تجد بعض النساء صعوبة في تقبل فكرة تقدمهن بالسن، ما يدفعهن إلى التمرد على قطار العمر وتحدي العادات اللباسية المخصصة للنساء في مرحلتهن العمرية والسائدة داخل المجتمع الذي ينتمين إليه، بحيث تعمد بعضهن إلى إخفاء سنها الحقيقي، بينما لا تتردد أخريات في مواكبة الموضة المصنفة في خانة الشباب، في قناعة تامة بأن الأناقة والتمتع بالمظهر الجميل لا يعترفان بالسن. سيدة في عامها الثاني والخمسين. هذا ما تقوله الصفحة الخاصة بها في دفتر الحالة المدنية، غير أن نعيمة اختارت أن توقف عداد العمر عند خط الثلاثينات، موظفة اعتناءها الشديد بمظهرها كخدعة بصرية تشتت بها أذهان الآخرين بعيدا عن الحقيقة المثبتة في أوراقها الرسمية. جدة في الثلاثين! تعيش نعيمة حياة من البذخ والرفاهية في أحد الأحياء الراقية بمدينة الدارالبيضاء مع ابنتها وزوجها الذي يمتلك مشروعا خاصا به يذر عليه الأرباح الطائلة، ما أتاح أمام الزوجة إمكانية الاستفادة من خبرة أطباء التجميل لإصلاح كل ما يفسده الزمن، بالإضافة إلى مواظبتها على ممارسة التمارين الرياضية. ومثل كل النساء، كانت نعيمة بدورها ترتاد صالونات الحلاقة والتجميل الراقية، لتغيير «اللوك» والتخلص من «الشيب» الذي يغطي خصلات شعرها، مع فارق بسيط، هو أنها كانت تعمد إلى اختيار قصات الشعر الشبابية، إلى درجة جعلت كل من يراها للوهلة الأولى رفقة ابنتيها يستبعد فرضية أن تكون أما لهما. عبارات الغزل والإطراء التي كانت تتردد على مسامعها في الشارع على لسان من يمارسون هواية التحرش، جعلت فكرة التلاعب بعقارب الزمن تلمع في مخيلة نعيمة، فقررت أن تخفي عن معارفها من الجنس اللطيف على وجه الخصوص عمرها الحقيقي الذي لا يعرفه سوى المقربون من أفراد عائلتها، وتدعي بأنها لا تتجاوز الرابعة والثلاثين من العمر. لا تفوت نعيمة خلال أي جلسة نسائية فرصة للتذكير بتمتعها بعملة الشباب وللتأكيد على قدرتها على الإنجاب، وبأنها تخلت عن تلك الفكرة فقط لكونها عانت الأمرين خلال تربيتها ابنتيها، ورغبة منها في الحفاظ على رشاقتها وتناسق جسدها، الأمر الذي جعل منها محط سخرية واستهزاء من طرف جاراتها وصديقاتها، اللواتي بعملية حسابية بسيطة أدركت أغلبهن أن نعيمة لم تعد قادرة على الإنجاب، وأن تلك الفكرة صارت أمنية صعبة الإدراك دون حدوث معجزة إلاهية بالنظر إلى سنها الحقيقي. فنعيمة أصبحت اليوم جدة بعد أن رزقت ابنتها الكبرى التي صارت في أواخر العشرينات من العمر بمولود، بينما لم يعد يفصل ابنتها الصغرى عن دخول القفص الذهبي سوى بضعة أسابيع. «معاندا مع بنتها» «حليمة الزاز» هكذا يلقبها المحيطون بها من الأقارب والجيران، نظرا لحرصها الدائم على الاعتناء بمظهرها ومواكبة آخر صيحات الموضة، بالرغم من تقدمها في السن، الذي يفرض في العادة على غيرها من النساء أسلوبا أكثر اعتدالا في اللباس والمظهر الخارجي. فضلت حليمة ذات الرابعة والخمسين عاما أن تحلق خارج السرب، فهي ترفض كليا ارتداء الملابس ذات الألوان الباهتة التي ترتديها عادة النساء في مثل سنها، بل تميل إلى البهرجة في اختيارها لألوان الملابس وإلى التصاميم الشبابية في كل ما ترتديه من ملابس خاصة التقليدية منها، بينما كانت تحرص في وضعها مستحضرات التجميل على أن تبدو شبيهة بالنجمات الشابات اللواتي تشاهدهن على شاشة التلفاز وأغلفة المجلات. اختيارات حليمة فيما يتعلق باللباس والزينة، جعلتها لا تسلم من انتقادات المحيطين بها خاصة في الحي الشعبي الذي تقطن به مع أسرتها، لأن معظم سكانه اعتادوا أن يروا من في مثل سنها يتنقلن بين أزقة الحي ويتجولن في أسواقه بالجلاليب الفضفاضة. كانت جاراتها ينتقدن ملابسها التي لا تختلف عن الملابس التي ترتديها ابنتها المراهقة، كما يسخرن من نبرة صوتها الطفولية التي يعتبرنها مصطنعة، وينصحنها بإعادة النظر في سلوكاتها ونمط لباسها. «كبرتي وباقا ديايرا الضحك فراسك ومعاندا مع بنتك»، عبارة اعتادت حليمة سماعها على لسان القريب والبعيد، وتكون دوما سببا في تسلل الإحباط واليأس إلى نفسها، لأنها تشعرها بأن كل من حولها يستكثرون عليها الشعور بالرضى عن النفس ويصادرون حقها في اختيار ما يتناسب مع شخصيتها ويرضي ذوقها من ملابس وأكسسوارات. بالرغم من الانتقادات القاسية التي تتعرض لها، مازالت حليمة تصر على الحفاظ على نمط لباسها الشبابي وعلى عدم التخلي عن فكرة استعمال الألوان الصارخة في مستحضرات التجميل التي تحرص على اقتنائها، وذلك لإيمانها الشديد بأن الجمال والأناقة لا يعترفان بالسن. شادية وغزو