تتضح المحاور الكبرى لاستراتيجية تنويع الشركاء الدوليين للمغرب، التي دعا إليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب الرياض، مع كل زيارة يقوم بها جلالته إلى الخارج. وتأتي الزيارة الملكية لجمهورية الصين الشعبية، التي بدأت أمس الأربعاء، لترسم ملامح أوضح لهذه الاستراتيجية وتحدد أبعاد السياسة الخارجية الجديدة للمملكة. وتحدث هذه المقاربة متعددة الأبعاد والبراغماتية، لكنها تظل وفية لالتزامات المغرب إزاء الشركاء التاريخيين، قطيعة مع الدبلوماسية التي يفضلها بعض الأطراف: ازدواجية الخطاب ومحاولات الطعن في الظهر. وكان جلالة الملك قد قال ذلك بوضوح، "فالمغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد. وسيظل وفيا بالتزاماته تجاه شركائه، الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم". غير أن هذا الانفتاح على شركاء جدد ليس توجها ظرفيا أو عملا مرتبطا بظروف خاصة. إنه خيار مسؤول تم التفكير فيه بشكل عميق. وفي الواقع، فإنه ومنذ ثلاث سنوات، أعلن جلالة الملك في عدد من الخطب عن الانفتاح على فضاءات جديدة وتعزيز العلاقات التي تجمع المملكة ببعض الدول، حيث تجسد هذا الأمر في الزيارات الرسمية لجلالة الملك . فبعد الزيارة الملكية للهند في أكتوبر 2015، وروسيا الاتحادية في مارس 2016، والتي تميزت بتطوير العلاقات الثنائية التي ارتقت إلى مستوى شراكة استراتيجية، والقمة المغربية – الخليجية في أبريل المنصرم، شكلت الزيارة التي بدأها جلالة الملك اليوم لجمهورية الصين الشعبية مناسبة لإطلاق شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد بين المملكة وامبراطورية الوسط. وفي الواقع، لم تعد الجغرافيا أو الماضي الإيديولوجي للدول عوائق تحول دون تطوير علاقات متكافئة وذات منفعة مشتركة. وبالتالي، يتم تطوير هذا الجيل الجديد من الشراكات الاستراتيجية مع بلدان بعيدة جغرافيا عن المغرب، والتي كانت تصنف ضمن حقب إيديولوجية وجيوسياسية مختلفة. ولا يشكل هذا الأمر انزياحا عن التقليد الدبلوماسي المغربي. حيث يصاحب تنويع العلاقات الذي ينتهجه صاحب الجلالة توطيد وتجديد وإغناء الشراكات التاريخية، لاسيما مع فرنسا وإسبانيا ودول غرب إفريقيا. وفي هذا الصدد، فإن شركاء آخرين، من قبيل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مدعوان لإرساء أسس العلاقة الثنائية، وتوضيح حمولتها، وتجديد آلياتها وإخراجها من منطق ازدواجية الخطاب. وتشكل الزيارة الملكية للصين تجسيدا جديدا لدبلوماسية ما فتئ ينتهجها جلالة الملك، ألا وهي دبلوماسية القول والفعل. وهنا فإن جلالة الملك ينتمي إلى فئة من القادة الذي يصبون إلى رؤية الأشياء تتحقق، والالتزامات تنفذ، والاتفاقيات تطبق. ويحرص جلالة الملك في مختلف زياراته وجولاته في الخارج، على التتبع الشخصي لتنفيذ اتفاقيات التعاون، بما يمنح المزيد من المصداقية للجهود المبذولة والتأكيد على أن الدبلوماسية الملكية هي دبلوماسية البناء وليس وضع العراقيل ، والتنمية وليس الهدم. فمن خلال هذه السياسة القاضية بتنويع الشركاء، يضع جلالة الملك أسس المسار الدولي والتوسع الاستراتيجي للمغرب خلال العقود القادمة. وينبغي التأكيد في الختام على أن هذه الكثافة في الشركاء ليست فقط نتيجة عمل أحادي من طرف المغرب، بل تؤكد أن المملكة، وبفضل نموذجها السياسي والاقتصادي والمجتمعي تعد شريكا مرغوبا فيه من الجميع.