يظهر أن فزاعة خطاب التكفير قد عادت من جديد. فالفيزازي والحدوشي العائدان من السجن بعفو ملكي، يقولان نفس الكلام الذي كانا يروجان له قبل أحداث الدار البيصاء الإرهابية لسنة 2003. الأول يعتبر العلمانيين كفارا ويطلب منهم الدخول في الإسلام! ويحث على تطبيق حد الردة الذي هو القتل، ويرفض كل حديث عن الحريات الفردية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وغيرها من المبادئ التي جاءت في الدستور، وتركت للأسف مفتوحة وقابلة لكل تأويل. أما الحدوشي، فمباشرة بعد خروجه من السجن قال بأنه لا يكفر إلا من كفره الله، وهو منطق يمكّن الحدوشي وغيره من تأويل النصوص الدينية لتكفير المواطنين. وهو على كل حال كلام مبطن يدخل في خانة تكفير الناس. إن العفو عن «شيوخ السلفية الجهادية» أمر لا يمكن إلا استحسانه من الناحية الإنسانية. لأن الحرية غاية أسمى ننشدها لكل البشر. لكن منطق العفو يقتضي أن تعفو السلطة في مقابل أن يتوب الطرف الآخر. أما أن نجد أنفسنا أمام انتشار نفس الفكر الذي أوصلنا إلى كارثة الإرهاب الدموي الذي أفجع المغاربة، فإن ذلك مؤشر جد سلبي، بل خطير ويمكن أن يعيد البلاد إلى نقطة ما قبل 2003. لقد حملت شريحة عريضة من المجتمع، شيوخ السلفية الجهادية وجهات إسلاموية أخرى المسؤولية المعنوية للعمل الإجرامي الذي ضرب المغرب في مقتل في 16 ماي المشؤوم. وهناك من راجع بعض أفكاره ودخل إلى العمل السياسي بالقواعد المتعارف عليها. وظل الحديث متواصلا حول الكيفية المثلى لحل ملف شيوخ السلفية، خصوصا وأن هناك رأيا يقول بأن المعنيين لم يمروا إلى مستوى التنفيذ وإنما اكتفوا بالكلام... وتم اللجوء إلى مسطرة العفو في الأخير. لكن إذا كان كل من حسن الكتاني وأبو حفص قد تحدثا بعد خروجهما من السجن بأسلوب فيه نوع من المرونة والتعقل، فإن الفيزازي والحدوشي يواصلان الترويج لأفكار قد تكون الداعم المعنوي من جديد للإرهاب. إن حرية التعبير والتفكير والإعتقاد هي المبدأ الأول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وإذ نؤكد على ضرورة تحققها لكل بني البشر، فإن هذا الحق لا يجب أن يستغله دعاة الغلو والتطرف للدعوة إلى تكفير الناس (والتكفير يبرر هدر الدم) ؛ والإجهاز على روح حقوق الإنسان كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية.