الجزائر تشترط و الرباط تأسف والمحصلة المتوقعة الوصول إلى نقطة قطيعة أخرى في العلاقات المغربية الجزائرية. التفاصيل يحملها آخر تبادل لإطلاق التصريحات بين المسؤولين الجزائريين والمغاربة . الجزائز اشترطت ثلاثية لفتح الحدود مع المغرب سمتها تحميل المغرب مسؤولية «عرقلة التعاون الصادق والفعال»، المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية عمار بلاني في تصريحات له نقلتها صحيفة «الخبر» الجزائرية قال إن «فتح الحدود البرية بين البلدين يستدعي-مثلما يعلمه جيراننا في المغرب – توفر شروط رئيسية، تتعلق بالوقف الفوري لحملة التشويه التي تقودها الدوائر المغربية الرسمية وغير الرسمية ضد الجزائر». وأضاف «أن الجزائر ترفض تدخل أي طرف ثالث بشأن ملف فتح الحدود بين الجزائر والمغرب»، وأكد بلاني أن الجزائر ترى في «التعاون الصادق والفعال والمثمر من قبل السلطات المغربية لوقف تدفق المخدرات والتهريب السري لها من المغرب إلى الجزائر»، أمرا ضروريا ينبغي تجسيده قبل مناقشة فتح الحدود بين البلدين، وتابع قائلا إن الجزائر تشترط «احترام موقف الحكومة الجزائرية فيما يتعلق بمسألة الصحراء الغربية التي نعتبرها مسألة إنهاء الاستعمار، ويجب إيجاد تسوية وفقا للقانون الدولي في الأممالمتحدة». الرد المغربي رسميا جاء صارما عبر بلاغ لوزارة الخارجية التي نددت بما وصفته «التصريحات الصادرة عن مصادر جزائرية رسمية»، رهنت فيها تطبيع العلاقات الثنائية، وإعادة فتح الحدود البرية بين البلدين، بالعديد من «الشروط» قالت بأنها «لا أساس لها وغير مفهومة». الرباط ضاعفت جرعة الرد من خلال التعبير عن «أسفها الشديد إزاء هذه المواقف المتجاوزة، في منهجيتها وغير المبررة في محتواها»، قبل أن تؤكد أن «مجرد وضع شروط أحادية الجانب، لتطبيع العلاقات الثنائية، يعد ممارسة ماضوية»، و«تعكس ثقافة سياسية تعود إلى حقبة عفا عليها الزمن، في تناقض تام مع متطلبات وآفاق القرن ال21». الخارجية المغربية عبرت بصيغة قوية عن تحفظها من اتهام المغرب بالمسؤولية في تدفق التهريب، وخاصة المخدرات، وكذا اتهامه بحملة تشويه ضد الجزائر، وتوقفت الخارجية المغربية عند الشرط الثالث واعتبرته أكثر خطورة ، ويشكل انقلابا على كل التفاهمات المغربية الجزائرية في تحييد ملف الصحراء من مناقشة العلاقات الثنائية . التصريحات التي أطلقها المتحدث باسم الخارجية الجزائرية تعكس رد فعل الجزائر على جملة من المستجدات داهمت الدبلوماسية الجزائرية كان أهمها نجاح المغرب في تفكيك لغم مشروع المقترح الأمريكي، الداعي إلى توسيع مهمة بعثة الأممالمتحدة «مينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، والذي خلف صدمة في دوائر القرار بالجزائر، خصوصا في الطريقة التي تصرفت بها عواصم مؤثرة مثل موسكو والصين. المعطى الثاني الذي حرك الجزائر بقوة هذه المرة هو توافق العواصم الغربية على ضرورة التقارب المغربي الجزائري كمدخل لحل النزاع في الصحراء، وهو ما ظلت الدبلوماسية الجزائرية تتجنبه تخليدا لشعارها التاريخي في مواجهة المغرب ، وهو أنها غير معنية بالصراع، وأن موقفها يتمترس في خانة وفائها لمبادئ تقرير مصير الشعوب. آخر ما أغضب الجزائر هو التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في الرباط قبل وصوله إلى الجزائر، والتي عبر فيها عن استعداد تركيا للوساطة بين المغرب والجزائر، وتأكيده على عدم اعتراف تركيا بالجمهورية التي ترعاها الجزائر بقوة في كل المنتديات، بل وتبوئها وزنا غير طبيعي في أولويات العمل البدلوماسي للجزائر. المعطي الثالث الذي انتبهت الجزائر لخطورته ، يتمثل في المقاربة الجديدة التي يقوم بها المبعوث الأممي كريستوفر روس ، والتي تتجه لوضع المغرب والجزائر وجها لوجه في ملف الصحراء، من خلال فتح قنوات موازية تخلط أوراق التمثيلية المقدسة للصحراويين التي ظلت الجزائر ترعاها عبر الجمهورية التي تدعمها داخل التراب الجزائري، وهو مسار يتجه لتضييق هوامش رقعة الملعب التي ظلت الجزائر تتحرك فيه في ملف الصحراء دون أن تكون لاعبا أساسيا. والنقطة التي كسرت كياسة الجزائر في تصريحاتها الدبلوماسية تتمثل فيما عبر عنه الأمين العام بان كيمون من "تقديره للدعم الذي يقدمه"، جلالة الملك محمد السادس لجهود الأممالمتحدة، الرامية إلى إيجاد حل للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وذلك خلال استقباله للمبعوث الخاص للملك. الشروط الثلاثة التي وضعتها الخارجية الجزائرية تأتي في سياق جزائري خاص منذ دخول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المستشفى الباريسي، حيث تصر دوائر القرار في الجزائر على إخراج هذه الورقة من زحمة الانشغالات التي تغمر الجزائر بعد مرض الرئيس وكأن المراد هو التعبير عن الحالة الطبيعية لانشغالات الجزائر بعيدا عن كل المتغيرات الداخلية الداهمة. المغرب الذي دعا الجزائر في أكثر من مناسبة إلى تطوير علاقات التعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة، وفتح الحدود، وعدم رهن هذه المبادرات بحل النزاع المفتعل في الصحراء، لم يجد آذانا صاغية لدى المسؤولين الجزائريين، بل إن حكومة عبد الإله بن كيران، ومنذ تنصيبها، أبدت اهتماما متزايدا لتطوير مستوى التعاون بين المغرب والجزائر لتعميق ما أسمته الروابط التاريخية المتجذرة بين البلدين، المحصلة النهائية لشهور من الترويض تنتهي بصدام تصريحات قوية، سيقود إلى حدود قطيعة ثانية، قد تتغير معطياتها مع تطور الظروف بين جارين لم يجربا منذ الاستقلال وضع الكتف على الكتف لشق طريق التكامل الاقتصادي وبناء قطب محوري لازدهار المنطقة. عبد الكبير اخشيشن