الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    دهس عمدي يوقف 7 أشخاص بالبيضاء    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    قيود الاتحاد الأوروبي على تحويلات الأموال.. هل تُعرقل تحويلات المغاربة في الخارج؟    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف            تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ترسم حكومة الإسلاميين قواعد اللعب الإبداعي من جديد؟
نشر في الأحداث المغربية يوم 12 - 03 - 2012

بعيدا عن التصريحات العلنية, وعن الإكراهات السياسية التي تفرض كثيرا من الكلام العام الذي يحاول التوفيق بين ما لاتوفيق بينه, ذهبت «الأحداث المغربية» لكي تبحث في ثنايا مايتم تدبيره للمشهد الإعلامي والفني المغربي, وبالتحديد للمشهد السينمائي لكي تعرف كيف سيكون مستقبل الحرية الإبداعية في البلد, ولكي تعرف قليلا من شكل القادم من الأيام. تجميع قامت به الجريدة على امتداد أيام طويلة لأشياء كثيرة أحيانا تبدو غير مترابطة مع بعضها واطلاع على ما تتم صياغته لدفاتر تحملات القنوات التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة, وكذا لسياسة الدعم السينمائي, ولسياسة المهرجانات السينمائية, مع الاستماع لفاعلين أساسيين يراقبون عن بعد ما يجري في القطاعين, وينتظرون بعد انتهاء كل الترتيبات لكي يكونوا حكمهم الختامي على ماسيقع في النهاية. ماسيقع سيكون حمالا لأوجه عديدة, وما سيقع قد يبدو في الظاهر بريئا للغاية, يريد إصلاح الأوضاع المائلة, ويريد القطع مع الكثير من العادات “السيئة” في المجالين, لكن الخلاصة النهائية تقول إن “طريق جهنم محفوف بالنوايا الحسنة”. قبل البدء لابد من التوضيح. هي ليست محاكمة نوايا ولا حكم مسبق على أشياء لم تقع بعد, لكنها “ضربة شبه استباقية” لئلا يقول أحد غدا إن أي جهة لم تنبه لما يتم تدبيره من الآن. لنتابع
حجاب الحب في التلفزيون
ابتدأت الحكاية بحادث عارض يبدو تافها للغاية. طالبة من المعهد العالي للإعلام تسأل وزير الإعلام المغربي عن إقصاء المحجبات من التلفزيون. إجابة الوزير كانت واضحة «لن يكون هناك أي إقصاء لأي مغربي أو مغربية من وسائل إعلام بلده». من هنا لا إشكال على الإطلاق. الأمر متفق عليه بين الجميع. بعد الحادث العابر بأيام ستأتي جميلة مصلي النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية لكي تتحدث في يوم العيد العالمي للمرأة على بلاتو «ميدي أن تي في» عن تأخر الإعلام العمومي المغربي, ولكي تورد مثلا واحدا عن هذا التأخر «إزاحة مذيعات من التلفزيون بعد أن ارتدين الحجاب». هل هناك مشكل أولوية يسمى الحجاب في التلفزيون المغربي؟
بالنسبة للجمهور العادي لا يوجد. بالنسبة للحكومة الحالية يبدو أن الأمر مغاير بعض الشيء, لذلك ستأتي دفاتر تحملات القنوات المقبلة لكي تؤكد على أنه «من الضروري مراعاة تمثيل كل فئات النساء المغربيات في هاته القنوات», والحرص على «عدم إقصاء أي كفاءة اعتمادا على اللباس». هل سترد العبارة بهذه الحرفية؟ أمر غير مؤكد, لكن الشيء الثابت هو أن أشياء كثيرة ستعبر من بين تفاصيل عبارات تبدو راغبة فقط في ضبط المجال بشكل عاد لكي تحمل إلى المشهد الإعلامي المغربي شيئا جديدا يحمل بصمة الحكومة الجديدة التي تسير الشأن العام المغربي.
بالنسبة لبعض المتتبعين الأمر عادي جدا, فالشعب اختار عمليا حكومة الإسلاميين, من اللازم إتاحة الفرصة للكتلة الناخبة التي اختارت الحزب الأغلبي الجديد أن ترى بعضا من ثمار اختيارها في التلفزيون المغربي. الرأي هو لأحد المتتبعين الذي لا يرى غضاضة في المسألة, لكن رأيا آخر يرد عليه لكي يقول إن المساس بالقيم المشتركة التي اتفق عليها الناس منذ وقت سابق يلزمه كثير الاتفاق حوله, خصوصا وأن شكل الحجاب الذي قد يدخل إلى التلفزيون المغربي هو حجاب لاعلاقة له بالمغرب, بل هو زي إيراني أو مشرقي في أحسن الأحوال, ويضيف أصحاب الرأي الثاني متندرين إن على «من يقولون بالإسلام المغربي أن يحملوا حجابا مغربيا إلى التلفزيون إذا كان ضروريا القيام بذلك مثلما تقول كل المؤشرات الآن».
ماوراء الشكليات...المعقول
المشكل الذي قد يتمحور حول الزي الإسلامي ووجوده من عدمه في التلفزيون المحلي, مشكل قد يبدو تافها إذا ماقورن بمشاكل أخرى ستجد الطريق إلى الطرح مستقبلا في المشهد التلفزي دائما. التصور الذي تحمله دفاتر التحملات المقبلة لدور القطب العمومي في نشر الثقافة الدينية بين الناس, التصور الذي تحمله نفس الدفاتر عن تمثيلية المرأة في التلفزيون, والوقوف بالنقطة والفاصلة عند مظاهر التشييء في الإشهار, وفي المسلسلات, والأفلام, لكن أساسا ترديد عبارة غير مفهومة, وقادرة على أن تعني كل شيء ولا شيء هي عبارة «عدم تقديم مشاهد مسيئة للمرأة المغربية».
من يتابعون قليلا النقاش الذي انخرط فيه الإسلاميون منذ وقت سابق في كل مايخص الحياة التلفزيونية أو الفنية المغربية, يعرفون أن لديهم تصورا خاصا جدا لمسألة الإساءة هاته للمرأة المغربية, يبدأ من تقديم سهرة تبدو فيها امرأة وهي ترقص بين الجمهور, وينتهي عند «الصراخ الكثير» حين تقديم لقطة مفروضة إبداعيا لرجل وامرأة يجمع بينهما حوار قريب بعض الشيء من الرومانسية, دون نسيان التركيز المستمر على انتقاد اللقطات التي توصف ب«الفاضحة» من طرفهم في المسلسلات المكسيكية والتركية, علما أن الأمر يتعلق عادة بلقطات عادية جدا لفتيات جميلات في مسلسلات تعتمد هذا النوع من الجذب للجمهور, وهو مايتفاعل معه الجمهور المغربي بشكل مكثف مثلما تدل على ذلك نسب المشاهدة والمتابعة (المثال الأخير: مسلسل «حريم السلطان» التركي استطاع أن يجذب إليه عددا قياسيا من الجمهور المغربي بسبب اختيار فتيات جميلات لأداء أدواره).
لذلك يطرح الخائفون من هذه التضييقات المحتملة السؤال حول درجات التعويم فيها التي قد تجعلها قادرة على احتواء كل شيء, بل قادرة في لحظة من اللحظات _ قد تأتي وقد لا تأتي _ على أن تجعل كل شيء ماعدا مايعتقده الإسلاميون ممنوعا ومحرما وغير جائز قانونا, وهذا هو أخطر ما في الموضوع كله.
الحرب الضروس في السينما
متتبعو مايحاك اليوم في الخفاء للمشهد الإعلامي والمشهد الفني ينقلون المعركة, معركة التخوفات, إلى مجال أخطر يبدو الأكثر هشاشة, والأكثر استعدادا للعب دور المرآة الدالة على توفق الإسلاميين في تغيير شيء ما في المشهد الإبداعي الذي يحتفظون معه بعلاقة توتر منذ القديم. يجب هنا التذكير أن اللعبة ابتدأت مع الانتقاد المنهجي المتواصل لكل الأفلام السينمائية المغربية التي أنتجت في الفترة بين 2003 و 2011. قد يقول القائل إنها الفترة التي شهدت ازدهار السينما المغربية, ووصولها إلى المشاركة في المهرجانات العالمية الأبرز. نعم, لكن القائل الآخر المنتبه جيدا لخبايا الأمور سيعرف أيضا أنها الحقبة التي تولى فيها نور الدين الصايل مسؤولية التسيير في القطاع السينمائي المغربي, والرجل منذ لحظات ماي 2003 وطريقة تغطيته للحوادث الإرهابية التي عرفها المغرب في ذلك الشهر من تلك السنة أصبح بالنسبة لتيار إسلامي واسع عدوا معلنا أو على الأقل خصما لابد من إسقاطه بكل الوسائل.
هذه الخطة أعطت ثمارها بكل تأكيد, حيث أصبحت السينما المغربية تعني بالنسبة لقطاع واسع من الناس _ اعتمادا على هاته الخطة لاغير _ ماخورا كبيرا مفتوحا على عوالم الدعارة والمخدرات والخمر, لا تدخله إلا الراغبة في بيع شرفها لأول مخرج عابر, ولا يتميز فيه إلا الشواذ والأشخاص غير الأسوياء, وكل من يريد الاغتناء على حساب الناس دون وجه حق.
طبعا كانت بعض الأصوات المحايدة ترتفع بين الفينة والأخرى لكي تشير إلى التقدم الذي تحرزه السينما المغربية, وإلى التطور الهائل الذي تحقق لها, وإلى حضورها في أكبر المحافل السينمائية العالمية. لكن هنا أيضا كانت الخطة جاهزة: كل من يدافع عن السينما المغربية هو متواطئ مع المسيرين لها أو قابض منهم, أو في أحسن الأحوال فاسد يريد إفساد المجتمع والأمة المغربيين.
«ماذا لو بدأنا من السينما؟»
جملة تبدو عابرة ولا معنى لها, لكنها الخطر كل الخطر بالتأكيد. وردت العبارة على لسان مسؤولين عدة في التيار الإسلامي الحاكم اليوم, وخلاصتها تقول إن الدعم السينمائي المقبل لن يصل إلى أي فيلم يتضمن أي لقطة تسيء للمرأة المغربية. نظريا لا إشكال. هذا الأمر جيد ومقبول بل ومطلوب. عمليا هناك مشكل كبير جدا, إذ ما الذي تعنيه هاته العبارة بالتحديد؟ وهل يمكن لمن يكتبون سيناريوهاتهم اليوم بهدف تقديمها لنيل الدعم السينمائي ألا يضعوا في بالهم أن رقابة قبلية أصبحت منتصبة على إبداعهم, عليهم بموجبها أن يزيلوا من السيناريوهات أي لقطات تتضمن مشاهد لاختلاء رجل بامرأة, أو أخرى تتضمن مشاهد لاحتساء الخمر أو تدخين المخدرات. أما المشاهد الساخنة فطبعا لا نقاش.
لم يعد اليوم ممكنا تخيل دعم فيلم مثل «ماروك», أو «سيمرة في الضيعة», أو «فيلم», أو «موت للبيع», أو غيرها من الأفلام التي اقتربت بجرأة من المواضيع المسكوت عنها, بل لن يكون بإمكان هاته الأفلام مستقبلا أن تعرض دون سحب اللقطات التي ستعتبر «مسيئة» منها, لكي تكون قادرة على نيل رضا «أًصحاب الحال الجدد».
هؤلاء الأخيرون يمتلكون ردا غريبا على من يقول لهم «كيف سنتناول مثلا موضوع الدعارة في فيلم دون أن نظهر لقطة ساخنة واحدة؟», حيث يردون إن السينما الإيرانية تناولت كل المواضيع الممكن تخيلها دون أن تسقط في «الابتذال» الذي «سقطت فيه حسب زعمهم _ بعض الأفلام المغربية». هنا أيضا الكلام مردود عليه تماما لأن السينما الإيرانية ليست واحدة. هناك سينما الملالي التي يسمح بها النظام هناك, وهي سينما «على قد الحال» فعلا, وهناك سينما إيران المغتربة, وهي سينما ذهبت بعيدا في التحرر إلى درجة أنه يمكن أحيانا العثور على أفلام إيرانية لا يستطيع المغرب عرضها مهما حاول التجرؤ على ذلك, ومهما ردد من عبارات القبول بالحرية الإبداعية.
الحقيقة والخيال في الحرب على الإبداع الفني
إلى حدود اليوم ليست هناك أي دفاتر تحملات ولا قوانين جديدة في المجال. يجب التذكير بهذا الأمر جيدا. الموجود والمتوفر إلى اليوم هي أحاديث تروج هنا وهناك عن تجميع مجموعة من القوانين لتضمينها ضمن الدفاتر المرتقبة, وكلها نصوص وقوانين تدفع في اتجاه التضييق على الحرية الفنية أكثر مما تدفع إلى تشجيعها, وهنا بالتحديد وجب دق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان. المغاربة الذين صوتوا لصالح «العدالة والتنمية» في الانتخابات الماضية من حقهم أن يروا تصورهم للفن في التلفزيون والسينما والإذاعات والمسارح وكل مناحي الحياة, لكن المغاربة الآخرين الذين صوتوا للأحزاب الأخرى, والأهم, المغاربة الذين لم يصوتوا لأي كان, والذين يميزون جيدا بين الفن وبين السياسة ويعتبرون أن من حقهم أن يظل بلدا قادرا على احتضان كل أنواع الحرية الفنية, هم أيضا يجب أن تتم مراعاتهم ومراعاة أفكارهم, ليس بفرض قوانين تحد من حرية الإبداع وليس بفتح المجال على مصراعيه دونما اعتبار, ولكن فقط بالتفكير مليا فيما سيتم اختياره من قرارات سترهن مستقبل إبداع بدأ بالكاد طريقه بعد سنوات من القمع, وسيجد نفسه مجددا أمام سنوات جديدة من قمع آخر لامراد من ورائه إلا تصفية حساب قديم أصبح اليوم ممكن الإنهاء, ولوعلى حساب كل ماتحقق إلى حدود الآن.
‎الخلفي: «دفاتر تحملات للمهرجانات»
‎قال وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، الخميس الماضي، إن منح الدعم للمهرجانات السينمائية «سيتم بناء على دفتر تحملات يتضمن، بالأساس، لجنة وطنية ستعمل على تحديد مخصصات دعم أي مهرجان٬ وذلك وفق معايير وضوابط تنطلق من المرجعية الدستورية».
‎وأوضح الخلفي، في لقاء مع الصحافة عقب اجتماع مجلس الحكومة، أن هذه الأخيرة «لم تتدارس بشكل رسمي موقفها من أي مهرجان»، مضيفا أن وزارة الاتصال لم تقرر بعد الزيادة في دعم أي مهرجان سينمائي، وأن عملية تقديم الدعم مازالت تمر عبر المركز السينمائي المغربي.
‎وذكر بأن المغرب يعرف تنظيم أزيد من 150 مهرجانا في السنة، منها 53 مهرجانا سينمائيا.
كيف اجتاح مفهوم «السينما النظيفة» الفن
قبل 13 عاما عرفت السينما المصرية تعبيرا بات شائعا هو «السينما النظيفة»، حيث لا وجود للقبلات والعري والجنس والمايوه.. ولم تكن فقط النجمات هن اللائي يمنعن ذلك، بل إن النجوم كلهم كانوا يرفعون نفس الشعار «لا لأي مشاهد ساخنة».. أنجبت هذه الظاهرة ما يعرف بسينما المضحكين الجدد الذين تزعمهم محمد هنيدي، واستمرت المسيرة بعد أن واصل محمد سعد نفس الاتجاه.. كان المقصود بالنظافة أن الفيلم تصبح فيه المرأة في دور هامشي، وفي نفس الوقت يجب أن يكون الحضور الأنثوي آمنا، حتى في العلاقة بين الأزواج ممنوع تقديم قبلة خاطفة ولا حتى الشروع في قبلة خاطفة.. وأطلقت حنان ترك وقتها تعبير أن كل النجمات صرن «وردة في عروة جاكتة النجم» أي أنهن بلا دور درامي مؤثر ومن الممكن الاستغناء عنهن!! لم يخلُ الأمر بالطبع من بعض أفلام هنا وهناك تحاول أن تغير هذا النمط الشائع، مثل أفلام إيناس الدغيدي التي كانت ولا تزال ينظر لأفلامها على أنها أسوأ ما عرفته السينما المصرية، وكانت تجنح دائما إلى تقديم مشاهد جنسية فجة مثل «لحم رخيص»، و«مذكرات مراهقة»، و«الباحثات عن الحرية»، تتناول قضايا فكرية عميقة وجدلية ولكنها تحيلها إلى توليفة تجارية متواضعة فنيا، ولهذا صار حتى من يرفض تعبير «السينما النظيفة» لا يمكن أن يؤيد سينما إيناس الدغيدي التي تعتقد أن الجرأة فقط ينبغي أن يكون محورها هو الجنس.. الجمهور أيضا لم يكن يقبل على هذه الأفلام، وخاصمها شباك التذاكر مثلما لاقت انتقادا حادا من أغلب النقاد.. ووقف أيضا على الجانب الآخر – مما يعرف بالسينما النظيفة – النجم عادل إمام بأفلام مثل «الواد محروس بتاع الوزير»، و«التجربة الدنماركية»، و«أمير الظلام» وغيرها، كان للمرأة كأنثى حضورها الطاغي في أفلام عادل إمام.. إلا أن التيار الأكبر ظل هو السينما النظيفة، مع الزمن بدأت تتغير تلك التصنيفات، وصارت هناك محاولات للخروج من هذا القيد، حتى النجوم مثل أحمد السقا وكريم عبد العزيز لم يعودوا يتدخلون في حذف بعض اللقطات في الأفلام، ولم يتمسكوا بتطبيق قانونهم الخاص الذي يمنع تصوير أي مشاهد عاطفية.. تسيدت السينما النظيفة المشهد السينمائي المصري، لها الكلمة العليا وهي التي تحقق الإيراد الأكبر.. إلا أنه قبل ثلاث سنوات حدث تغير نوعي، ظهرت أفلام مثل «عمارة يعقوبيان»، و«حين ميسرة» تناقش قضايا سينمائية لم يتعود عليها الجمهور المصري والعربي كثيرا، مثل الشذوذ الجنسي والسحاق..
الحالة المصرية:
الخوف والقلق
حالة من الرعب والخوف تسيطر على نسبة كبيرة من الوسط الفني المصري, بعد تسلم الإسلاميين للسلطة وبالتالي وضع القيود على الفن والإبداع في بلد مثل مصر تعتبر فيه السينما والدراما التلفزيونية صناعة من الصناعات, وإحدى وسائل الدخل والاقتصاد المصري, كما أن المسرح خاصة التجاري منه كان أحد العوامل المشجعة على السياحة المصرية خاصة في فصل الصيف, ونظرا لضبابية الموقف والاختلاف الواضح في وجهات النظر فإن هذا التخوف أمر منطقي وطبيعي.
الحالة الإيرانية :
سينما باسم الملالي
في إيران يمارس الفن بحرية دون أي عوائق, لكن ضمن ضوابط مطبقة في المجتمع ومنها غطاء الرأس وعدم الاقتراب وما شابه ذلك وأن مثل هذه القيود ربما تقدم سينما تمثل المجتمع الذي تريده السلطة وبالوقت نفسه, تحقيق النجاحات والجوائز في المهرجانات, لكن لا يمكن لها تحقيق النجاح التجاري كصناعة, وهنا الفارق ما بين الواقع في مصر وإيران لذلك فان الفيلم الإيراني«انفصال» الذي فاز بجائزة الأوسكار الخاصة بأفضل فيلم أجنبي. وربما حقق هذه الجائزة ضمن لعبة الكراسي السياسية في الآونة الحالية, لكن لن يجد النجاح في دور السينما وبالتالي تتحول هذه الصناعة إلى إبداع مستهلك وليس منتجا, وهذا الأمر يصعب تطبيقه في مصر.. لأنه سيجعل الإنتاج الفني أداة من أدوات الدولة أو أن يرضخ لجهات خارجية تقدم له الدعم مقابل أجندات معروفة مسبقا, أو أن يتراجع ويبدأ بالموت البطيء بعد سنوات من الإبداع.
الحالة التركية :
فصل الدولة عن الفن
في تركيا ابتعدت الدولة كليا عن عالم الفن بجميع أنواعه واستمر كما كان قبل تسلم الإسلاميين للحكم, وإن كانت هناك بعض التوجهات السياسية التي تتخلل العديد من الأعمال التركية مثل «وادي الذئاب», فالدراما التركية أصبحت سلعة مربحة للاقتصاد التركي, إضافة إلى أنها عامل مهم من عوامل السياحة التركية خاصة لدول العالم العربي بعدما تراجعت السياحة الأوروبية في تركيا, ومن هذا المنطلق تعاملت الدولة مع الفن بعقلانية ولم تقترب من حاله، حال العديد من القوانين إبان حكم حكومات الليبرالية, ويعتبر هذا نوعا من أنواع الذكاء.. لكن على الجميع ملاحظة بأنه لا يوجد تشدد ديني في تركيا مثل الموجود في مصر.. والمدعوم بأموال عربية.
إعداد القسم الثقافي والفني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.