في سنة 1932، نظمت «عصبة الأمم»، حلقات خطابات متبادلة بين كبار مفكري العالم، لتقديم أفكار نيرة للبشرية، عبر تبادل الأفكار. وكان من بين الأسماء المقترحة رائد التحليل النفسي سيغموند فرويد من جهة، وصاحب نظرية النسبية ألبرت أنشتاين من جهة أخرى. كانت الفترة الزمنية الفاصلة بين نهاية عشرينات القرن الماضي وبداية ثلاثيناته، تتميز بنقاش حمي فيها وطيس السجالات الفكرية والسياسية حول الحرب العالمية الأولى التي حصدت ملايين القتلى والضحايا، والحديث عن حرب أخرى تلوح في الأفق، بماهو أشدّ هولاً وأقسى. نظرا لهذه الوضعية بادر أنشتاين بإرسال رسالة إلى فرويد يتساءل فيها لماذا الحرب؟ مقترحا أن يكون التبادل بينهما متعلقاً بما يمكن القيام به، بغية حماية الإنسانية من لعنات الحرب. وبعد شيء من التردد، استجاب فرويد الى هذه الدعوة وقرر خوض النقاش على طريقته، فجاءت الرسالة – الرد، بما تتماشى مع اهتماماته النظرية المرتبطة بالغرائز البشرية، وربط الحرب بتلك الغرائز، من دون أن ينكر أبداً دوافعها السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، موجهاً إياها في الآن نفسه، فكل حرب بوصفها قتل وتدمير لا تكسب منها الإنسانية شيئاً، مهما كانت هوية المنتصر أو المهزوم. لقد خاض فرويد هذه اللعبة الفكرية، منبّهاً الى أنه إذا كان أينشتاين يبدأ رسالته بالعلاقة بين «الحق» و «القوة»، فإنه – أي فرويد – يفضّل إستبدال كلمة «القوة» بكلمة «العنف»، مضيفا «أن الحق والعنف يبدوان كنقيضين، ومع ذلك فإنه يمكن أن نتبين بسهولة أن الواحدة منهما نشأت عن الأخرى». لقد باتت صراعات المصالح بين الناس، لا تسوّى إلا باللجوء الى العنف. ويرى أنه في مجتمع حيواني يضمّ قطيعاً بشرياً محدود العدد والانتشار، كانت القوة العضلية الأكثر تفوقاً هي التي تقرر من يملك الأشياء، كما كانت تقرر إرادة القوة السائدة. ولكن سرعان ما أضيفت الأدوات الى القوة العضلية، قبل أن تحل الإدارات محل تلك القوة. «فالفائز بات من يملك الأسلحة الأفضل أو من يستخدمها في شكل أكثر مهارة». ويلفت فرويد هنا الى انه «من اللحظة التي أدخلت فيها الأسلحة – أي الأدوات – بدأ التفوق يحل فعلاً محل القوة العضلية. وفي النهاية إذ يربط فرويد إفلات الإنسان من الغرائز التدميرية بفعل الثقافة فيه، لأن الثقافة تفعل قبل أي شيء آخر، في مجال تقوية العقل الذي يتحكم في الحياة الغريزية، محدثاً انعطافة أساسية في وجود الدوافع العدوانية. ويتساءل فرويد: إذا كان الذين يحوزون الثقافة والعقل يتحولون الى بشر مساكين، «كم من الوقت يتعين علينا أن ننتظر قبل أن يصبح باقي البشر مسالمين أيضاً؟». ويرى أن كل ما يدعم نمو الثقافة يفعل في الوقت نفسه ضد الحرب». ويصف فرويد علاجاً لغريزة الموت والقتل، عن طريق التمكن والسيطرة على الدافعية العدوانية المقيتة، وهنالك امكانية لاختفائها عن طريق: إشباع الحاجات المادية، وإقامة المساواة بين أفراد المجتمع، وتفكير الجميع بالسعي نحو: السعادة والخير، والمتع الروحية المتمثلة بتقديس: الحق، والخير، والجمال، ثالوث العقل الفلسفي، واحترام قدسية الحياة. لقد أظهر فرويد في نظر انشتاين بوضوح لاشك فيه، كيف ترتبط الغرائز العدوانية والتدميرية وانها شئ مُلزم في النفس الإنسانية مع الحب والشهوة للحياة. كما أنها غاية كبيرة لتحقيق هدف كبير للتحرر الداخلي والخارجي للإنسان من شرور الحرب. كان هذا أملنا العميق بحسب صاحب نظرية النسبية، لأولئك الذي نعتبرهم قادة أخلاقيين وروحانيين خارج حدود حياتهم الخاصة وخارج وطنهم، من زمن المسيح الي زمن غوته وكانط، مضيفا أن "كل إنسان لديه كل الحق ليعيش حياته الخاصة ، والحرب تدمر حيوات مليئة بالأمل". محمد مسعاد