لم يغب مطمح تعزيز العلاقة بين المواطن و المؤسسات عن مشروع الدستور الجديد، إذ تعددت السبل الكفيلة بإسماع صوته مباشرة ودون وساطة داخل أجهز الدولة الدستورية، ليس أقلها البرلمان عبر إمكانية مساهمة الأفراد في مسطرة التشريع منذ بدايتها تحت قبة البرلمان أو حتى التعرض بعد نهايتها على دستورية منتوجها من القوانين أمام المحمة الدستورية، أو المشاركة الفعلية و المباشرة في تدبير الشأن العام عن طريقة المساهمة في إعداد برامج كل المجالس المحلية وتتبعها. الديباجة، التي أصبحت جزء لا يتجزأ من الدستور، شددت على مواصلة العمل على « إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة» بما يعني ذلك من خلق مساحات جديدة لفكرة المشاركة. تلك المشاركة، التي لم تعد تتلخص، على الصعيد المقارن، في لحظة المواطن الناخب، خاصة أن المؤسسات التشريعية لم تعد تتمع بولاياتها كتفويض دون متابعة من طرف المجتمع وقواه المدنية. إشكاليات التباعد المتواصل بين المجال السياسي و المواطنين، لا شك أنها هي التي دفعت المشرع الدستوري إلى خلق أجوبة متعددة لتعزيز التواصل الشعبي للمؤسسات الدستورية. أولى تلك الأوجوبة حملها الباب الأول من المشروع عندما نص في الفصل الثاني عشر، في إطار الديمقراطية التشاركية، على أن « الجمعيات والمنظمات غير الحكومية تساهم في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها»، إذا كان الفصل 13 من المشروع قد جسد لهذه المساهة عندما طالب السلطات العمومية ب «العمل على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها فإن الفصل الذي يليه منح «للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع» وكذلك « الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية». حق قد يصل إلى حد تقديم ملتمسات إلى البرلمان، يمكن للفرق البرلمانية تبنيها وصياغتها في شكل مقترح قانون أو مساءلة الحكومة في نطاق الاختصاصات المخولة للبرلمان على المستوى المحلي، ذهب المشروع في الفصل 139 من الباب التاسع من إلى حد تمكين المواطنات والمواطنين والجمعيات من تقديم عرائض تهدف إلى المطالبة بإدراج نقط ضمن جدول أعمال المجالس الجهوية، المطالبة على غرار باقي الجالس المحلية بوضع» آليات تشاركية للحوار والتشاور ولتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها». قبل ذلك فتح الفصل 133 باب القضاء الدستوري أمام المواطنين من أجل المطالبة بإبطال القوانين التي قد تمس بمصالحه على اعتبار أن المحكمة الدستورية ستختص ب » النظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور». ياسين قُطيب