التصريحات الأخيرة للسيد وزير التعليم العالي لحسن الداودي تدعونا إلى " قلة الآداب". لأن كثرة خريجي الآداب و العلوم الإنسانية هي خطر على الأمة، حسب ما أفاد به السيد الوزير. منذ زمن و شعبة الآداب العصرية تعامل، فيما يخص التوجيه بالثانوي، كأنها الحلقة الأدنى و يبعث إليها بالتلاميذ الحاصلين على أقل النقط في التحصيل. لكن دراسة الآداب و العلوم الإنسانية، كانت و لازالت كنفا لتكوين أطر و مثقفين و مفكرين و فنانين. السيد وزير التعليم العالي ينظر اليوم إلى هذه الشعبة فقط كمرتع لتكوين العاطلين! و هل تكون الجامعة المغربية اليوم غير أفواج من العاطلين في سائر التخصصات؟ لماذا هذا العداء نحو الآداب و العلوم الإنسانية بالضبط؟ قال الوزير تصريحه هذا خلال ندوة لتقديم إنطلاق " الباكالوريا المهنية" . ستنضاف هذه الأخيرة إلى غيرها من الإجازات و الديبلومات المهنية، التي يراكمها الطلبة في غياب سوق شغل حقيقية تستوعبهم. حين شرع في عملية إصلاح التعليم من خلال ميثاق التربية و التكوين و القانون 00-01 ، تم ترديد كلام كبير عن عودة القيمة للشهادات العليا. لكن ما حدث هو تمييع المجال بتفريخ الشهادات و المتخرجين و كأن الدولة تربح الوقت أمام إنعدام فرص الشغل. ليدرسوا أكثر و ليحصلوا على شهادات أكبر، أما المحظوظين فلهم منافذ أخرى للعبور نحو الوظيفة! و بدل أن يقدم السيد وزير التعليم العالي حلولا لهذا الوضع المختل و أن يعكف على أسئلة من قبيل معادلة الديبلومات التي يحصلها الطلبة في معاهد مغربية خاصة تستقطبهم أكثر من الجامعة التي لم تساير بدورها جودة ظروف التعليم، كما لم يساير الطلبة متطلبات سوق الشغل، إن وجدت، يحول الوزير النقاش إلى جدوى تدريس الآداب. الآداب و العلوم الإنسانية، يا سيدي، تكون أناسا متنورين لهم معرفة بناريخهم و حقوقهم، لهم دراية بالفلسفة و العلوم الإنسانية و الإجتماعية. العداء الذي تنشرونه اليوم نحو شعبة الآداب هو نفس عدائكم للفلسفة و تعدد الأفكار و تناظرها. هو نفس عدائكم للفن و الجماليات. تريدون طلبة مكونين في الفيزياء و العلوم الدقيقة، يحصلون الشهادات في غياب مختبرات و بحث علمي و ينتهون إلى العطالة و السقوط في يد الأفكار الظلامية و الشمولية، تفضلونهم عن عاطلين يمتلكون معرفة قد تدفعهم إلى البحث عن أفق مغايرة للإنتاج. هذه الحكومة الملتحية تكتفي بالتصريحات و الخرجات المتتالية لعرابيها، دون العمل الميداني الحقيقي. فبمجرد أن ننتهي من حكاية " الماخور" حتى تخرج علينا حكاية " الثريات" و بعدها حكاية " الآداب و العلوم الإنسانية" هذه. الحكومة و الحكامة لم تكن يوما خطبة عصماء في جماعة، إنها إستراتيجية و عمل ميداني و تفكير يومي. و كل فكر ينبني على الرأي الواحد و إقصاء الآخر و الدفع بأمة لا تساوم عن حريتها إلى مبادئ إيديولوجية رجعية، هو فكر فاشل لا يمنكه أن ينتج إستراتيجيات عملية و لن يكفيه تكرار الكلام الفارغ لشغل الناس. فقليلا من الجد يرحمكم الله!