ما يثلج الصدر هو أن في هذه البلاد مازال هناك رجال قادرون على حشد المئات من الناس حتى بعد وفاتهم. في كل مرة «نغسل أيدينا على الحياة السياسية» كما يتم تدبيرها من طرف البعض، نكتشف أن هناك سياسيين ذوي أخلاق عالية لكن للأسف لم تتح لهم الفرصة كي يكون القرار السياسي بين أيديهم، فنكتشف أيضا ضياعنا وضياع الشأن العام. أول أمس لم يكن يهمنا في الحقيقة المسؤولون الذين جاؤوا لإلقاء نظرة الوداع على جثمان الزيدي فقيد الاتحاديين، بل كان الحشد الكبير من المواطنين والناس البسطاء الذين حجوا لتشييع جثمانه، هو الحجة على أن الأخلاق السياسية الرفيعة والعلاقات المبنية على الاحترام والمصداقية هي التي تدوم إلى ما لا نهاية. مئات المواطنين من سكان مدينة بوزنيقة أو من حجوا من مدن أخرى، من تربطهم به علاقات سياسية أو شخصية أو مهنية أو من يعرفون الراحل فقط من خلال سمعته وصيته، أو يتابعون تدخلاته الرصينة في البرلمان... كل هؤلاء الذين أصروا على الحضور إلى بوزنيقة وقطع كيلومترات على الأقدام سيرا وراء جثمانه، كان سبب حضورهم هو تقديم شهادة لوجه الله في حق الزيدي مفادها أن الاتحاد الاشتراكي والحياة السياسية ببلادنا فقدا رجلا حقيقيا وسياسيا نزيها، آمن وعمل طوال حياته بعبارة الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد «لا سياسة بدون أخلاق». وحتى في أوج الخلافات والصراعات السياسية كان الراحل قدوة في تدبير الاختلاف سواء مع إخوته داخل الحزب أو كمعارض في مواجهة القرارات الحكومية، بحيث كانت معارضته مبنية على نقد بناء دون اللجوء إلى الشعبوية التي تفرغ التدبير السياسي من مضمونه الحقيقي، ومبادئه القائمة على المصلحة العامة. ما يحزننا حقا هو أن بلادنا مازالت تحفل بمثل هؤلاء الرجال، لكن للأسف لا يوجد قرار تدبير الشأن العام بين أيديهم لتغليب المصلحة العامة على الطموحات الفاسدة لبعض السياسيين الذين وصلوا بشكل أو بآخر إلى مقاعد لا تناسبهم فغلبوا مصلحتهم على مصلحة المواطن. على الأحزاب السياسية الحقيقية أن تعمل على البحث عن أمثال الزيدي داخلها وأن تدفع بهم نحو المشهد السياسي، إن هي أرادت فعلا الخير لهذه البلاد، عوض أن تعرقل مسارهم وتزرع طريقهم بالأشواك. اليوم المغرب في حاجة ماسة وملحة إلى سياسيين عقلاء، نزهاء وجريئين على مستوى المبادرة خدمة للوطن وللشعب المغربي.