في تلك الفترة كنت فتاة محجبة ومنتمية لجماعة إسلامية معروفة آنذاك،خرجت عن الشبيبة الإسلامية التي كان يقودها كل من عبد الكريم مطيع وبنكيران والدرقاوي وغيرهم من الفترات الثقيلة الحضور التي طبعت وجودي وحفرت فيه أخاديد وشقوقا لم أقدر أن أردم عليها تراب النسيان، ما أتحرق لرفع حجبها كتابة، فترة مراهقتي من سن الخامسة عشرة حتى التاسعة عشرة،هي ليست ككل المراهقات ، في تلك الفترة كنت فتاة محجبة ومنتمية لجماعة إسلامية معروفة آنذاك،خرجت عن الشبيبة الإسلامية التي كان يقودها كل من عبد الكريم مطيع وبنكيران والدرقاوي وغيرهم، من أتباع المخزني عبد الكريم الخطيب، وتحضرني دوما واقعة مع "الأخوات" وكأنها حادثة انقلاب على الطريق السيار، خلفت بي عاهة مستديمة، وأوجاعا لا تطيب في إدراكي أنا الفتاة الصغيرة في الخامسة عشرة، تلتحق بالسنة الخامسة، بثانوية حليمة السعدية للبنات بحي يعقوب المنصور، كنت طفلة مطيعة ووديعة، لا أنهض الدجاجة ولا الحمامة عن بيضهما، مجتهدة حد المرض، وخجولة كسنجاب أليف، فرض علي أخي الأكبر ارتداء الحجاب منذ حضت في نهاية السنة الرابعة إعدادي، حيث كان دوما يلح على والدتي المتواطئة بالسؤال : "واش بنتك بلغت ولا مازال ؟" تحجبت سنة 1979، والزمن فورة معارضة وحياة سياسية زاخمة ومتزاحمة بالأحداث في المغرب والعالم، لم تكن الفتيات في سني متدينات ولا المجتمع ولا حتى بنات جيراننا الفقيرات في الحي الشعبي القاسي والمغبر الذي كنا نسكنه، بيعقوب المنصور، لكنه كان منبت أحرار حقيقيين وسط اليسار المغربي من كل منابعه، من إلى الأمام و23 مارس والحزب الشيوعي المغربي، ولن أغرق في التفاصيل التاريخية المرافقة لتجربتي هذه أو لأسميها محنتي، فلذلك فرص أخرى قادمة لامحالة لسردها، الحادثة التي أستحضرها، هي قصة ذلك الموضوع الإنشائي الذي كلفنا به أستاذ العربية الشاب والعضو في حزب التقدم والاشتراكية حول تصورنا لازدهار اقتصادي واجتماعي ممكن في العالم العربي، بناء على أدلة وبراهين. كان الإنشاء الأول في السنة، وكنت الفتاة المحتجبة الوحيدة بالقسم، وضمن القلة المحجبة بالثانوية، عندما أعاد لنا الأستاذ أوراقنا في الأسبوع الموالي، احتفظ بورقتي للأخير، طالبا من التلميذات الوقوف احتراما لي، مهنئا إياي على الموضوع وراجيا مني قراءته أمام التلميذات، أوضح الأستاذ أنه معجب بالتماسك اللغوي والأدبي للموضوع، ولكن ماشد انتباهه هو تنويهي بالتجربة الناصرية في مصر، واعتبارها مثالا رائدا كان ممكنا الاحتذاء به وتعميمه على العالم العربي ليسود الإزدهار، لأنها معرفة جد سابقة بالنسبة لثقافة فتاة في مثل سني، وكانت نقطتي 16 على 20 في أول موضوع، وبقدر ماتعامل أستاذي بأريحية ولم يضعني في موقف إحراج بسبب التناقض بين شكلي ومعتقدي وبين نظريتي وفكري، بقدر ما أقامت الأخوات المسلمات،معي في التنظيم، الدنيا ولم يقعدنها، وعقدن "جلسة" طارئة سوف يقعدن فيها من أجل تدارس الموضوع، مطالبات إياي بإحضار ورقة الإنشاء إياه، لقد كانت جلسة محاكمة حقيقية، أحسست فيها بمعنى الإرهاب الفكري والعقائدي، بكثير من الخوف والرعب والاحتقار، تحدثن جميعا، وغضبن وأنكرن علي الإعجاب بنظام عدو لله وللاخوة المسلمين، والتصريح بذلك لأستاذ كافر أيضا ومنحرف وووو هلم تكفيرا وتعزيرا وتوبيخا، لم أكن أتكلم أو حتى أدافع عن نفسي،فقد أيقنت من سقوطي في هاوية، حتى رأيت رئيسة الجماعة، تأخذ ورقتي الزرقاء السماوية، وتطويها على أربعة بين يديها، قمت من مكاني على الأرض وصرخت في وجهها " لا أسمح لك أن تطوي ورقتي هكذا" فأما تلك النظرة ذالتي رمقتني بها كل الحاضرات،بعد احتجاجي، مخاطبات إياي بلهجة الأمر العسكري : " يا أختاه، لاتتحدثي لأختك في الله بهذه الطريقة" تلك النظرة المخيفة، بقيت لحد الآن، منغرزة في عين وعيي، تحدثني عن فصل مظلم ومرير من مراهقة مغتصبة.