رشيد المناصفي محقق خاص فضل حمل شواهده وخبراته في ميدان التحري الخاص والعودة بها إلى وطنه الأم، بالرغم من الصعوبات والمخاطر التي تتهدده في غياب اعتراف رسمي من طرف السلطات المغربية بقانونية هذه المهنة، وبالرغم من الاغراءات التي عرضت ومازالت تعرض عليه في بلاد المهجر، لكنه في خضم كل هذا يحاول أن يفرض وجوده في عالم التحري الخاص بالمغرب. اتخذ لنفسه مكانا على كرسي وراء مكتبه والثقة في النفس تظهر جلية من خلال نظراته التي تغطي المكان بأكمله مهنيته وخبرته تبدو جلية في حركاته وسكناته لا مجال للثقة في تعاملاته مع الناس. علمته مهنته أن يتعامل بحذر في كل المواقف. يتحدث عن المهنة التي يجري حبها في دمائه منذ كان طفلا صغيرا بفخر، ولا يفوت فرصة للحديث عن المشاق والمتاعب التي تكبدها من أجل إثبات ذاته من خلال الكثير من الشواهد التي حصل عليها لمزاولة مهنة المحقق الخاص التي يناضل من أجل تقنينها ووضع الأبجديات المنظمة لها في بلده الأم المغرب. رشيد المناصفي الذي رأى النور في 20شتنبر سنة 1966 والذي كان يحلم بأي مهنة ترتبط بالأمن والتحقيقات، لكونه فتح عينيه على الدنيا فوجد والده يعمل في سلك الشرطة. كان لمهنة الأب تأثير كبير على اختيارات رشيد المهنية، خاصة أن هواياته وحبه للسفر ساعداه على هذا التوجه. ولد رشيد وترعرع بمدينة القنيطرة بحي لا يقطنه إلا رجال الشرطة والجيش المغاربة والأجانب وبها تلقى تعليمه، لكنه بعد حصوله على شهادة الباكلوريا توجه صوب مدينة الرباط، لمتابعة دراسته الجامعية بجامعة محمد الخامس في شعبة القانون الخاص باللغة الفرنسية، ليقرر بعد مضي عامين ترك الجامعة والطيران في اتجاه السويد لتحقيق حلمه الذي طالما دغدغ مشاعره، ولم يفارقه في يوم من الأيام. تابع رشيد دراسته في الميدان الذي يعشقه، وجمع الكثير من الخبرات في دول المهجر. بعد قرابة عشرين عاما قضاها بالمهجر، عاد رشيد المناصفي إلى المغرب ليؤسس شركة للأمن الخاص، ويعمل محققا خاصا بالرغم من أن هذه المهنة لم تعترف به السلطات المغربية بشكل رسمي، ولكنها تتغاضى عن ممارسة هذا النشاط ولا تمنعه. بالرغم من عودة رشيد إلى المغرب إلا أنه مازال يحس بالغربة في وطنه الأم ، فهو لم يخرج من المغرب للعمل وجلب المال، وإنما لتطوير نفسه بالدراسة والتكوين الذي مازال مستمرا فيه إلى اليوم. يجب أن يتمتع التحري الخاص بمواصفات خاصة كأن يكون ذكيا دقيق الملاحظة، كتوم وسريع البديهة، كما يجب أن يمتلك شبكة من العلاقات تمكنه من الحصول على المعلومات اللازمة، والمهارة في جمع المعلومات وفي كيفية تحليلها فالمحقق تتلخص مهمته في القيام بتتبع خطوات الشخص المعني بالتحقيق، والتحري عنه وجمع المعلومات عنه، بعدها يقوم بتحليل تلك المعطيات وتقديم الخلاصات إلى الشخص الذي طلب منه إجراء التحقيق. يرى رشيد أن حرفية التحري الخاص تظهر من خلال بنيته الجسمانية وعاداته، ونظراته طريقة حديثه كل شيء فيه يجب أن يكون مغايرا للناس العاديين. ويحبذ رشيد أن يكون المحقق قد عمل في السابق في سلك الشرطة، لأن هذه الوظائف تساعد كثيرا على اكتساب ملكة التحقيق. يبذل المحقق كل ما في جهده خلال التحقيق، من أجل الوصول إلى المعلومة المطلوبة منه وإثباتها أو نفيها، ولتحقيق ذلك يحاول أن يلعب الكثير من الشخصيات والتنكر في ألبسة مختلفة حسب طبيعة المهمة الموكلة إليه، بل يتخفى ويحاول التأقلم مع كل حالة على حدة . فاللباس يتغير حسب المهمة المراد القيام بها والشخص الذي سيتم التكلم معه، وحسب المعلومات والمعطيات التي يجب الحصول عليها، فقد يجد المحقق نفسه لابسا بذلة مع ربطة عنق في حالة، وقد يلبس سروال جينز وأنتعل حذاء رياضيا في حالة أخرى، وأحيانا قد يلبس المحقق جلبابا، وقد يبيع السجائر بالتقسيط، أو يصبح حارس سيارات. لذلك يجب أن يتأقلم المحقق الخاص مع الواقع الذي يحقق فيه، بهدف الحصول علي المعلومات. دراسة رشيد للقانون أفادته كثيرا لأن للمحقق حدودا، لا يجب عليه تجاوزها حتى لا يتقاطع عمله مع عمل الشرطة أما عندما يتجاوز المحقق الخاص تلك الحدود فإنه سيجد نفسه في مواجهة مع السلطة. عشرون عاما من التجربة جعلته يفرق بين حدوده وحدود السلطة، التي تجمعه بها علاقة تعاون واحترام متبادل. لا يقبل رشيد الناصفي أي قضية يتم عرضها عليه، فهو في البداية يحاول سبر أغوار زبونه من خلال التعمق معه في الموضوع الذي جاء من أجله،محاولا دراسة نفسيته لمعرفة الأغراض التي يريد توظيف المعلومات فيها، فإذا ما تبين له أن الزبون يريد استغلال المعلومات في ارتكاب جريمة ما، فهو يرفض المهمة ويبلغ رجال الشرطة من أجل منعه من ارتكاب جريمته قبل فوات الأوان. يؤكد رشيد أن مهمة التحري الخاص تكون في الوقت الذي لا تكون فيه جريمة ويكون الشك هو المسيطر حتى لا يتعارض عمله مع عمل الشرطة لأن مهمة التحري ليست القبض على المجرمين، فالخيانات الزوجية التي لا يمكن التبليغ عنها من دون وجود دليل أو مراقبة أب لابنه أو ابنته للتأكد من سلوكاته وتصرفاته هي أيضا قضايا يتعقبها. بالرغم من تعدد القضايا التي يشتغل عليها رشيد المناصفي والمتعلقة بالتحري في السرقات التي تحدث داخل الشركات أو بمتابعة مراهقين، يكلفه بمتابعتهم من طرف أحد أولياء أمرهم، أو تقفي أثر أحد أفراد الأسرة المختفين، أو استعادة ديون شخص ما من شخص آخر، غير أن القضايا المتعلقة بالخيانة الزوجية تبقى القضايا التي تعرض عليه بكثرة سواء من طرف المغاربة أو من طرف الأجانب، بالرغم من كونه لم يعد يطيق العمل في مثل هذه القضايا. لا يعتبر رشيد المناصفي أن التحقيق في قضايا الخيانة الزوجية تدخلا في الحياة الشخصية للأفراد، الذين يلجؤون إليه لمساعدتهم لأن المحقق يبقى محايدا فكل ما يقوم به هو القيام بالتحريات اللازمة، وتجميع المعلومات التي يمكن أن تثبت أو تنفي شكوك زبائنه دون الزيادة فيها أو النقصان منها للحفاظ على أخلاقيات المهنة، وسرها لان الزبون هو الوحيد الذي يمتلك الحق في التصرف في تلك المعلومات. وغالبا ما يلجأ الأغنياء والشرائح الاجتماعية ذات الدخل الكبير أو الأجانب إلى الاستعانة بخدمات المحققين الخواص، في حين أن الفقراء والشرائح الاجتماعية ذات الدخل الضعيف يستحيل عليهم اللجوء إلى طلب مساعدة المحققين التي يكون ثمنها باهظا. فعلى سبيل المثال، يشتغل رشيد المناصفي ب60 أورو فأكثر للساعة الواحدة، أي 600 درهم تقريبا. ولا يمكن لأي كان أن يدفع مثل هذا المبلغ، خاصة وأن التحقيق في قضية واحدة قد يصل، في الحد الأدنى، إلى عشر ساعات إذا كان الأمر مرتبطا بملف داخل نفس المدينة أو داخل المغرب، في حين يختلف الأمر كليا إذا كانت المهمة خارج المغرب فيصبح الكلام عن الملايين. من المشاكل والصعوبات التي تواجه المحقق الخاص بالمغرب هو عدم وجود قانون في المغرب يحمي المحقق، كما أن المجتمع مازال يعطى الأولوية «لمول الشكارة» في حين يهمش أصحاب الخبرة والدراسة، ثم انعدام المدارس الخاصة بالتحري الخاص في المغرب. يؤكد رشيد على المجهودات التي يقوم بها المحقق الخاص من أجل تقنين هذه المهنة وإخراجها لحيز الوجود كغيرها من المهن المعترف بها، من خلال تظافر مجهودات كل الناس الذين لهم غيرة على هذا الميدان طرق أبواب المسؤولين ومراسلتهم للمشاركة في وضع لبنات هذا القانون، والاستعانة بوسائل الإعلام للدفاع عن حقهم في العمل بشكل قانوني. مجيدة أبوالخيرات