عندما عمدت الحكومة في إطار اتفاق ثلاثي جمعها مع الباطرونا وممثلو النقابات، إلى إقرار زيادة في أجور موظفي الدولة، وكذا رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص... لم يخطر ببالها على ما يبدو المخاطر التي يمكن أن تحملها هذه الخطوة على مستوى الاقتصاد الوطني. لذلك اختارت المندوبية للتخطيط أن تقيم الآثار الممكنة للزيادة في الأجور المقررة، من خلال بحث أنجزته على مستوى التوازنات الماكرواقتصادية للبلد.“إن الزيادة في رواتب موظفي الإدارات العمومية ابتداء من فاتح ماي الماضي، وكذلك الحد الأدنى للأجور في قطاعات التجارة والصناعة والمهن الحرة والفلاحةة، على مرحلتين متتاليتين، ابتداء من فاتح يوليوز 2011 وفاتح يوليوز 2012، سيكون لها بعض الآثار على الاقتصاد المغربي”، تؤكد المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الإخبارية. لكن كيف سيكون هذا التأثير؟ مندوبية التخطيط قالت إن الزيادة في رواتب موظفي الإدارات العمومية سيكون بتأثيرات سلبية على مستوى رصيد الميزانية والميزان التجاري. كما أن الزيادة في الحد الأدنى للأجور في القطاعات الأخرى المذكورة، ستقلص من هامش عائدات المقاولات وتحد من تنافسيتها وستؤثر سلبا على الاستثمار والتشغيل والنمو الاقتصادي وتوازن الميزان التجاري. قد يقول قائل إن الزيادة ستسبب فقط كوارث على المستوى الاقتصادي، لكن بالنسبة لمندوبية التخطيط فإن للزيادة جوانبها المستحسنة أيضا، إذ سيكون لها وقع في تحسين دخل الأسر وقدرتها الشرائية واستهلاكها، كما ستؤثر إيجابيا على الاستثمار والتشغيل والنمو الاقتصادي. على أن الزيادة في أجور موظفي القطاع الخاص ستؤثر إيجابا على مستوى ميزانية الدولة. “ماكايهمنيش شحال غادي تخسر الدولة أولا شحال غادي تربح، لي كايهمني هو تحسين القدرة الشرائية للمواطن المغربي”، يقول نقابي في اتصال ل”الأحداث المغربية”، في إشارة منه إلى أن الزيادة في أجور موظفي القطاعين العام والخاص، فرضه بالضرورة الغلاء الذي أخذ يستشري بالأسواق المغربية، على أن المواطن المغربي لا يهمه في الأخير سوى تحسين دخله لمواجهة تكاليف مرتفعة للحياة، فيما قد يعود للدولة باقي الأمور الخاصة بالحفاظ على التوازنات الكبرى للاقتصاد الوطني. مؤطر المندوبية السامية للتخطيط لم تكتف فقط بسرد الآثار الممكنة للزيادة في الأجور على التوازنات الاقتصادية للبلد، بل عززت بحثها بأرقام تأكيدية. وهكذا سيكون للزيادة في الأجور أثر إيجابي بالنسبة لدخل الأسر الذي قد يرتفع ب1,64 في المائة خلال العام الحالي، على أن يصل هذا الارتفاع إلى 6 في المائة سنة 2015. وسيزداد حجم الاستهلاك ب1,01 في المائة سنة 2011 وب1,86 في المائة سنة 2015، مرورا بوتيرة 2,01 في المائة سنة 2013. فيما سترتفع الأسعار تدريجيا من 0,52 في المائة في العام الحالي إلى 3,97 في المائة سنة 2015. وسيسجل النمو الاقتصادي ارتفاعا خلال السنتين الأولى والثانية يقدر ب0,29 في المائة سنة 2011 وب0,27 في المائة سنة 2012، قبل أن يتأثر سلبا لينخفض ابتداء من سنة 2013 ب0,12 في المائة وب0,97 في المائة سنة 2015. بالنسبة للاستثمار والتشغيل، سيرتفع حجم الاستثمار ب0,27 في المائة سنة 2011 لينخفض بعد ذلك في سنة 2013 ب0,88في المائة، ويصل هذا الانخفاض إلى 3,07 في المائة سنة 2015، وسيكون هذا الانخفاض مرفوقا بفقدان مستمر لمناصب الشغل يقدر ب15940 منصب سنة 2013 وب96890 منصب سنة 2015. كما ستؤدي هذه الزيادة في الأجور إلى ارتفاع حجم الاستيراد، مما سيفاقم عجز الميزان التجاري ب0,46 في المائة في العام الحالي وب0,64في المائة سنة 2015، وسيبلغ التفاقم ذروته في سنة 2013 ب0,85في المائة. وسيسجل رصيد الميزانية عجزا إضافيا يصل إلى 0,32 في المائة سنة 2011، وإلى 0,22 في المائة سنة 2012، قبل أن يتحسن ابتداء من سنة 2013 ب0,10في المائة ليرتفع هذا التحسن إلى 1,03 في المائة سنة 2015.