بين الفينة والأخرى تنتهك مبادئ التعليم العصري وقواعد البيداغوجيا في المدارس المغربية من طرف بعض المدرسين والتربويين تحت شعارات تعبر عن توجهات إيديولوجية أصولية لا تمت بصلة للواقع التعليمي أو الديني المغربي المبني على قواعد الوسطية والتسامح . ولعل ما تعرض له حميد بنطاهر أستاذ مادة الفلسفة بثانوية "مولاي علي الشريف" بمنطقة الريش بإقليم الراشيدية، على يد مجموعة من الأساتذة ينتمون لتنظيمات إسلامية متطرفة، ويعملون بنفس الثانوية، بعد اتهامه بنشر الزندقة والإلحاد في أوساط التلاميذ بالضرب والجرح في بداية السنة الدراسية الماضية، لدليل على اتساع الرقعة الأصولية في التعليم المغربي. الجديد هذه المرة يأتي من مراكش، بعد تقاطر أعداد غفيرة من آباء وأولياء التلاميذ على إدارة إحدى المؤسسات التعليمية العمومية بمنطقة العزوزية بمراكش، وقد أجمعوا على مطلب واحد وغريب، حيث حاصروا إدارة المؤسسة بمطلب الإستغناء عن دروس مادة الموسيقى. منطق"لا دخان بدون نار" جعل القيمون على المؤسسة ينتبهون إلى هناك أياد خفية تحرك هذا المطلب من خلف الستار، وتدفع في اتجاه منع تلامذة المؤسسة من الشرب من نهر العلوم الموسيقية، لأسباب وحدها الجهات المحركة تعرف أسباب نزولها ودواعيها. انطلقت التحريات في كل اتجاه، وشرع في استفسار بعض التلاميذ المعنيين، حين جاءت الحقيقة صادمة، بعد أن كشف البعض من هذه الرغبة الملحة في التخلص من لمادة إياها، تعود لتحريض أحد أساتذة مادة التربية الإسلامية، الذي دأب على "الزن" في أذان الصغار، ودفعهم للتمرد على مادة الموسيقى بمبررات تنهل من قاموس"الحرام" مع تصنيفها في خانة" اعمال الشيطان"،التي لا يفلح من اقدم عليها، وسيبوء بفعل ذلك بخزي الدنيا وعذاب الآخرة. أمام هذه المفاجأة قررت إدارة المؤسسة "تحيد على رقبتها"،وتحيل الأمر على أصحاب الأمر،لاتخاذ ما يرونه مناسبا اتجاه هذا التحريض،الذي لا يستقيم ومسار المناهج التعليمية المعتمدة . تم إخطار المصالح المسؤولة عن قطاع التربية والتعليم بالمدينة، التي انتدبت بدورها لجنة تفتيش إقليمية للقيام بتحقيق في عين المكان، للوقوف عن تفاصيل التحريض ضد مادة الموسيقى،وأسباب نزول منشورات أغرقت بها فضاءات المؤسسة وتم توزيعها على نطاق واسع مذيلة بتوقيع ذات الأستاذ ،تحت عنوان "طريقة تربية النشء الإسلامي" خارج المقررات التربوية المعتمدة من طرف الوزارة المشرفة على القطاع. تضمنت المنشورات المذكورة بعض الأيات القرآنية،والأحاديث النبوية، التي انتزع أغلبها من سياقه العام، وسخرت بطريقة تحشو عقول المتعلمين الصغار بنوعية خاصة من الافكار والتصورات،التي تصب في مجملها في خانة"الحرام والحلال". تم تحرير تقرير بكل هذه الحقائق والمعطيات، وأحيلت نشخ منه على الجهات المسؤولة والمشرفة على قطاع التربية والتعليم بالمدينة، لاتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات، ليبقى بعدها الوضع على ما هو عليه، في انتظار ما سيكشف عنه مقبل الأيام. الحالات تتكرر في هذا الباب والغريب أن صمت الوزارة يشجع على العودة إليها. ميل بعض الاساتذة إلى تغليب التكوين الإيديولوجي المتطرف الذي تلقوه في هذا التنظيم السياسي أو المدني أو ذاك، على الالتزام بمبادئ المهنة وبالضمير المهني، يعطي حالات شاذة تنحرف بالمادة التعليمية عن إطارها الصحيح. من هذه الأمثلة ما قام به أحد المدرسين حين عرض شريطا على التلاميذ أنتج في بعض القنوات الدينية الوهابية، يحكي حكاية مرعبة لطفل فضل الاستمرار في اللعب وقت الصلاة، فإذا به يموت ويدفن فتتولى أمره زبانية العذاب تحت التراب يسئلونه عن جريمته النكراء ويهوون عليه بالأعمدة الضخمة فيهشمون رأسه ويمارسون عليه كل أنواع التعذيب الرهيبة، ليستيقظ الطفل بعد ذلك ويكتشف أنه كان يحلم بعذاب القبر فيتوب عن تقاعسه في أداء الصلاة في وقتها. في مدرسة أخرى وخلال إحدى الأنشطة الإشعاعية التي يُستدعى إليها الآباء، فوجئ هؤلاء بمُدرّسة تقدم من بين مواد الحفل المشهد التالي : تسع تلميذات في الثانية عشرة من عمرهن تتحدثن على أنهن نساء النبي، كما أن إحدى التلميذات و عمرها 12 سنة تكلمت أمام الجمهور لتقول "تزوجني الرسول (ص) وأنا ابنة تسع سنين". مثال آخر لا يقل خطورة، كان بطله مدرس في الإعدادي وخلال شرحه لإحدى الدروس لم يجد من مثال يقدمه إلا الأحدث الإرهابية ل 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، والتي صدمت الوجدان الوطني وتركت ندوبا في الذاكرة لا تبلى، حيث حذر تلامذته من أن يعتبروا ما حدث عملا إرهابيا، مشيرا إلى أن مثل هذه التسميات "صهيونية" تستهدف المسلمين، فالموت من أجل الدين جهاد في سبيل الله كيفما كان وحيثما كان.