على عكس النساء اللواتي تحاصرهن مشاعر اليأس والوحدة حين يضطر أزواجهن للتغيب عن المنزل لفترات طويلة بسبب ظروف العمل، تجد أخريات الراحة في غياب شريك الحياة، والفرصة المواتية للتخلص من المشاكل والخلافات التي تندلع داخل بيت الزوجية، بل وفرصة أيضا للتمتع بهامش أكبر من الحرية والتصالح مع بعض العادات الاجتماعية والترفيهية التي كان يتعذر عليهن القيام بها في وجود الزوج. حالة من السعادة انتابت فاطمة الزهراء عندما زف لها زوجها خبر استفادته من الترقية التي طالما انتظرها. لم يكن مصدر تلك السعادة ارتفاع راتب شريك حياتها الذي من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على الوضع المادي للأسرة، بل لكون الاستفادة من ذلك الامتياز مشروط بانتقال زوجها إلى مدينة بعيدة عن مقر سكنهم. هامش أكبر من الحرية «كان البيت في وجود زوجي شبيها بالسجن»، تقول فاطمة الزهراء ذات الخامسة والثلاثين عاما، بها الغرباء، فزوجها كان يمنعها من الذهاب إلى أي مكان من دونه، وينفرد باقتناء مستلزمات البيت، ويحرمها حتى من زيارة عائلتها. ترجع الزوجة تصرفات شريك حياتها إلى الغيرة الشديدة التي بسببها يقلص من هامش حريتها، كي لا تواجه بمفردها نظرات الإعجاب في الشارع. لكن الوضع سيتغير حسب فاطمة الزهراء وستتمكن أخيرا من انتزاع حريتها. بعدما صارت المسافات تفصل بينها وبين زوجها الذي لا يجتمع بأفراد أسرته إلا لأيام قليلة بعد أشهر يقضيها في مقر سكنه الجديد، لم تعد فاطمة الزهراء مضطرة لتحمل الإحساس بالملل الذي كان يحاصرها نتيجة بقائها حبيسة أربعة جدران، فقد أصبحت تتنقل بكل حرية من أجل التبضع وزيارة أقاربها. لا تنكر فاطمة الزهراء أن الإحساس بالوحدة داخل المنزل يلازمها بشكل دائم بسبب غياب زوجها، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أن انفصالهما الذي فرضته ظروف العمل مكنها من التصالح مع العديد من العادات الاجتماعية التي كانت تفتقدها في وجود الزوج. فرصة للتخلص من «نكير» الزوج تحولت حياة كريمة داخل بيت الزوجية إلى جحيم لا يطاق، نتيجة الخلافات والمشاحنات التي صارت تندلع بشكل يومي بينها وبين زوجها، بسبب إصراره على التدخل في كل كبيرة وصغيرة داخل البيت، حتى عندما يتعلق الأمر بالمطبخ والأعمال المنزلية. سرعان ما سيتغير الوضع بعد أن ينتقل زوجها للعمل بمدينة أخرى وتقتصر زياراته على نهاية الأسبوع، فقد وجدت الزوجة الثلاثينية في غياب شريك حياتها عن البيت الفرصة المثالية للتخلص من «النكير» الذي يطغى على طباعه. تؤكد كريمة بأنها أصبحت تستمتع بأبسط الأمور داخل مملكتها الصغيرة، حيث تسلي نفسها بمشاهدة التلفاز، أو القيام ب«اشغال الدار» دون أن تضطر لسماع انتقادات زوجها التي كانت تستفزها وتفقدها السيطرة على أعصابها. «ما بقاش عندو لوقت للنكير»، تقول كريمة بنبرة مرحة، فعدم قدرة الزوج على قضاء أوقات طويلة رفقة أفراد أسرته، جعل أحاديثه تقتصر على الأمور الإيجابية حسب الزوجة، لأنه صار يحرص أكثر من أي وقت مضى على الاطمئنان على أحوال أفراد أسرته الصغيرة في الأيام التي يغيب فيها عنهم، حيث كان اشتياق الزوج لدفء الأسرة التي تفصله عنها المسافات سببا في تحسن العلاقة بين الزوجين. تخلصت من عنف زوجها لا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة لنادية، فبالرغم من كونها امرأة عاملة إلا أنها عانت بدورها من أشكال العنف التي كان يمارسها عليها زوجها خلال الساعات القليلة التي يجتمعان فيها تحت سقف واحد. «كان يعنفني باستمرار ويفتعل المشاكل لأتفه الأسباب»، تقول نادية، فحدة طباع الزوج كانت وراء اندلاع الخلافات بينهما بشكل دائم، إلى درجة جعلت فكرة الطلاق تراودها باستمرار، قبل أن يضع انشغال الزوج بعمله حدا لمعاناتها. صار الزوج يسابق الزمن من أجل تدبير مشاريعه التي تتزايد مع ارتفاع سقف أحلامه وطموحاته، ويعود بعد «الماراتون» الطويل الذي يخوضه إلى البيت منهك القوى، فيخلد إلى النوم مباشرة دون أن يتبادل أطراف الحديث مع أفراد أسرته أو يتقاسم معهم طعام العشاء. بالرغم من غياب التواصل بين الزوجين والفتور الذي صار يطبع حياتهما، لا تبدي نادية أي تذمر من غياب الزوج الدائم عن المنزل، بل ترى في انشغاله بعمله الحل الوحيد الذي يضمن لها العيش بسلام وعدم مواجهة المشاكل التي من شأنها أن تعصف بحياتها الزوجية وتقودها نحو منعطف الطلاق. شادية وغزو