بينما كانت في سبات عميق بعد يوم عمل شاق أنهك قواها، تلقت الكبيرة بقاشة أو كما يطلق عليها أصدقائها المقربون اسم «نبيلة» مكالمة هاتفية من إحدى صديقاتها في حدود الساعة 5 صباحا، كان الوقت جد مبكر ما أثار الريبة في نفس الكبيرة، وكان تفكيرها يسير في اتجاه مشكل كبير، لتفاجأ حينها بصديقتها تطلعها بخبر لم تتوقعه البتة…«نوضي نوضي راه لايحين تصاورك فالفايسبوك و المواقع الإلكترونية…». نزل الخبر كالصاعقة على رأس الكبيرة، حيث أحست بصداع كبير سرعان ما تجاوزته في محاولة لاستجماع القوى و معرفة أسباب نشر صورها،خاصة أن صديقتها لم تكن بدورها تعرف الأسباب بحكم أنها سمعتها من أحد الأصدقاء الآخرين، أول ما تبادر إلى ذهن نبيلة أن الأمر يتعلق بصور فاضحة، ربما استغلها بعض ضعاف النفوس لتشويه سمعتها، لتقوم بفتح حاسوبها على مضض لتجد نفسها أمام واقعة أكبر، زادت بشكل كبير من حدة الصداع الذي أحست به للوهلة الأولى…تهمة ثقيلة مصوبة نحوها، «الإرهاب» و أين؟ بفرنسا . أمام هاته الوضعية الغير متوقعة صارت نبيلة في حيرة من أمرها، ماذا تفعل؟ بمن تتصل؟ هل سيصدقونها؟ هل سيتم اقتيادها إلى السجن؟ أسئلة من بين أخرى طرحت تلقائيا في ذهنها دون أن تجد إجابات شافية. فهم حيثيات الموضوع أول ما اًثار إنتباه نبيلة بقاشة البالغة من العمر 32 سنة (مطلقة وأم لثلاثة أطفال) وتشتغل كمدربة سياقة بمدينة الفقيه بن صالح وتقطن بمدينة بني ملال، هو اسم إنتحارية باريس «حسناء ايت بولحسن» قريبة عبد الحميد أبا عوض التي فجرت نفسها بمجرد اقتحام الشرطة الفرنسية للشقة التي كانت تتحصن بها بمنطقة سان دوني ضواحي باريس شهر نونبر الماضي، لتحاول بذلك نبيلة محاولة استحضار هذين الاسمين «حسناء وعبد الحميد»، وهل سبق لها أن سمعت بهما من قريب أو من بعيد، لكن دون جدوى فالاسماين لم يكونا مألوفين بالنسبة لها. بعيد ذلك حاولت نبيلة معرفة من سرب الصور، الصور التي وضعتها الجريدة البريطانية «الديلي ميل» الذائعة الصيت على صدر صفحتها على أساس أنها لانتحارية باريس، خاصة أنها صور جد شخصية ظهرت فيها وهي مسترخية وشبه عارية داخل حمام منزلي، معلقة عليها الجريدة البريطانية بأنها تأكد على حياة البدخ و الانحلال الخلقي التي كانت تعيشها حسناء أيت بولحسن انتحارية باريس. بذلك وفي محاولة منها لإظهار الحقيقة كاملة، أقدمت نبيلة على الاتصال بالموقع الإلكتروني المغربي الذي كان سباقا لنقل الخبر، حاولت مرارا وتكرارا قبل أن تهتدي في نهاية الأمر إلى رقم هاتف رئيس تحرير الموقع بمساعدة أحد أصدقائها، لتربط الاتصال به على الفور، مخبرة إياه أن الصور التي تم نشرها تخصها ولا علاقة لها بانتحارية باريس لا من قريب أو من بعيد. أمام هذا المستجد تأكد الكبيرة ل«الأحداث المغربية»، أن الموقع الإلكتروني أقدم على الفور بوضع بيان حقيقة على صدر صفحته الأولى وبالبنط العريض، كما قام بربط الاتصال بالمصالح الأمنية في محاولة لتوضيح اللبس، قبل أن تقدم هذه الأخيرة باستدعاء الكبيرة بتنسيق مع ولاية أمن بني ملال، ليتم استجوابها لمدة 5 ساعات قبل أن يتبين لهم صحة أقوالها، وأن الجريدة البريطانية وقعت في لبس كبير، وفي خطأ مهني فادح يعاقب عليه القانون. وأضافت نبيلة أن همها كان في تلك اللحظة يقتصر على إيصال الحقيقة للعالم و أنها مجرد إنسانة عادية تمتلك وظيفة متواضعة تربي من خلالها أبنائها الثلاثة، وأن لا علاقة لها بالإرهاب و الإرهابيين . من جهة أخرى عبرت الكبيرة عن امتعاضها الشديد من تنكر الجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني و كذا عائلتها لملفها، وعدم مساندتهم لها في هاته المحنة التي ألمت بها. ربط الإتصال ب«الديلي ميل» بعد مشاورة عائلتها و محاميها الخاص، قررت الكبيرة بقاشة الانتفاض في وجه الجريدة البريطانية، من خلال ربط الاتصال المباشر بها و إبلاغها عزمها اللجوء إلى القضاء لرد الاعتبار لها،وجبر الضرر النفسي الكبير الذي تعرضت له بعد أن أصبحت أصابع الاتهام موجهة صوبها، خاصة من طرف عدد من ساكنة المدينة التي تقيم فيها. لتتمكن بذلك من الاتصال بهم بعد مساعدة من الموقع الإلكتروني المغربي. بذلك أيقنت الجريدة البريطانية فور تلقيها الاتصال أنه لا مناص من فتح باب المفاوضات مع نبيلة قبل لجوئها للقضاء، ليخبروها أنهم بصدد إرسال موفد يمثلهم إلى المغرب من أجل الاستماع إلى مطالبها في أفق دراستها، والاستجابة لها إن كانت موضوعية. في اليوم التالي أوفت جريدة «الديلي ميل» أحد صحافييها والذي يدعى «نيك فايدج» مصحوبا بأحد مصوري الجريدة، ليفتح بعدها باب المفاوضات مع الكبيرة، مفاوضات كانت شاقة حيث دامت ما يناهز 20 يوما اضطر من خلالها مبعوثا الجريدة الإقامة بأحد الفنادق المحلية ببني ملال. لم تجد نبيلة أي صعوبة في التواصل مع مبعوث الجريدة البريطانية كون هذا الأخير يتقن اللغة الفرنسية، وكذا كون نبيلة كانت تتحدث بها بطلاقة بعد كانت مهاجرة سابقة بالديار الفرنسية خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 1998 و2006، قبل أن تقرر العودة بصفة نهائية إلى المغرب من أجل إتاحة الفرصة أمام أبنائها لمتابعة دراستهم بأرض الوطن لينهلوا من تقاليد وثقافة بلدهم الأم. أمام كل هاته المعطيات قدم مبعوث الجريدة البريطانية بعض الاقتراحات الموضوعية لنبيلة يمكن تلخيصها في ما يلي: إزالة صورها من الموقع الإلكتروني، وضع شريط مصور على الموقع يتضمن اعتذارا شاملا من الجريدة عن الواقعة، نهاية بتعويضها ماليا. نبيلة وافقت بعد تردد على المقترح لتطلب منهم اقتراح مبلغ مالي قدروه على الفور في 60 ألف أورو، ليرفعوه بعض رفض نبيلة إلى 100 ألف أورو ،200 ألف أورو، وصولا إلى الرقم الذي تم التوافق عليه في النهاية و المحدد في 350 ألف أورو. فرحة سرعان ما اندثرت «مبغيتش نوصل هادشي للمحاكم داكشي علاش قررت نقبل التسوية مع هاد الجريدة» هذا كان جواب الكبيرة على سؤال «الأحداث المغربية» عن سبب قبولها لهاته التسوية الودية المتفق عليها مع مبعوث الجريدة البريطانية، لكن ما لم يكن في حسبانها أن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد. مباشرة بعد الاتفاق على حيثيات التسوية التي جمعت نبيلة بموفد الجريدة بحضور موثق محلف بالإضافة إلى أحد أصدقائها المقربين، والذي كان مرافقا لها طيلة أطوار عملية التفاوض، الصديق الذي يدعى (ياسين بن عدي) ويشغل موقعا مميزا باعتباره كاتبا إقليميا لجمعية وطنية تعنى بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى رئاسته لإحدى الجمعيات المحلية المتخصصة في الوقاية من حوادث السير. أمام هذا المعطى طلب موفد الجريدة البريطانية من الكبيرة بقاشة حسابها البنكي لكي يحول لها الأموال، ليفاجأ بعدم توفرها على أي حساب بنكي ما طرح إشكالية كبيرة في سير مسطرة التسوية،قبل أن يستدرك الفاعل الحقوقي وصديق الكبيرة الأمر و يقترح تحويل الأموال إلى حسابه الشخصي،في أفق تحويلها فيما بعد إلى حساب الكبيرة فور إنشاءها لحساب بنكي جديد. كاريزما الصديق، ومناصبه المهنية المتعددة، وكذا الثقة التي كانت تكنها الكبيرة لشخصه جعلها توافق على هذا الطلب شريطة أن يوثق الأمر في العقد النهائي الذي تم تحريره من طرف الموثق. وبذلك حولت الجريدة في اليوم الموالي المبلغ المتفق عليه و المقدر ب350 ألف أورو، إلى حساب ياسين ،لينتهي بذلك الكابوس الذي عاشته الكبيرة طيلة الأيام التي أعقبت نشر الصور الفاضحة من طرف «الديلي ميل». الكبيرة توجهت في نفس اليوم نحو إحدى الوكالات البنكية ببني ملال لتقوم بفتح حساب بنكي جديد بإسمها، لتضطر بذلك الانتظار بضعة أيام إلى غاية تفعيله من طرف الوكالة البنكية، خلال هذه المدة طلبت من صديقها ياسين منحها جزء من الأموال لقضاء بعض الحاجيات الضرورية ليمنحها بالفعل مبلغا وقدره 35 مليون سنتيم، أنفقته في شراء سيارة رباعية الدفع من نوع «نيسان» بقيمة 24 مليون سنتيم، بالإضافة إلى مقتنيات مختلفة من ملابس وحلي… كانت الأمور تسير بشكل طبيعي قبل أن تتلقى الكبيرة إتصالا هاتفيا من الوكالة البنكية تخبرها بتفعيل الحساب البنكي، أمام هذا المستجد طلبت الكبيرة من ياسين تحويل الأموال المتبقية في ذمته إلى حسابها الجديد، قبل أن تفاجأ برفض قاطع منه بدعوى أن الأموال المتبقية تتعلق بمجهوداته والمصاريف التي دفعها إبان فترة التفاوض مع الجريدة البريطانية. أمام ذهول واستغراب الكبيرة لرد صديقها الذي وضعت ثقتها الكاملة في شخصه، طلبت منه مرارا وتكرارا إعادة أموالها، ليكون رده يسير في كل الأحيان نحو الرفض التام، قبل أن يتمادى في تمرده حيث أقدم في إحدى المرات على الاعتداء عليها جسديا، ما استلزم نقلها مباشرة نحو المستشفى ليتم منحها شهادة طبية حددت مده العجز فيها في 24 يوما. وبعد أن استنفدت الكبيرة إثر ذلك كل الحلول الودية مع الناشط الحقوقي، اضطرت إلى سلك طريق القانون من خلال إقدامها على تقديم شكاية في الموضوع موجهة إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ببني ملال، ليصدر أوامره باعتقال المتهم،وتجميد جميع حساباته البنكية. بذلك تمكنت عناصر الشرطة القضائية من إيقاف المتهم بقلب أحد الأبناك المحلية، حيث كان يهم باستخراج المبلغ المالي الذي كان لا يزال مودعا في حسابه البنكي. لتقدم بذلك على فتح تحقيق مفصل مع المتهم و الاستماع إلى دفوعاته، قبل تقديمه إلى العدالة في حالة اعتقال بتهم تتعلق بخيانة الأمانة. أمام كل هاته المعطيات التي تم تقديمها إلى هيئة المحكمة، وعقد جلستين من أجل تقديم دفعات المتنازعين قضت المحكمة الابتدائية ببني ملال بحبس المتهم «ياسين بن عدي» سنتين سجنا نافذا، وإلزامه بإرجاع كل الأموال التي بقيت في ذمته،وغرامة مالية قدرت ب50 ألف درهم، لتنتهي بذلك فصول القضية التي هزت الرأي العام لمدة طويلة.