يشهد واقع العلاقات المغربية الجزائرية على مسلسل لا ينتهي من التوترات والصراعات المتكررة والتي دائما ما كانت قضية الصحراء هي الصخرة الكأداء التي تتكسر عليها كل الأمواج التي تمتد للتعاون والتكامل بين هذين البلدين الجارين اللذين يمتلكان من القواسم المشتركة والإمكانات ما يخول لهما بأن يكونا نموذجا ناجحا للتعاون الاقتصادي والسياسي ليس فقط في الفضاء المغاربي، وحسب بل وعلى المستوى الدولي أيضا، فالدين واحد والثقافة واحدة والإنسان واحد والثورات متكاملة إلا أن انعدام الإرادة الحقيقية والإصرار على تأكيد نقط الاختلاف السياسي بين البلدين على حساب الترسانة الهائلة من العناصر المشتركة أجهض أي حلم لتقارب وتعاون حقيقي ونموذجي في الفضاء الأفريقي المليء بالصراعات والتناقضات، التي تصل إلى حد عدم الاعتداد بأي اتفاقات أو عهود، فكلام الليل في أفريقيا سرعان ما يمحوه نهارها الحار. بالنسبة للمغرب والجزائر فإن كلامهما لا يمحوه النهار فقط وإنما أيضا تمحوه رمال الصحراء المتحركة، وهذا هو حال الجزائر التي كانت قد اتفقت مبدئيا مع المغرب على تحييد وجهتي نظرهما حول ملف الصحراء في أي مسعى للتعاون بينهما، والتي كانت قد صرحت أيما مرة بإمكانية فتح الحدود البرية بينها وبين المغرب والتي ظلت مغلقة منذ 1994 على إثر الاعتداء الإرهابي على فندق «أطلس إسني» بمراكش والذي اتهم فيه المغرب المخابرات الجزائرية بتدبيره، وفرض التأشيرة على الجزائريين الذين يودون الدخول إلى المغرب، فما كان من الجزائر إلا أن ردت بغلق الحدود. لقد تعددت أوجه الصراع والتوتر بين المغرب والجزائر على مدى تاريخ النزاع حول الصحراء، والملاحظة الأساسية في هذا السياق أن هذا التوتر قد طفا مجددا على السطح في الآونة الأخيرة ليتخذ شكلين أساسيين: الشكل الأول ذو طابع ديني حيث امتد الاختلاف السياسي المغربي الجزائري إلى الشأن الديني و بالتحديد إلى رحاب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية و الذي أسس سنة 2003على يد وزير الداخلية آنذاك «نيكولا سركوزي» من أجل تمكين مسلمي فرنسا من تمثيلية لهم، إلا أن الانتخابات الأخير التي نظمت بتاريخ 8 يونيو 2013 من أجل تعيين أعضاء جدد لمجلس الإدارة قد أبان عن صراع محتدم بين كل من المغرب والجزائر للاستحواذ على مقاعد هذا المجلس، والذي حصد فيه تجمع مسلمي فرنسا الموالي للمغرب 25 مندوبا في مقابل 8 مندوبين لمسجد باريس الكبير التابع للجزائر. وإذا كان نظام التناوب المعمول به لرئاسة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يتيح للجزائر رئاسة هذا الأخير إلا أن المغاربة المسيطرون على مجلس الإدارة يعترضون على شخص «شمس الدين حافظ» لكونه معاد لقضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية. وفي هذا الإطار فإن إصرار الجزائريين على حشر الخلافات السياسية بين الجزائر والمغرب خصوصا حول قضية الصحراء في مجلس خاص بالتمثيل الديني لجميع مسلمي فرنسا يعد أمرا غير مقبول ولابد أن يثير اعتراض المغاربة الذين لن يسمحوا لشخصية معادية لقضية وحدتهم الترابية أن يتولى رئاسة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية واستغلال هذا المنبر الديني للدعاية ضد المغرب عوض أن يكون جامعا لكلمة كل مسلمي فرنسا على اختلاف جنسياتهم بعيدا عن التجاذبات والاختلافات السياسية بين الدول . الشكل الثاني تجسد في التصريحات والمواقف الجزائرية حيال المغرب، والتي اتخذت مستويين اثنين، المستوى الأول ظهر من خلال تصريح وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي لقناة «روسيا اليوم» بكون الجزائر أضحت مستهدفة بتهريب المخدرات التي تأتيه من المغرب. إلا أن الواقع الموضوعي يقتضي الإشارة أيضا إلى أن الأسواق المغربية هي الأخرى أصبحت مليئة بكل أنواع الأدوية الفاسدة والسلع الرديئة والحبوب المهلوسة الأشد خطرا وفتكا والقادمة من الجزائر، وهذا الأمر ليس بالضرورة أن يكون تعبير عن سياسة ممنهجة من قبل هذه الدولة أو تلك، فالواقع يثبت أنه وبالرغم من غلق الحدود بين البلدين فإن حركة التهريب وتبادل السلع بين الناس تتم بشكل يومي وهو ما يعتبر أمرا طبيعيا جدا في كل المناطق الحدودية في العالم، كما أنه من الطبيعي جدا أيضا أن حركة التهريب هاته لابد أن تدخل معها كل أنواع السلع بدون استثناء، فحتى حدود الولاياتالمتحدةالأمريكية أقوى دولة في العالم مثلا تشهد يوميا تدفق كل أنواع السلع المزورة وغير مزورة وكل أنواع المخدرات والبشر وحتى الأسلحة بالرغم من كل إمكانياتها الهائلة وتعاونها الأمني مع المكسيك. أما المستوى الثاني فتجسد من خلال الموقف الجزائري الذي وضع فيه ثلاث شروط أساسية من أجل فتح الحدود بين الجزائر و المغرب وهي: إيقاف حملة التشهير التي يقوم بها المغرب الرسمي وغير الرسمي ضد الجزائر. إيقاف تدفق التهريب وخاصة المخدرات. وضع قضية الصحراء في صلب العلاقات الثنائية بين البلدين. وإذا كانت الخارجية المغربية قد نددت في بيان لها بهذه الشروط واعتبرتها أحادية الجانب وتعود لحق غابرة، فإن الشروط الجزائرية خاصة الشرط الثالث تعني عمليا إبقاء الحدود البرية بين الجزائر والمغرب مغلقة إلى أجل غير مسمى مما يعني أن الطريق ستبقى مقطوعة أمام أي تعاون حقيقي بينهما والذي من شأنه أن يضخ دماء جديد في جسم الإتحاد المغاربي الراكد والمجمد منذ تأسيسه سنة 1989 بمراكش، وهنا تبدو وجهة نظر المغرب المتعلقة بتنحية مواقف البلدين حيال قضية الصحراء خدمة لمساعي التعاون والتقارب بين البلدين، وترك الأممالمتحدة تشتغل على هذا الملف، جد منطقية، فأي محاولة لإقحام هذه القضية الحساسة يعني المزيد من الخلافات والتباعد والتأزم في العلاقات، من جانب آخر فإن مثل هذه الشروط من شأنها أن تغذي الشكوك المغربية حيال الطموح الجزائري الذي يسعى لامتلاك منفذ على المحيط الأطلسي وكذا أطماعها في الصحراء المغربية. وخلاصة القول فإن قضية الصحراء تقف حجرة عثرة أمام أي تقارب حقيقي بين المغرب والجزائر مما ينعكس سلبا على العلاقات بين دول المغرب الكبير وخصوصا الإتحاد المغاربي، ففي الوقت الذي باتت فيه التكتلات الإقليمية والدولية ضرورة أساسية لأي تقدم ما يزال الأشقاء المغاربيون يتجادلون حول مسألة فتح الحدود البرية، والمفارقة العجيبة في هذا السياق هو أن العالم يشهد تقارب وتكتل دول لا تجمعها أي روابط لا ثقافية ولا لغوية ولا دينية ولا جغرافية لتشكل مثالا نموذجيا للتعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول، وخير مثال على ذلك دول «البريكس» التي تضم كل من البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، والتي أصبحت تلعب دورا غاية في الأهمية على المسرح الدولي، ولما كان العصر هو عصر التكتل والإتحاد بين الدول فإن المقترح المغربي بشأن الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الصحراوية والذي أشادت به الأممالمتحدة يبقى هو الحل الأمثل لهذه القضية الشائكة إذا ما أريد فعلا للاندماج المغاربي أن يشكل عنصر توازن مع الإتحاد الأوربي وأن يكون إطارا للتعاون الأمني والاقتصادي والسياسي بين دوله خصوصا وأن التحديات المتعلقة بمحاربة الإرهاب وشبكات تهريب المخدرات والهجرة السرية، والذي يتخذ من الصحراء الكبرى مجالا حيويا للتحرك باتت أكثر خطورة من أي وقت مضى. كاتب مغربي