتتميمها والتنسيق بين مؤسسات قائمة أو قيد الإنشاء، لكن مدبجي هذا المشروع اختلطت عليهم الأمور فتجاوزوا بباع طويل هذه الصلاحيات والحدود فانبروا ينسخون ظهائر ويقررون إعدام مؤسسات قائمة وينقلبون على اختيارات إستراتيجية وتوافقات وطنية حسمت بعد عناء وسجال طويلين وترتبت عنها مشاريع وخيارات تاريخية، وشكلت أساسا محوريا من أسس المصالحة ومشروع الدمقطرة المتعثر. محاولة العودة بنقاش واختيارات اللغة إلى نقطة الصفر، حيث ينص القانون التنظيمي لتفعيل رسمية الأمازيغية على إدماج التعابير اللسنية الجهوية، ولم يتضمن أي إشارة للغة الموحدة والمعيارية، كما وضع القانون التنظيمي للمجلس الوطني قرار وضع التصور الجديد بيد سلطة المجلس الذي لا تسمح تركيبتة بترجيح مكتسبات الأمازيغية، على قلتها، ومؤسسة المعهد في هذا الشأن. وبالنسبة للورش الرئيسي لإدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين، فإحالة مسودة القانون التنظيمي على الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي التي تحيل بدورها على القانون التنظيمي، وتجنب المصطلحات القانونية في الصياغة للتأكيد على الإلزامية والتنفيذ، خاصة بالنسبة لإحداث مسالك الدراسات الأمازيغية بالتعليم الجامعي، والجدولة الزمنية المبالغ في أمدها…، كلها إجراءات تتجاهل التراكم الحاصل في مشروع الادماج الذي بدأ منذ حوالي 15 سنة، وتتضمن مقدمات لإعادة النقاش حول التصور والاختيارات المنهجية والبيداغوجية. ويتأكد ذلك من خلال السعي للعودة بنقاش حرف الكتابة إلى نقطة الصفر، حيث تجنب القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية التأكيد القانوني على حرف تفيناغ ونص القانون التنظيمي لمجلس اللغات بشكل ضمني عن تحرير خط الكتابة، كما تدل على ذلك عبارة: دراسة التعابير الخطية الكفيلة بتسهيل تعليم الأمازيغية، وهذا عين العبث وانقلاب على توافق وطني وإجهاز على مكتسب التهيئة اللغوية والمجهودات والإنتاجات المتراكمة خلال 15 سنة الماضية. ونتساءل مجددا من المستفيد من إدخال المغرب في هذا المسلسل العبثي السيزيفي؟ السعي للإجهاز على مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، المؤسسة الوحيدة على مستوى المغرب وشمال إفريقيا والعالم المكرسة للغة والثقافة الأمازيغيتين، ووضعه وتحويل عقاره وممتلكاته وموارده المادية والبشرية لصالح بقية مكونات المجلس الوطني كما يفصل في ذلك مشروع قانونه التنظيمي، مما يعني أن مفهوم ومطلب التمييز الإيجابي وجبر الضرر الذي تطالب به مكونات الحركة الأمازيغية والحقوقية سلب سلبا وفوض لدعم المكونات الأخرى خاصة اللغات والثقافات العربية والأجنبية التي استفادت وتستفيد من إمكانيات مؤسساتية ومالية وبشرية هائلة على المستويين الوطني والدولي. وأقل ما يمكن أن يوصف به هذا الاحتواء بأنها إهانة وإذلال لأمازيغية المغرب وسرقة تشريعية ومؤسساتية موصوفة. ونحن إزاء هذا الفصل المستجد من عبثيات السياسة المغربية وتقلباتها يبقى السؤال المطروح من أين يستمد واضعي المشروعين كل هذه الصلاحيات الانقلابية، وعن إرادة من يعبرون؟