من لديه نظارات سوداء يمكن أن يستعملها كنظارات شمسية، هكذا جاء تعليق أحد المساجين اثر عرض الفيلم المغربى جوق العميان يوم الجمعة فى سجن المرناقية بتونس، فى تجربة تعد الاولى من نوعها فى تاريخ أيام قرطاج السينمائية، حيث تم نقل بعض العروض الى عدد من السجون فى تونس، وذلك بالتعاون مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب وادارة السجون والاصلاح. حوالى مائة سجين من مختلف الاجنحة رابطوا فى مقاعدهم داخل قاعة خصصت لتقديم فيلم جوق العميان للمخرج المغربى محمد مفتكر حيث كان من المنتظر برمجة عرض ثان مباشرة بعد نهاية العرض الاول نظرا لرغبة عدة سجناء فى مشاهدة الفيلم الا أن طاقة استيعاب القاعة وضيق الوقت حالا دون ذلك. هم محرومون موقتا من حريتهم وجئنا اليوم لمنحهم لحظات حلم ونفتح لهم نافذة على الخيال والجمال من خلال عالم الالوان والحركة للتعبير والتفاعل والتواصل مع ما يدور خارج أسوار السجون بما يعزو القدرة على التجاوز واعادة بناء الذات واستعادة الامل والطموح والثقة فى الحياة، ذلك ما أكدته غابريال رايتر مديرة مكتب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب بتونس. دقت أيام قرطاج السينمائية أبواب سجن المرناقية لمنح فرصة للمساجين لمتابعة عرض فى نفس التوقيت الذى يتابعه الجمهور فى قاعة سينما أ ب س بالعاصمة تونس، فى محاولة لضمان تكافو الفرص ومنح حق متعة المشاهدة بين المواطن الطليق والمواطن السجين. اختيار عرض فيلم جوق العميان كان مدروسا من قبل لجنة تجمع ممثلين عن أيام قرطاج السينمائية والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب وادارة السجون والاصلاح حيث لم يخل المسار الروائى للفيلم من المواقع الكوميدية الى جانب تطرقه الى جوانب مجتمعية وسياسية تنقد ظاهرة الوساطة فى السلك الأمنى وقمع المعارضين السياسيين. الفيلم قدم هوية مرئية حاكت تفاصيل بيئة السبعينات بخيوط متينة لسيناريو محكم وأداء تمثيلى مضبوط يتسم بالحرفية العالية لا سيما مع الممثل يونس ميكرى والممثل الراحل محمد بسطاوى ومنى فتو وسليمة بن مومن وماجدولين الادريسى. وتكمن الميزة الجمالية للفيلم فى استنطاقه لممارسات وظواهر مجتمعية دون السقوط فى دوامة المباشرتية المستفزة مع اقحام مقاربة كوميدية خفيفة قائمة على مفارقة محاكاة الطفل ميمو (الياس الجهيانى) لممارسات الكبار ليقع التدرج من النسق الكوميدى عن طريق بعثرة العلاقات المستقرة بين شخصيات الفيلم فيخلص المخرج بدراما متينة تختم أحداث الفيلم. هذا الفيلم الذى نال اعجاب رواد أيام قرطاج السينمائية حاز جائزة الوهر الذهبى فى الدورة الأخيرة لمهرجان الفيلم العربى بوهران وجائزة أفضل فيلم فى الدورة 18 لمهرجان الفيلم الافريقى بخريبكة. وقال المخرج المغربي محمد مفتكر إن حصول فيلمه "جوق العميين" على الجائزة الكبرى (التانيت الذهبي) لأيام قرطاج السينمائية في دورتها ال26 التي اختتمت مساء أمس السبت بتونس العاصمة، هو تكريم للسينما المغربية التي راكمت تجربة جمالية وفنية غنية خلال السنوات الأخيرة. وأضاف المخرج مفتكر، في تصريح على هامش اختتام فعاليات هذه الدورة التي كانت قد افتتحت فعاليتها يوم 22 نونبر الجاري، أن هذا الاستحقاق يثمن المسار والحصيلة والتجربة الإيجابية التي راكمتها السينما الوطنية خلال الفترة الاخيرة، مما جعلها محط اعتراف وتقدير عربي وإفريقي ودولي، مضيفا أن هذا الفوز يمثل أيضا تنويها والتفاتة للسينما التونسية التي "أثرت فينا بشكل كبير" في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، علاوة على أنه تتويج للسينما المغاربية خصوصا والافريقية عموما. وأضاف مفتكر أن سر نجاح الفيلم يكمن في "بساطته ورؤيته النوستالجية" التي عبر عنها في استعادته لحقبة هامة من تاريخ المغرب الحديث"، والتي ما يزال "المواطن يكن لها حميمية عميقة"، في إشارة إلى أوائل سنوات الاستقلال. وأبرز المخرج أن اعتماد هذا الفيلم على سردية سينمائية ترتكز على الإيحاء والترميز والاشتغال على الأدوات الفنية بحرفية سينمائية معبرة أعطى للفيلم أيضا هذه الجمالية السينمائية الراقية، علاوة على أنه "لا يقدم دروسا، ولا يصدر أحكام قيمة سواء على حقبة أو على أشخاص، بل ينقل واقع مجتمع له الحق في أن يكون كما هو، وحياة أشخاص لهم الحق في الوجود كما هم، لذلك تفاعل الناس معه، وأحبوا أبطاله وتفاعلوا مع تلك الحقبة التي تناولها" بتلقائية وتعاطف. في هذا السياق، أعرب مفتكر عن اعتزازه بالتفاعل الجماهيري الكبير الذي لقيه الفيلم خلال عرضه ضمن فعاليات الدورة الحالية، وإصرار الجمهور على مواصلة مشاهدته رغم عرضه في ساعة متأخرة تزامنت مع ظرفية استثنائية تتميز بفرض حظر التجول في العاصمة التونسية ابتداء من الساعة التاسعة ليلا. من جهة ثانية، نوه المخرج المغربي بقيمة الأفلام المعروضة خلال أيام قرطاج السينمائية ،على مستوى تنوعها وتعددها واختلاف رؤيتها السينمائية ومعالجتها الدرامية وتناولها الجمالي للأحداث والوقائع والحكايات، مضيفا أن هذا الغنى الفني يساهم في إغناء السينما الافريقية بشكل عام. ويستعيد فيلم "جوق العميين"، الذي سبق له أن حاز على العديد من الجوائز بالمغرب وخارجه آخرها حصوله على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للفيلم ببروكسيل في دورته الأولى، فترة انعطافية من التاريخ المغربي المعاصر فيما سمي ب"سنوات الرصاص" بعوالمها السياسية والثقافية والاجتماعية، من خلال مسار حياة "جوق شعبي" يضطر أفراده إلى التظاهر بالعمى أحيانا بهدف إحياء أعراس عامة وحفلات مخصصة للنساء تقيمها عائلات مغربية محافظة. وفاز بالتانيت الفضي للجائزة الكبرى لأيام قرطاج السينمائية، التي كانت قد افتتحت فعالياتها يوم 22 نونبر الجاري، الفيلم الجنوب إفريقي "نهر بلا نهاية" للمخرج أوليفيي هرمانيس، فيما حاز فيلم "على حلة عيني" للمخرجة التونسية ليلى بوزيد بالتانيت البرونزي. وأسندت لجنة التحكيم جائزتها للفيلم المغربي "الزين اللي فيك" للمخرج نبيل عيوش. يشار إلى أن المخرج المغربي محمد مفتكر بدأ مسيرته السينمائية بإخراج أفلام قصيرة من قبيل "ظل الموت" (2003) و"رقصة الجنين" (2005) و"آخر الشهر" (2007) و"نشيد الجنازة" (2008) و"محطة الملائكة" (2009)، ثم انتقل فيما بعد إلى إخراج الأفلام الطويلة: " البراق" (2011)، ثم الفيلم الأخير"جوق العميين" (2015). وقد تنافس على جوائز هذه الدورة، التي حملت شعار "نحلم، نتحاور ونتقدم"، 17 عملا روائيا في مسابقة الأشرطة الطويلة، و13 عملا بين روائي وثائقي وسينمائي في مسابقة الأشرطة القصيرة، فيما ضمت مسابقة الأشرطة الوثائقية 16 فيلما، ومسابقة العمل الأول "الطاهر شريعة" 20 عملا. وتم عرض الفيلم المغربي الطويل "جوق العميان"، لمخرجه محمد مفتكر، مساء الخميس في وقت متأخر رغم حظر التجول، وذلك في إطار فعاليات الدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية، المقامة مابين 22 و28 نونبر الجاري. ويقدم مفتكر، من خلال سرديته السينمائية، التي تتخذ بعدا دراميا حزينا في بعض الأحيان قبل أن تنعطف في أحايين أخرى إلى أجواء الفكاهة الشعبية الساخرة، قصة تحكي سيرة ذاتية محكية على لسان طفل يروي مسار فرقة موسيقية شعبية ل"لعميان" تقاوم من أجل الحياة في مجتمع محافظ تحكمه سلطوية عمودية وأفقية، يتلمس طريقه نحو التشكل والبحث عن الذات واختيار الأفق وتحديد المصير. وأضاف مفتكر أن هذا العمل، النابع في جوانب كثيرة من حياته الشخصية وذكرياته الطفولية وعلاقته مع محيطه، وخاصة مع الأب، يراهن "في تلاقح جمالي على استعادة عوالم مختلفة لفترة مهمة من تاريخ المغرب، من خلال الصوت الداخلي للطفل، والرؤية السينمائية للمخرج الذي صرته الآن..". يذكر أن فيلم "جوق العميان"، الذي قام بتشخيص أدواره الرئيسية كل من الفنانين يونس ميكري ومنى فتو ومحمد بسطاوي وفهد بنشمسي والطفل إلياس الجيهاني، سبق أن حصل خلال الدورة 16 لمهرجان الفيلم الوطني بطنجة على جائزة الإخراج وجائزة أحسن موسيقى تصويرية والجائزة الكبرى لمهرجان السينما الافريقية بخريبكة وجائزة "الوهر الذهبي" بوهران .