اختصرت مشاهد فيلم "الصحراء" للمخرج خوناس كارون، معاناة المهاجرين السريين الذين يعيشون على أمل الوصول إلى أراضي عالم جديد، خال من الفقر والعوز والبؤس والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها وطنهم الأم. يتطرق هذا الفيلم، الذي عرض صباح أمس الجمعة في إطار المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته الخامسة عشر، إلى ظاهرة الهجرة السرية التي تجعل العديد من الأشخاص يواجهون مخاطر وصراعات غير متوقعة تتراكم خلال رحلتهم الى أرض الحلم الأمريكي، فيقعون في فخ التشرد والضياع وأحيانا يكون مصيرهم الموت. يحكي فيلم "الصحراء" (إنتاج مشترك مكسيكي فرنسي) قصة مهاجر سري يدعى موييز ومجموعة من الأشخاص الآخرين الذين يحاولون عبور الحدود من المكسيك إلى الولاياتالمتحدة من خلال منطقة صحراوية قاحلة. وخلال خوضهم لهذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، يقع هؤلاء المهاجرون في قبضة قناص مهووس وعنصري، يشرع في مطاردتهم للتخلص منهم جميعا، فيحاولون الهرب منه لكي لا ينتهي بهم الأمر جثثا في تلك الأراضي القاحلة. يبرر القناص الغريب الأطوار تعامله مع هؤلاء المهاجرين، برغبته القوية في الدفاع عن حدود بلاده منهم، غير أنه في بعض المشاهد يصف عيشه بالقرب من تلك الحدود بالجحيم الشيء الذي يدل عل أنه غير مقتنع بما يقوم به وكأنه يريد الانتقام لنفسه وللوضعية المزرية التي يعيشها من هؤلاء المهاجرين. يتحول إذن حلم الظفر بمستقبل أفضل في بلد آخر، إلى مواجهة ومعركة شرسة من أجل البقاء من خلال الرغبة في التخلص من قبضة القناص العنيف الذي حدد لنفسه هدفا واحدا هو التخلص من أي مكسيكي يحاول العبور إلى الولاياتالمتحدة، فيصبح بذلك حلم الهجرة الذي راود هؤلاء المهاجرين السريين إلى كابوس حقيقي يصعب التخلص منه. يتميز الفيلم، الذي استغرقت مدة عرضه ساعة و34 دقيقة، والذي كتب قصته كل من خوناس كارون وماتيو غارسيا، باقتضاب الحوار، فقد هيمنت عليه روح التشويق والمغامرة على أغلب المشاهد. وقد نجح المخرج خوناس كارون في التوغل بين ثنايا الألم والمعاناة التي يتحملها المهاجرون السريون، وأبرزها للمشاهد بلغته السينمائية الخاصة التي تعتمد على تقنية المشاهد الطويلة وإبراز وتكثيف الانفعالات لدى الشخصيات. إخراج كارون يحسن خلق إثارة مستمرة بإيقاع محكم، ويهتم أيضا بالتفاصيل التي تبقي المشاهد مترقبا وماضيا في تخميناته، كما يعمل على جعل موقف المشاهد يتطور مع تطور الأحداث والشخصيات، ويحقق ذلك بإدارة ممتازة لفريق ممثليه. أما من ناحية التصوير فقد كان موفقا جدا، خاصة من خلال تقديم ملامح وانفعالات الشخصيات بشكل معبر، واستغلال الفضاء الذي صور جله بمناطق صحراوية، مما أعطى الفيلم غنى بصريا يبدو واضحا من المشاهد الأولى. الفيلم بسيط وعميق في نفس الوقت وهي معادلة درامية سينمائية صعبة يتغلب عليها الفيلم بتفاصيله الغنية وبأداء مذهل، لكل من كايل كارسيا بيرنال وجيفري دين مورغان وألوندرو هيدالغو ودييغو كاتانيا وماركو بيريز وأوسكار فلوريس ودافيد لورينزو. ويعزز فيلم "الصحراء" مسيرة سينما جديدة يقودها شباب مفعم بروح المغامرة والتحدي يصنعون سينما متميزة. يذكر أن المخرج خوناس كارون بدأ كتابة سيناريو الفيلم الطويل صحبة والده، المخرج ألفونسو كوارون، بفيلم "الجاذبية". نال الفيلم سبع جوائز أوسكار كما ترشح بفضله الثنائي لنيل جائزة بافتا لأفضل سيناريو. كتب وأخرج وأنتج وقام بمونتاج الفيلم القصير "أنينغاب"، كامتداد لفيلم "الجاذبية" الذي تم تصويره في غرينلاند. وكان قد قام قبل ذلك بكتابة وإخراج وإنتاج "أنيو أونيا" (سنة المسمار) الذي قام أيضا بمونتاجه وإنارته وحصل على جائزة الإنجاز الفني الخاصة بمهرجان "تيسالونيك" سنة 2007 . وفي نفس السنة قام بإخراج ومونتاج الوثائقي القصير "عقيدة الصدمة". تحرير