العدالة والتنمية يكتسح صناديق الإقتراع ويحصد أكبر عدد من الأصوات بشكل غير مسبوق. نتيجة كانت متوقعة لكن ليس بهذا الحجم، وليس بهذه الدرجة من الاكتساح التي بلغت مرحلة الزلزال لدى طبقة سياسية أجهدت نفسها في التهيؤ لهذا الحدث لكنها لم تستغه بشكل كامل حين وقع وتحقق. و رغم أن استطلاعات الرأي تكهنت باحتلال الحزب للمرتبة الأولى، إلا أن أحدا لم يتوقع أن ينتزع الحزب أكبر عدد من المقاعد وفي مناطق عرفت بكونها قلاعا انتخابية لأحزاب وطنية و ديمقراطية أو لأحزاب يمينية معينة. ليس ذلك فقط. حزب العدالة والتنمية اكتسح جل الدوائر وحصد أكثر من مقعد في أكثر من دائرة وفي المدن الكبرى وفي مناطق لم يحصل فيها في الإنتخابات السابقة على أي مقعد، وكل ذلك تم على حساب الأحزاب التقليدية، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة تصويت عقابي لسنوات من تدبير هذه الأحزاب للشأن العام انطلاقا من حكومة عبد الرحمان اليوسفي ثم إدريس جطو والحكومة المنتمية ولايتها برئاسة الإستقلالي عباس الفاسي. الخاسر الأكبر في اقتراع 25 نونبر هي الأحزاب الوطنية والديمقراطية والحداثية. قد يكون ذلك تعبيرا عن رغبة في تغيير سياسي لدى الناخب المغربي وتحولا سياسيا في توجهات الرأي العام نحو أقصى اليمين. واكتساح اسلاميي العدالة والتنمية للصناديق يمكن تفسيره باستفادته من صعود الإسلاميين في عدد من البلدان كما هو حال حزب النهضة في تونس ومثلما هو الواقع على الأرض اليوم في ليبيا ومثلم تسير التوقعات حول فوزهم في مصر وفي المنطقة كلها بعد اسقاط الأنظمة الحاكمة بها. فهل يعني ذلك الإكتساح أن القوى المحافظة عادت إلى الحكم بعد سلسلة الأزمات التي عرفتها ليس بلدان المنطقة المغاربية ولكن أيضا المتوسطية كما هو الحال في اسبانيا بعودة الحزب الشعبي بعد فوزه الساحق على الحزب الإشتراكي في الإنتخابات السابقة لأوانها مؤخرا؟ مهما كانت التأويلات والتفسيرات فإن الرهان أمام العدالة والتنمية التي يعطيها الدستور مهمة قيادة الحكومية المقبلة هو رهان التحالفات المستقبلية، فهل ستختار التحالف مع الأحزاب الحداثية الديمقراطية؟ أم أنها ستنخرط في برنامج سياسي أصولي وتتحالف بالتالي مع المحافظين والأحزاب اليمينية المعروفة بكونها أحزاب خرجت من رحم الإدارة وتحملت مسؤولية عقود من تدبير الشأن العام في عهد الملك الرحل الحسن الثاني؟ إلى جانب امتحان التحالفات التي ستوجه النوايا الحقيقية للعدالة والتنمية، فإن الحزب سيجد نفسه مجبرا على وضع برنامج حكومي منسجم مع من يتحالف معه من أحزاب لتشكيل الأغلبية، وهو الذي قطع وعده أمام الناخبين على تحقيق نسبة نمو تصل إلي 7 بالمائة، وإن كان ذلك مبالغا فيه واعتبره المتتبعون خلال الحملة بمثابة «برنامج شعبوي وغامض» يصعب تحقيقه في ظل الأزمة الإقتصادية العالمية، والظرفية الإقتصادية التي يجتازها المغرب، بسبب التحملات الإجتماعية لاحتواء الحراك الإحتجاجات الإجتماعية التي طالبت باسقاط الفساد والإستبداد والعدالة الإجتماعية وتوزيع الثروات. من جانب آخر، فإن صعود اسلاميي العدالة والتنمية يثير تخوفات من تأثير هذا الصعود على الحريات الفردية في المغرب، وكذا على الحياة الفنية والثقافية بشكل عام، وعلى عدد من المكتسبات التي تحققت للمغاربة في السنوات الأخيرة والتي يصعب فعلا التفريط فيها اليوم. الكل يتذكر الآن أن العدالة والتنمية قاد حملة ضد هذه الحريات أثناء اعداد الدستور مثلما يتذكر مواقفه تجاه بعض الأعمال السينمائية والمهرجانات وضد ترسيم الأمازيغية وخاصة بعد خرجات أمينها العام عبد الإله بنكيرات ضد تبني حرف تيفناغ، تماما كما عبر الحزب عن مواقف معادية لمطالب الحداثيين كالمساواة بين المرأة والرجل والتمسك بحكم الإعدام والتحفظ إن لم نقل معاداة حرية التعبير والإبداع الفنيين، و التقليص من انفتاح الهوية المغربية القائمة على التنوع والكونية والمواطنة لا الدين أو الجنس. ولذلك فإن هناك تخوفا كبيرا من أن يمس الخطاب الأصولي بهذه الحقوق التي تنص عليها المواثيق الدولية والمتضمنة في الدستور الجديد. الحكومة المقبلة التي سيترأسها أحد قياديي العدالة والتنمية – اعتمادا على احترام المنهجية الديمقراطية مثلما تم في الانتخابات السابقة ومثلما ينص على ذلك الدستور – ستواجه بملحاحية تنزيل مضامين هذا الدستور الجديد إلى الواقع. والتحدي الأكبر والأول الذي سيضع خطاب العدالة والتنمية وبرنامجه الإنتخابي على المحك هي لحظة تبني القوانين التنظيمية والتي تعد مناسبة حقيقية لتأويل فصول الدستور، وهو ما سيحدد أيضا النوايا الحقيقية للحزب الإسلامي، خاصة وأنه قد هدد أكثر من مرة أثناء مشاورات إعداد الوثيقة الدستورية بالوقوف ضد عدد من تلك القوانين لتلائم توجهاته المحافظة وأفرغها من محتواها خاصة فيما يتعلق بالمواثيق الدولية والمساواة والمرأة والحريات الفردية. فهل ستلتزم العدالة والتنمية بروح الدستور الديمقراطي الحداثي أم أنها على النقيض ستسعى جاهدة لفرضها تصورها وإعادة الأمور للوراء؟ في كل الحالات، اختار المغاربة اختيارا غير تقليدي هذه المرة، وراهنوا على حزب قيل الكثير عنه قبل وصوله إلى الحكومة، واليوم حقق هدفه الأول أي امتلك أغلبية أصوات المغاربة، وبقي له أن يحقق بقية الأهداف الكبرى التي وعد بها الناس، وهو ما سيجعله فعلا في اختبار عسير طيلة فترة ولايته الحكومية ليلائم بين كل ما يقوله من شعارات وبين ما يفرضه واقع التدبير اليومي لمعيش الناس. عين المغاربة اليوم على “البيجيدي” بعد أن خرج من صورة الحزب المظلوم التي أتقن ترويجها عن نفسه طيلة السنوات الأخيرة، وبعد أن ترك مقاعد المعارضة لكي يقارنوا بين الكثير مما ظل يقوله لهم وبين ما سيبدأ تطبيقه ابتداء من لحظة تكليفه برئاسة الحكومة المغربية المقبلة. أوسي موح لحسن مؤطر : حزب العدالة والتنمية اكتسح صنديق الأقتراع وحصل حسب النتائج الأولية 80 مقعدا برلمانيا في انتظار اللائحة الوطنية وقد يصل عدد المقاعد التي سيحصل عليها إلى ما يقارب المائة وخلافا للإنتخابات السابقة التي قرر فيها تحجيم مشاركته فإنه غطى 91 دائرة بنسبة 98,91 بالمائة إلى جانب الإتحاد الإشتراكي وحزب الإستقلال الذي يفوقهما من حيث عدد الدوائر المغطاة بنسبة 100 بالمائة، حيث لم يقدم ترشيحه سوى في دائرة دائرة أسا – الزاك. 73 بالمائة من مرشحي الحزب على مستوى الدوائر المحلية لم يسبق لهم الترشح في سنة 2007, مقابل 27 بالمائة سبق لهم الترشح نصفهم من وكلاء اللوائح. 52 بالمائة من الوكلاء الجدد على مستوى الدوائر المحلية لم يسبق لهم الترشح في سنة 2007 , في حين أن 10 بالمائة سبق لهم الترشح دون أن يكونوا وكلاء، ومتوسط سن عمر المرشحين على المستوى الوطني هو 43 سنة. وأعاد الحزب انتخاب 33 برلمانيا (30 برلماني على المستوى المحلي و3 على مستوى اللائحة الوطنية). وبخصوص المستوى الدراسي لوكلاء اللوائح, فإن مرشحي الحزب الحاصلين على دبلوم متوسط يمثلون 5ر6 بالمائة, أما المرشحين الحاصلين على الإجازة فيمثلون 6ر15 بالمائة, والحاصلين على الماستر أو دبلوم السلك الثالث الجامعي فيمثلون 5ر54 بالمائة, في حين أن الحاصلين على شهادة الدكتوراه يمثلون 4ر23 بالمائة. وبخصوص الترشيحات حسب المهن, يمثل الأساتذة 33 بالمائة والأساتذة الجامعيون 15 بالمائة, والأطباء والصيادلة 8 بالمائة, والمحامون 7 بالمائة, في حين أن المهندسين يمثلون 7 بالمائة, وأطر عليا أخرى 15 بالمائة, ورجال أعمال 7 بالمائة, وأطر متوسطة 7 بالمائة, وسائق مجاز( 1 بالمائة ). الحزب بذلك يكون قد ضاعف برلمانييه، بعد أن حصل في اقتراع سنة 2002 على 42 مقعدا، وحصل على 47 في اقتراع سنة 2007 وهو ما شكل نسبة أقل بكثير مما توقعته حينها قيادات الحزب الذي غطى 94 دائرة انتخابية مقابل خمسين دائرة فقط خلال اقتراع سنة 2002.