هي قمة الغباء التي أبداها شاب من المصنفين في خانة"التشرميل"، وأوقعته في ورطة لازال ينتظر نتائجها من خلف أسوار السجن المحلي بمراكش.لم يقدر جيدا مستوى ذكائه المتواضع وقدرته البسيطة على التخطيط والتدبير،فقرر إدارة الظهر للحكمة الشعبية "لبس قدك،يواتيك" وبالتالي الانطلاق في رسم خطة لمداهمة وكالة للقروض الصغرى والتمويل الأصغر،والسطو على خزنتها الحديدية. بدأت الفكرة تختمر في ذهنه مباشرة بعد مغادرته ردهات السجن حيث قضى أربع سنوات على خلفية تورطه في سرقة موصوفة، فانطلق في رصد وتتبع طريقة العمل بالوكالة والمسار اليومي للعاملين بها،ساعده في ذلك قرب الوكالة من بيته الأسري بتجزئة الآفاق بمقاطعة المنارة. وزيادة في الحرص والتدبير لم يتردد في القيام بمعاملات تحويل واستقبال مبالغ مالية عبر نفس الوكالة، رغبة في استجماع أكبر معلومات ممكنة وضمانا لنجاح خطته وعدم ترك أي ثغرة من شأنها إيقاعه في شرك"اللي اضرب النقب،واخرج فدار الوضوء". استغرق رسم معالم العملية لأزيد من أربعة أشهر،إلى أن استشعر المعني(27 سنة) بأن خطته قد نضجت واستنفدت كل مراحل التحضير والتهييء المطلوبة،وبالتالي الدخول مرحلة التنفيذ والتفعيل. صباح الجمعة المنصرم ستفاجأ سرية الدرك الملكي بجماعة سعادة، بمسير الوكالة المذكورة يتقدم لمصالحها،لإخطارها بتعرض الوكالة لسرقة ليلية من طرف أشخاص قاموا باقتحامها عبر كسر السياج الحديدي لنافذة خارجية،ليعيثوا بعثرة في محتويات وتجهيزات الوكالة،مع وجود آثار تشير إلى مهاجمتهم للخزنة الحديدية. أكد المشتكي عدم قدرته على تحديد طبيعة الأشياء المسروقة، لأنه قد سارع للتبليغ عن الواقعة مباشرة بعد الوقوف على تفاصيل الاقتحام،دون أن يسمح لنفسه أو لباقي المستخدمين ولوج مسرح الجريمة لحين حضور الجهات المختصة. تم استنفار فرقة التشخيص القضائي التابعة للدرك وبعض تقنيي المعلومات، لإجراء المعاينة المطلوبة، وتفحص أشرطة التسجيل الملتقطة من كاميرات المراقبة المبثوثة على طول فضاءات الوكالة. التقطت التسجيلات صور شخص مقنع يحيط كل تقاسيم الوجه والرأس بغطاء سميك،يصعب معه التقاط أية علامة دالة من شأنها تحديد هويته،ما يؤشر على أن الفاعل قد اقترف جريمته بطريقة احترافية، خصوصا في ظل غياب أية بصمات خاصة. مباشرة بعدها ظهرت صور جديدة لشخص آخر واضح المعالم والتقاسيم، وبوجه سافر تبرزه طريقته الخاصة في حلاقة شعر رأسه المستمدة من صيحة "التشرميل"التي باتت تغزو بعض الأوساط الشبابية. حقيقة أوقعت المحققين في حيرة من أمرهم،وهم يجاهدون لفك لغز هذا التناقض الحاد بين الصور الملتقطة ،والتي تجمع بين شخص محترف اتخذ كامل الحيطة والحذر أثناء عملية الاقتحام، وغلف نفسه بأقنعة تمنع كشف هويته،وبين شخص آخر لازال ينهل من معين الهواية، ما يؤكده إقدامه على المشاركة في الاقتحام بوجه مكشوف وبلباس رياضي شفاف يكاد يظهر من شخصيته أكثر مما يخفي. "علاش؟ وكيفاش؟" أسئلة ظلت معلقة على حبال التخمين والتأويل،لحين تمكن المحققين من تحديد هوية الأخير وإيقاعه في شراك الاعتقال والتحقيق. كانت الحقيقة صادمة تكشف عن غباء منقطع النظير،حين انتهت دروب التحقيق إلى أن الفاعلين المقنع منهما والسافر،لم يكونا في حقيقة الأمر سوى شخص واحد،فبعد أشهر طويلة من التخطيط والتدبير انطلق المتهم لتفعيل جريمته، مع اتخاذ كافة الاحتياطات الضرورية،خصوصا مع تأكده من وجود كاميرات مراقبة تسجل كل شاردة وواردة تقع داخل الوكالة. ليلة إقدامه على اقتحام الوكالة، أحاط نفسه بستار إخفاء الملامح معتمدا في ذلك على قناع عبارة عن غطاء رأس أحاطه بكامل الهامة والوجه، غير أنه ومباشرة بعد نجاحه في دخول فضاء الوكالة والاتجاه مباشرة صوب الصندوق الحديدي، سيفاجأ بانطلاق صفارة الإنذار ،ما جعله يغادر المكان على عجل ويقنع من الغنيمة بالإياب. بعد أن استقر به المقام بغرفة نومه وأزال عنه لباس التنكر،ارتمى على الفراش محاولا استرجاع شريط مغامرته الفاشلة،حين انتبه فجأة إلى نسيانه المقص الذي استعمله في عملية الاقتحام بفضاء الوكالة، ليقرر بشكل مثير العودة أدراجه إلى مسرح الجريمة لاستعادة الدليل الوحيد الذي يربطه بالعملية،فعاد بوجه سافر دون أن يكلف نفسه هذه المرة عناء إخفاء الملامح،واضعا بذلك نفسه موضع"اللي احسب بزاف،وشاط ليه". إسماعيل احريملة