وجدت سارة وفاطمة الزهراء نفسيهما وحيدتين في مواجهة أول إشارة تعلن عن دخولهما مرحلة جديدة في حياتهما تمثلت في الدورة الشهرية، فكل واحدة منهما كانت تجهل علامات البلوغ وأعراضه، في غياب مواكبة الأم ونصائحها، ما جعلهما يعانيان من الخوف والخجل وعدد من المشاكل النفسية التي أثرت على علاقتهما بأسرتيهما وحرمتهما من فرصة الاستمتاع بحياتهما. بدأت مفاتن سارة تنبت على تضاريس جسدها الطفولي حين كان عمرها لا يتعدى التسع سنوات، لتفاجأ بعد ذلك بنحو سنتين بأول إشارة تعلن مغادرتها مرحلة الطفولة وانضمامها إلى صفوف البنات المراهقات. مازال الخوف يلازمها كان تركيز سارة في ذلك اليوم منصبا على الدرس الذي تلقيه معلمتها داخل القسم، قبل أن تضطر إلى الاستئذان بمجرد أن شعرت برغبة في الذهاب إلى المرحاض، وهناك سوف تصعق عند رؤيتها قطرات دم تلطخ لباسها الداخلي. لم تعرف مصدر تلك القطرات الحمراء، ما جعل الخوف والقلق يعرفان بسهولة الطريق إلى نفسها. بوجه شاحب، عادت الفتاة إلى القسم، ومشت بخطوات متهالكة في اتجاه الطاولة، قبل أن تشعر بأن ساقيها أصبحتا عاجزتين عن حملها وتقع على الأرض مغشيا عليها. تحلق حولها زملاؤها وعدد من معلمي المدرسة حيث تتابع دراستها في المستوى السادس ابتدائي، ولم يعرف أي منهم ما الذي ألم بها في تلك اللحظة. العطر الذي استنشقته من يد معلمتها وهي فاقدة للوعي كان كفيلا بإيقاظها، غير أنها سرعان ما استغرقت في نوبة من البكاء الحاد، وكان الفشل مصير جميع محاولات الحاضرين في التهديء من روعها، ليتم استدعاء أحد الأطباء للكشف عنها، بينما تم إبلاغ والدتها التي هرعت في خوف إلى المدرسة بمجرد أن علمت بما تعرضت له إبنتها. بعد الفحص الدقيق الذي خضعت له سارة، تبين للأم أن الأمر لم يكن بالخطورة التي تصورتها، بعد أن سمعت على لسان الطبيب بأن إبنتها لا تعاني من مرض أو مكروه بل تمر بمرحلة جديدة في حياتها وهي البلوغ. شكل ذلك الحدث غير المتوقع مفاجأة كبيرة بالنسبة للأم التي لم تشعر بمرور السنين أو تتوقع أن تستقبل إبنتها بهاته السرعة الدورة الشهرية للمرة الأولى في حياتها. بالرغم من حالة السعادة التي انتابت الأم في تلك اللحظة، تسلل الندم إلى نفسها لأنها لم تتحدث يوما لإبنتها عن أعراض البلوغ، كي تهيئها لاستقبال ذلك الحدث بشجاعة ووعي، وتجنبها بذلك ما يرافقه من مشاعر الخوف والقلق. مرت شهور عديدة، لكن سارة مازالت تصاب بحالات من الغثيان والدوار في فترة الحيض، نتيجة خوفها وعدم قدرتها على تحمل رؤية منظر الدم، والتعامل مع الدورة الشهرية باعتبارها أمرا طبيعيا، فتضطر زميلاتها كل شهر إلى إيصالها إلى منزل والديها وهي شبه فاقدة للوعي، بينما تطغى العصبية والتوتر على سلوكاتها وأسلوب تعاملها مع أفراد أسرتها. سر في طي الكتمان تحرص دوما على ارتداء الملابس الفضفاضة في محاولة لإخفاء معالم أنوثتها، بعد أن ازداد حجم صدرها بشكل ملحوظ، كما تتعامل بحذر مع كل المحيطين بها بمن فيهم أفراد عائلتها، لا لسبب سوى أنها تخشى من أن يكتشف أحدهم حقيقة أنها دخلت إلى مرحلة جديدة في حياتها، ألا وهي البلوغ. إنها فاطمة الزهراء ذات الثانية عشر ربيعا، التي وجدت نفسها تحت رحمة الخوف والخجل عاجزة حتى عن إخبار والدتها بأنها تستقبل في فترة معينة من كل شهر دم الحيض الذي يمثل حدثا طبيعيا في حياة كل مراهقة وامرأة. جهلها بجميع الأمور المرتبطة بمرحلة البلوغ، وانشغال والدتها الدائم عنها في العمل الذي حال دون مواكبتها لها وتقديم الدعم النفسي الذي تحتاج إليه في تلك الفترة، جعل فاطمة الزهراء أسيرة للخوف بعد أن رأت منظر الدم لأول مرة، وشكل الخجل الحاجز الأكبر في طريق التواصل بينها وبين والدتها. أصبحت فاطمة الزهراء تصر على أن تغسل ملابسها بمفردها، وهي التي كانت تعتمد في السابق على والدتها في تلك المهمة، كما صارت تميل إلى العزلة ولا تخالط أفراد أسرتها كما كان يحدث في السابق. حاصرت الشكوك الأم، وبدأت تتساءل حول السبب الذي يدفع إبنتها إلى طلب المال في فترة معينة من كل شهر، دون أن تخبرها عن الغاية من وراء طلبه، لتقرر مراقبة كل تحركاتها وتصرفاتها، والتفتيش في أغراضها، في إصرار تام على اكتشاف السر الذي تخفيه ابنتها عنها، إلى أن ضبطتها في أحد الأيام وهي تحاول إخفاء كيس بين ملابسها في الخزانة، تبين لها أن بداخله فوط صحية. احمرت وجنتاها من شدة الخجل، قبل أن تجهش الإبنة في البكاء، وهي تتوسل إلى أمها حتى لا تخبر أي شخص خاصة والدها بما رأته عيناها، بينما ارتسمت الابتسامة على وجه الأم التي حاولت جاهدة إفهام فاطمة الزهراء بأن ذلك الأمر ليس مخجلا، بل يعتبر طبيعيا في حياة أي فتاة في سنها، كما قررت عرضها على طبيب نفسي حتى تضمن تعايش إبنتها مع مرحلة البلوغ بالشكل المطلوب.