لا أعرف بلدانا كثيرة تتعامل بهاته السماحة المبالغ فيها مع انفصالييها التي تجعلهم يركبون الطائرة ويسافرون حتى بومرداس. يرفعون أعلام البوليساريو، يقولون عن البلد كل شيء سيء يتخيلونه وأحيانا كثيرة يخترعونه، يسبون رموزنا، يعبرون عن أمنيتهم في قطعنا إربا إربا وتمزيق وحدتنا الترابية، ثم يتقاضون ثمن كل ماقالوه في الختام، ويركبون نفس الطائرة ويعودون إلى أرض الوطن، عفوا إلى أرض لا يعتبرونها وطنهم، وفي النهاية نستقبلهم، نرحب بهم، نعطيهم إمكانية العبور من مطارنا إلى أرضنا التي يريدون تمزيقها وتشتيت وحدتها، بل ونتشبث بضبط النفس وببرودة الأعصاب لكي لا نعتقل أحدا منهم ونحاكمه – مثلما قد يجري في أي دولة من دول العالم الفسيح – فقط لكي لا تقول لنا "هيومان رايتس" أو "أمنيستي" إننا ننتهك حقوق الإنسان في الصحراء. ليعذرني أصدقائي من هواة التعالم بمصطلحات حقوق الإنسان (وقد اكتشفت أنهم كثر خلال موضوع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومال الأجانب، انبروا للدفاع عن التمويل الأجنبي بقوة أبهرتني وجعلتني فعلا أعيد حساباتي فيما يخص تلقي المقابل من البراني، وهذا موضوع آخر لم ترد علينا الجمعية بخصوصه إلى الآن، لذلك يؤجل إلى حين تلقي جواب فيه)، قلت ليعذرني أصدقائي ممن يهوون في أوقات فراغهم حقوق الإنسان هاته، لكنني حتى مسألة وحدة الوطن، أصل وأتوقف عن التفكير. نعم، بكل فداحة أتوقف عن التفكير، ولا أرى في من يريد بوطني سوءا إلا عدوا لابد من التعامل معه بحزم. متطرف في وطنيتي؟ ربما. شوفيني. "مافيها باس". غير مؤمن بشعارات حقوق الإنسان حين تكون كاذبة والمراد منها فقط هو المزايدة السياسية؟ نعم وبكل تأكيد. أحب الوضوح وأهواه، وتلك مشكلتي. لا أذهب إلى الأمور من آلاف الطرق. أطرقها من طريقها الأول المستقيم، وأطرحها بالبداهة التي أعشقها وأترك للآخرين أن يتناولوها سبا وتجريحا وشتما وقذفا وكل شيء وفي الختام يعودون إلى الأصل ويعترفون "نعم هي البداهة لكن لم يكن عليه أن يقولها هكذا". عذرا أيها السادة، حين المغرب، حين الوطن، حين وحدة التراب، أقولها هكذا ولا أكترث بأحد. لايمكن إطلاقا أن نسكت على وقاحة هؤلاء الانفصاليين. لايمكن أن نتقبل كل مرة منهم إهانة جديدة لبلادنا، لأرضنا، لمشتركاتنا، أن نصمت، خوفا، طمعا، تزلفا، تقربا، تجنبا أو ماشئت من المترادفات. ثم لاتنسوا أمرا هاما للغاية: نحن نتحدث عن حقوق الإنسان، وبالمقابل نتحدث عن البوليساريو وعن الجزائر. خطان متوازيان ولا يستقيمان. لو تعلق الأمر بمشكل ما مع سويسرا أو فرنسا، اختلاف حدودي عابر مع النرويج، سوء تفاهم على منطقة صغيرة أو كبيرة مع ألمانيا، لقلنا "هانت، إخواننا هناك من معتنقي حقوق الإنسان حتى النخاع، ولا يجوز إطلاقا المساس بها معهم، ولابد من الصبر عليهم وإتاحة الفرصة لهم لكي يقولوا ما يريدونه إلى ختام الأيام". لكننا نتحدث عن عصابة عبد العزيز المراكشي أيها السادة، أو محمد عبد العزيز حسب التسمية الجديدة المتداولة اليوم في إعلام المغرب. نحن نتحدث عن دولة الجنرالات في الجزائر التي وضعت على رأسها مومياء تسمى بوتفليقة وقالت لها "كوني مريضة واصمتي". هنا لابد من قليل العقل، لابد من بعض الصراخ "يامثبت العقل والدين يارب". لابد من الاعتراف بأن بونا شاسعا يجمع الضفتين (البوليساريو والجزائر) بالضفة الأخرى الحقوقية. إسألوا الرجل الذي تداولت وكالات الأنباء صوره وهو يأكل الشواء رفقة عبد العزيز قبل أن يعثر عليه ميتا من قتله. إسألوا بيبا ولد محفوظ هل أدى ثمن اقتناعه بأن مغامرة الانفصال وصلت إلى الباب المسدود؟ إسألوا ولد سلمى مايفعله في الصحاري بعيدا عن أهله وعشيرته؟ قولوا له "هل نفوك لأنك قلت لهم "باسطا" واكتفيت؟ إسألوا الآخرين ممن تجرؤوا يوما وقالوا للشرذمة الحاكمة في تندوف "نريد العودة إلى الأرض التي خرجنا منها يوما"، ماكان الرد؟ لعلهم لايستطيعون اليوم الرد لأنهم بكل بساطة قتلوا وسحلوا وعذبوا وألقي بهم في سجون لايمكن وصفها، لا تراها منظمات حقوق الإنسان الإسبانية والأمريكية – سبحان الله العظيم – ولا ترى مافيها من فظاعات، لكنها بالمقابل ترانا من كل الجهات وبكل الجوانب، ومن مختلف أنواع المجاهر والميكروسكوبات التي خلق الله. قالها لي يوما سياسي فرنسي وهو يتحدث بألم "لديكم مشكل حقيقي في المغرب. من بينكم أناس يهوون الدفاع عن الأجانب في وجه البلد. يتقاضون المقابل من الأجانب.يتبنون قضية الأجانب، ويعيشون عيشة الأجانب، وحين يضيق بهم الحال ويحسون أن ثمة أمرا ليس على مايرام في الحكاية كلها يقولون إنهم "مغاربة رغم كل شيء" ويطالبون باحترام حقوق الإنسان معهم وإزاءهم" لا أعرف إن كان الرجل صادقا في تحليله أم لا. أعرف فقط أن حنقا كبيرا يسيطر علي حين أسمع من يهينون كرامة بلدي يطالبون باحترام حقهم في هاته الإهانة، ويطالبونني أنا بالمقابل بالسكوت.