لم تقف حملة تحرير الملك العمومي التي دشنتها سلطات مراكش، عند حدود قبيلة الفراشة وباعة الخضر وأصحاب العربات المجرورة، حيث امتدت سهامها إلى فضاءات المنطقة السياحية جيليز، وانقضت على أسوار المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية الراقية . عملية لم يكن لها أن تمر دون أن تثير غضب بعض أصحاب هذه المحلات،الذين لم يستيغوا أن تعكر عليهم صفو تعدياتهم التي دامت طيلة سنوات، جرافات الهدم وتدك كل ما تم بناؤه في إطار تواطؤات، لتسييج مجمل الفضاءات العمومية المحيطة بملكياتهم،وإدخالها ضمن دائرة الأملاك الخاصة. حاول البعض الاستنجاد بقوة علاقاته وارتباطاته، لوقف "حرب التحرير" ومنع امتداداتها لمجال نفوذه وملكياته، غير أن التعليمات الصارمة كانت واضحة بعدم الالتفات لأي تدخلات من شأنها الوقوف حجر عثرة في طريق الحملة الشاملة. مطاعم راقية ومقاهي أنيقة، لم يتردد أصحابها في التطاول على الملك العمومي،وإدخاله ضمن دائرة الأملاك الخاصة لتوسيع مشاريعهم، وإجبار المارة والسابلة على اعتماد الشارع في عمليات المرور والعبور، لتختلط الأجساد البشرية بطوابير السيارات ومختلف وسائل النقل العمومي منها والخاص ما أدى في أكثر من مناسبة، لتسجيل حوادث سير خطيرة. البعض الآخر وفي إطار مبدأ" أنا ومن ورائي الطوفان"، عمل على تسوير وتسييج الممرات الخاصة بالراجلين،وتحويلها إلى مناطق نفوذ خاصة لاستغلالها في مشاريعه المربحة دون رادع أو وازع. فوضى احتلال الملك العمومي ببهجة الجنوب، أصبحت عنوانا صارخا وميزة أساسية لهذه المدينة التي دخلت مصاف المدن الدولية، وبات في حكم"فرض العين" أن يعمل كل ذي صاحب محل تجاري أو مطعم أو مقهى بل وحتى المؤسسات الفندقية المصنفة، على التطاول على الفضاءات العمومية المجاورة لمشروعه، ويدخلها ضمن دائرة الأملاك الخاصة لتوسيع مجالات أنشطته،فيما الجهات المسؤولة عن مراقبة هذا النوع من التعديات، تقف موقف المتفرج وأحيانا المنحاز لهذه التطاولات. شارع آسفي شكل النموذج الصارخ لهذه الوضعية، حيث عمل أصحاب المحلات على الاستيلاء على مجمل الأملاك العمومية المقابلة لمحلاتهم، وأحاطوها بأسوار وجدران حديدية ولم يتركوا للمارة، أي موطأ قدم لاستعماله أثناء عمليات العبور والمرور، وبالتالي الإلقاء بهم في أحضان إسفلت الشارع ليتزاحموا مع مختلف وسائل النقل. برلمانيون ومسؤولون منتخبون وكذا وجوه معروفة في مجال المال والأعمال، اعتمدت مواقعها الاعتبارية وقوة نفوذها للترامي على الملك العام، وأدخلت فضاء بكامله من المدينة دائرة أملاكها الخاصة. واقع ظل يشكل مثار غضب واحتجاجات الساكنة، قبل أن تنطلق حملة"التحرير" الأخيرة، وتشمل بديموقراطيتها مجمل هذه الانتهاكات، فيما لازالت بعض المحلات عصية على أن تطالها جرافات العملية،ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدية المقاربة الشاملة،وهل ستدفع قوة السطوة والنفوذ مرة أخرى إلى وضع استثناءات، لن يكون لها إلا أن تؤثر سلبا على مصداقية هذه الحملة التي لقيت استحسانا وتشجيعا كبيرين من عموم الساكنة. إسماعيل احريملة