في بركون وسط عمارات قديمة كان يعيش قرابة مائة مواطن، منهم ممثلة جميلة ماتت يائسة و هي تسمعهم يتجولون قربها.. مواطنون طيبون يصومون رمضان و يصلون الفجر و يدفعون الضرائب، و مع ذلك سقطت عماراتهم فوق رؤوسهم ليلا و هم يستعدون للصيام.. بعضهم مات على الفور، و بعضهم نزف و نزف و نزف حتى قضى، و كثير منهم اختنقوا و ابتلعوا التراب الممزوج باللعاب و الأنين.. و على بضع أمتار من المحتضرين كان هناك عمال للبناء يلبسون زي النجدة يقومون بحركات بهلوانية معهم جرافة تتعلم الهدم فوق رؤوس المصابين، عمال إغاثة هواة ينتظرون أن يمر الوقت و هم يحفرون بالمعاول و تخمد جميع الأنفاس تحت الأنقاض و تطفأ الكاميرات.. بسرعة اعتقل البناء المسكين الذي أزال سارية بأوامر من سيدفع أجر يومه البئيس. و نادوا به يا هذا تعالى نخفي بك غابة الزقوم، غابة الآشرار السماسرة المرتشين الذين قايضون أرواح الضحايا دراهم معدودة و أصبح المحاضر مزورة و الرخص على ما يرام.. حي بركون هذا يقع تحت مسؤولية ترابية مسؤولوها يقبضون أجورهم من ضرائبنا، و كثير منهم يقبضون فوق أجورهم المحترمة رشاوى هدايا سرية حتى لا تخرج اللجان المكلفة بمراقبة البناء و حتى لا تحرر مخالفات وغرامات تغيير التصاميم..و حتى إذا قاموا بذلك فمن أجل المزايدات السياسية و الصراعات الإنتخابية.. إننا في هذه البلاد السعيدة لا نريد اختراع العجلة و لا اكتشاف النار، بل فقط نريد أن تخرج الإرادة الناعسة للحاكمين و تنفخ الروح في القوانين المركونة في الجريدة الرسمية، خاصة تلك القوانين المتعلقة بالحق في الحياة : يقول القانون أن قسم التصاميم بالجماعة المحلية هو الذي يتولى دراسة طلبات الحصول على رخص البناء، و يوجه هذا القسم نسخا من تصاميم مشاريع البناء الى المصالح الخارجية المعنية ( الوكالات الحضرية، العمالات و الولايات ، الوقاية المدنية، الماء و الكهرباء، الإتصالات..) . يقول القانون أيضا أن رخصة السكن و شهادة المطابقة لا تسلم الا بعد إجراء خبرة و معاينة للبناء تقوم بها لجنة مختلطة مختصة، و أنه إذا تولى المهندس المعماري إدارة أشغال البناء يكتفى بشهادة موقعة من طرفه يشهد بمتانة المنشأة و مطابقة البناء للتصاميم والمعايير التقنية.. تقول الدورية عدد 127/2259 و الدورية عدد 2757/468/11525 الصادرة عن إدارة التعمير أنه تحدث لجان لليقضة على مستوى كل عمالة و إقليم تحت إشراف الوالي أو العامل للسهر على احترام قوانين التعمير و البناء، و أنه في في حالة تقاعس المجالس الجماعية تحل سلطة الوصاية محلها في هذا الشأن، و هي لجان مكونة من أعوان متفرغين إثنان منهم على الأقل محلفين إضافة الى عون محلف من طرف الجماعة و تحت سلطة الوالي أو العامل… ( * سمية بصري، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في موضوع "زجر مخالفات البناء بين الواقع و الحاجة للإصلا" 2003-2004 ) هذا هو القانون الذي لم يطبق فمات الناس مجانا في ثلاثة عمارات بمدينة هي عاصمة اقتصادية قال في حقها الملكمنذ شهور و وسط البرلمان أنها مدينة موبوءة..لا زلنا نحارب اليأس و نتمسك بالدستور الجديد كوعد بالتغيير ممكن التطبيق، و في فاجعة بوركون على القانون الجنائي أن يطبق بقسوة على القتلة، و يقبض على الجناة و يحاكموا أمام الشعب، ويكونوا عبرة لغيرهم من البلاء الإنتخابي البغيض المنتشر على طول ربوع الوطن.. فاجعة عدم تطبيق الرقابة القبلية ربما قد يخفف من وجعها تفعيل الدستورو تنزيل مضامينه في هاته الفاجعة بالذات، ووقوف جلالة الملك قرب مكان الموت الجماعي يجب أن يستمر بالوقوف على المجرمين المباشرين و غير المباشرين حتى تتكون ضمانة لعدم العود و تكرار مآسي قد تكون كبيرة لا نريدها للوطن.. أيضا على أحدهم أن يبحث عن رئيس حكومتنا المغوار صاحب اللسان الطويل، لقد قلقنا عليه هو الآخر، فلربما قد يكون مطمورا هو الأخر تحت الأنقاض و نحن لا ندري.. رئيس المصباح لم يظهر له أثر منذ أن بدأت الأرواح تصعد في السماء من بوركون و هي تبكي.. هناك أيضا شائعات تدور مفادها أنه مشغول جدا بمحاربة الفساد، و أن حزب الشيطان سلط عليه التماسيح و العفاريت أخذته معها و سجنته في مكان ما تحت الأرض حتى لا يأتي بقرب الأمهات الثكالى و يأمره وزيره في العدل بتحريك الدعاوى العمومية و المدنية في وجه لصوص الأرواح.. من زمان سمعنا عن سحر الكرسي و شاهدنا ما فعلته في مرسي، و تأكد لنا أن المؤخرات تسمن بسرعة فوق مقاعد السلطة، و لا تعود الأفواه قادرة على الكلام إلا للتبرير الذي يجعل وعود الإنتخابات المقطوعة للمواطنين فقاعات تطير فوق رؤوس من وثقوا يوما في الملتحين.. سلام على أرواحكم شهداء بركون الطيبين، الورد الأبيض لكم..و العار لنا جميعا..