توفرت الشجاعة والتفاني في العمل فتحققت معجزة «با أحمد»، حين وقف سدا منيعا بالرغم من عوادي الشيخوخة والكبر في وجه لصوص أشداء، اقتحموا دون استئذان فضاءات«صاغة الذهب» وحاولوا رشق المحلات بتصاريف السرقة والنهب. كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية من صبيحة أول أمس و«با أحمد» مقتعد زاويته المعتادة داخل «الصاغة» وقلبه مطمئن إلى عدم وجود ما يعكر صفو المكان بالنظر لكونه قد أحكم إغلاق البوابة الخارجية التي تسد منافذ الولوج إلى المحلات المبتوتة على طول «الصاغة». لم يدر في خلد الحارس المسن أن اللصوص كانوا حينها ينسجون تفاصيل عملية سطو مفاجئة معتمدين حكمة الفأر« اللي عنذو باب واحد، الله يسدو عليه»، فلجؤوا إلى المرحاض العمومي الملاصق للصاغة من الجهة الخلفية، حيث تسوروا جدرانه للقفز وسط محلات بيع المجوهرات، محاولين الشروع في تكسير أبوابها للاستيلاء على المحتويات وما تحبل منه من نفائس الذهب والأحجار الكريمة. في هذه اللحظة استشعر «با أحمد» حركة مريبة، والتقطت أذناه صوت ضجيج غير معتاد ناتج عن تحركات اللصوص داخل فضاءات الصاغة، ليقرر دون تردد النهوض من مقبعه واستطلاع ما يجري ويدور حوله من باب قطع دابر الشك باليقين. فجأو وبدون مقدمات انتصب أمام الحارس المسن جسدا عملاقا بعضلاته المفتولة وعيون تقدح شرا وشرارا، والذي لم يكن سوى واحد من اللصوص الذين أغاروا على الصاغة في هذا الوقت المتأخر من الليل. لم يتردد با احمد قيد أنملة،وبشجاعة منقطعة النظير انطلق تجاه اللص الطاريء، وشرع في مقاومته بكل ما بقي في الجسد الواهن من عصارة قوة، ليتلقفه المعتدي بوابل من الضربات بواسطة هراوة غليضة كان يتسلح بها، أصابته ضرباتها المتتالية في أنحاء عديدة من الجسد والرأس، وأسالت منه الدماء بغزارة فيما المسكين يجاهد ما وسعه الأمر في اتقاء بعضها، ولسانه لا يفتأ في إطلاق صيحات الاستغاثة وطلب النجدة من زميله الحارس الآخر الذي يجلس بالطرف الآخر من الصاغة. بلغت استغاثة با احمد لزميله غير أن هذا الأخير ظل يعتقد أن الأمر مجرد مزحة تروم إيقاعه في مقلب، بالنظر لما عرف عن الحارس المسن من طرافة وميل للفكاهة، غير أن استمرار تدفق سيل الاستغاثات ، ونبراتها الحادة التي كانت تطرق مسامعه، جعله بعد فترة تردد يتأكد بأن الأمر جد لا هزل فيه، وأن شيئا ليس على مايرام يواجه زميله، ليقرر الإسراع بإطلاق صافرة بالضغط على زر صافرة الإنذار، التي عم ضجيجها فضاء المكان. نزل صوت الإنذار بردا وسلاما على با احمد، وأنقذه من مخالب المعتدين الذين استشعروا في هذه اللحظة فشل مسعاهم ومخططهم، فاطلقوا سيقانهم للريح عائدين من حيث أتوا، ومخلفين وراءهم جسد ضحيتهم يتخبط في دمائه التي سالت بغزارة جراء ما تلقاه من وابل الضربات والطعنات. بعد أن تأكد للرجل بأنه قد قام بواجبه على أحسن مايرام، ونجح في التصدي لهجوم اللصوص المهاجمين، وبعد أن أيقن بأن محلات بيع الذهب والحلي قد باتت في أمان بعيدا عن نهب وسرقة المهاجمين،انهارت قواه وسقط مغشيا عليه من فرط ما كابده من نزيف حاد. خلت عناصر الأمن بالمكان، وسهرت على نقل الضحية صوب المستشفى لتلقي العلاجات الضرورية، مع الشروع في تعقب بعض الآثار والأدلة التي خلفها الجناة وراءهم، في أفق تحديد هوياتهم والعمل على توقيفهم لمواجهة ما اقترفوه،بعد أن نجح با احمد الرجل المسن بحشرهم في زاوية«اللي اضرب النقب، واخرج فدار الوضوء». إسماعيل احريملة