كلما حط معرض الكتاب رحاله في الدارالبيضاء، تزداد غرابتي عندما أرى كفاحي لزعيم النازية أدولف هتلر وهو يباع بشكل عادي، وكأنه أحد ذخائر الأدب العالمي. وبالامس قرأت تعليقا على الفايسبوك لأحد الصحفيين المغاربة الذي يهلل لهذا الكتاب ويفتخر بقراءته. ففي الوقت الذي تعيش فيه ألمانيا جدلا كبيرا منذ بداية شهر يناير من هذه السنة حول كتاب كفاحي كأحد أخطر الكتب الدعائية في التاريخ الحديث، الذي يصف فيه هتلر شكل الدولة الشمولية، ويدعو فيه إلى إبادة الشعوب بلا شفقة، نجده يباع في معارض ومكتبات العالم العربي بشكل عادي جدا. والأنكى من ذلك، فبالرغم من قلة الترجمات من الألمانية الي العربية، ترجم كتاب هتلر "كفاحي" الي العربية في أربع ترجمات لاقت ولاتزال رواجا كبيرا. فقد بيعت منه ملايين النسخ في العالم العربي. إنه الكتاب الذي كتبه هتلر إبان سجنه في11 من نوفمبر 1923 بتهمة الخيانة العظمى، بعد فشل محاولة الانقلاب التي وقف وراءها النازيون في مدينة ميونخ. وقد نشر الكتاب في العام 1925، ومنذ ذلك الحين، طبع منه أكثر من خمسة ملايين نسخة. و بيعت منه إثنى عشرة مليون نسخة إلى غاية ألف وتسعمئة وخمسة وأربعين. بعد انهيار النظام النازي، كانت حقوق الملكية لكتاب في يد ولاية بافاريا. لذا قامت الولاية بمنع أي صدور جديد للكتاب. وقد تجدد الجدل في ألمانيا، بعد انتهاء المدة القانونية والمحددة في سبعين عاما على وفاة الكاتب، حول إعادة اصدار هذا الكتاب. لعدة سنوات، اشتغل فريق من الباحثين في معهد ميونيخ للتاريخ المعاصر على نشر طبعة جديدة للكتاب تضم تعاليق وشروحات. إنه عمل نقدي، في نظر مدير معد التاريخ المعاصر أندرياس فيرشينغ، يدحض تلميحات هتلر التحريضية، ويشرح أفكاره الزائفة. إنها طبعة جديدة ذات موقف نقدي. وهذا ما دفع هذا المعهد إلى اصدار طبعة منقحة، على اعتبار "الكتاب مصدرا تاريخيا هاما عن هتلر نفسه، ولا أحد يستطيع نكران ذلك، سواء لمعرفة سيرته الذاتية وطريقته في التفكير ولمعرفة تاريخ النازية بشكل عام، بحسب مدير المعهد ويضيف قائلا: "المطلوب هو التوعية. أعتقد أن التاريخ علم يهدف إلى أغراض تنويرية. طبعا ليس هذا فقط، ولكن في حالتنا هذه، يشكل هذا الهدف دورا محوريا." إن التعامل مع كتاب هيتلر التحريضي ليس بالموضوع البسيط في ألمانيا . ولا يتوقع صدور طبعة عادية، دون تعاليق لكتاب كفاحي في ألمانيا، على الأقل ليس في المستقبل المنظور، وإلا قد يواجه الناشر تهما بالتحريض ضد الشعوب. وماذا عن الطبعة العلمية التي ينوي اصدارها معهد التاريخ المعاصر؟ هل ستخطئ هدفها؟ في هذا الصدد يقول أندرياس فيرشيغ: "لن تكون أي صفحة من كتابنا خالية من التعاليق، بل أن كل صفحة تتضمن شروحات. وكل شخص سيقرأ الكتاب، سيكون مضطرا بطريقة أو بأخرى لأخذ التعليقات بعين الاعتبار. وإذا كان أي قارئ من اليمين المتطرف يريد أن يقرأ كتاب هتلر، فأكيد أنه سيختار طبعة أخرى." فحتى بعد مرور سبعة عقود على وفاة هتلر، فإن الجدل في ألمانيا حول أفكاره العنصرية لم ينته بعد. من دون شك، أن العديد من مظاهر سوء الفهم تحدد علاقة العرب والمغاربة بصورة هتلر. إن هتلر لم يكن بطلا، بل مجرما كان وراء خراب بلاد بكامله وسببا في حرب أودت بأكثر من ستين مليون شخص. ولكن أكبر مظاهر استغرابي، هو إقدام عدد من مستعملي الفايسبوك على نشر صور هتلر مصحوبة بتعليقات له. تجعل المرء حائرا في التعامل مع هذا الاشهار المجاني للأفكار النازية. أفكار ما فتئت تأخذ أشكالا متعددة لنشر الكراهية والعداء للآخر في عدد من الدول. منذ سبتمر الماضي، يقوم الاسرائيلي Alon Kraus رفقة خمسة فنانين آخرين بجولة في ألمانيا مع فرقة "ريميني بروتوكول" لعرض مشروع مسرحي يحمل إسم "كفاحي". إنه عمل استفزازي ومحاولة لكسر المحرمات اعتمادا على الكتاب، وذكر اقتباسات منه. وتقول مخرجة المسرحية هيلغراد هاوغ: "كان تعاملنا مع الكتاب شائكاً بالنسبة لنا، لأننا كنا غير مطلعين عليه. إنه ليس بكتاب عادي يمكن قراءة مضامينه بكل بساطة والتناقش حولها". محمد مسعاد