لحظات عصيبة عاشتها إدارة السجن المحلي الأوداية بمراكش على امتداد ساعات زوال الجمعة المنصرم، وهي تجاهد لمحاصرة أعراض التسمم الجماعي التي أصابت العديد من النزلاء مباشرة بعد تناولهم لوجبة الغذاء. كانت المؤسسة تعيش أجواءها المعتادة، وقد انصرف الحراس والإداريون لممارسة مهامهم اليومية، وقد اطمأن الجميع إلى أن النزلاء قد تناولوا وجبة غذائهم وتوزعوا على العنابر والأجنحة المخصصة لإيوائهم، حين بدأت الأجواء تتلبد بغيوم التوتر والاضطراب. بوادر الحدث التي خلقت هستيرية جماعية في صفوف النزلاء، انطلقت في شكل أعراض مرضية تتمثل في ارتفاع مفاجئ في درجة حرارة الأجسام، وأوجاع على مستوى البطن مصحوبة بالتقيؤ، مع شعور المصابين بحالة عياء وانهيار جسدي، ما أشر على حدوث تسمم غذائي. بدأ النزلاء يتساقطون كأوراق الشجر تحت وطأة الأعراض المرضية المذكورة، لتدب حالة استنفار قصوى بعموم المؤسسة السجنية، خصوصا مع تسجيل ارتفاع كبير في الحالات المصابة التي بدأت تعد بالعشرات. سارعت المصلحة الطبية إلى تقديم الإسعافات الضرورية للمصابين في محاولة لاحتواء الوضع، غير أن ارتفاع منسوب النزلاء المصابين بدأت يهدد بخروج الوضع عن السيطرة، لتشرع الهواتف بالتحرك في كل اتجاه مطالبة بالمساعدة وإيفاد تعزيزات وطواقم طبية خارجية. محمد مفكير والي جهة مراكش «لم يكذب في عيطة»، فسارع بربط الإتصال بالمندوب الجهوي لوزارة الحسين الوردي وإعطاء التعليمات الحاسمة بتوفير جميع التجهيزات اللوجيستكية والمعدات الطبية اللازمة لتغطية الوضع داخل السجن المحلي. تحولت المؤسسة السجنية إلى خلية نحل تعج بالحركة والنشاط، وانخرطت الطواقم الطبية في تقديم الإسعافات وإحاطة النزلاء بالمتعين من خدمات علاجية، ما مكن من احتواء الوضع والسيطرة على أعراض التسمم. المندوبية السامية لإدارة السجون وإعادة الإدماج التي تابعت الحدث، سارعت بإعلان بلاغ ضمنته تفاصيل الواقعة، مع التأكيد على أن المجهودات الطبية الاستعجالية المذكورة قد نجحت في درء تأثيرات التسمم عن المصابين وأخرجتهم من دائرة الخطر المحدق، بعد أن استقرت أوضاعهم الصحية وتمت إعادتهم لمواقعهم، فيما احتفظ بخمسة فقط رهن المراقبة الطبية بمصحة المؤسسة. بعد احتواء الوضع واستقرار الأجواء داخل المؤسسة، دشنت الخطوة الموالية بفتح تحقيق لمعرفة مجمل الظروف والملابسات التي أدت إلى تعريض حياة النزلاء للخطر ورشقهم بسهام التسمم الغذائي، كما أحيلت عينة من الوجبة الغذائية التي تناولها المتضررون على المختبر قصد إخضاعها للتحليل في أفق تحديد مكامن التسمم عملا بالمأثور الشعبي «عيب البحيرة ،تفتاشها«. إسماعيل احريملة