يرجى أن يشكل قرار حزب الاستقلال صدمة كهربائية لرئيس الحكومة وحزبه، تحفزهما على القيام بمراجعة جذرية للنهج الذي قادا به إلى حد الآن الحكومة. لقد نجحا في الزج بالمغرب في أزمة سياسية بعد عام ونصف فقط على تشكيل تلك الحكومة. فبغض النظر عن نوايا حميد شباط ومبرراته، كان واضحا أن النهج الذي اعتمده ابن كيران في قيادة أغلبيته يحمل بذور أزمة حكومية قابلة للانفجار في أي وقت. إن الشعبوية ومنطق التعالي والتهديد كل مرة بالشارع أو بالانتخابات المبكرة، وعدم الاستماع إلى الرأي المخالف، أمور لا تشكل الأسلوب الأنجع لقيادة حكومة ائتلاف، بل من المؤكد أنه أسلوب ينتج مهما طال الزمن، تذمر وتمرد الفرقاء. وعليه، بات من اللازم أن يراجع عبد الاله ابن كيران أسلوبه في قيادة حكومة تتحمل مسؤولية تاريخية، لم يسبق، ربما، لحكومة مغربية أخرى (باستثناء حكومة التناوب التي سهرت على نجاح الانتقال من عهد إلى عهد جديد)، أن وجدت نفسها مطوقة بمسؤولية التأسيس. إنها حكومة مؤسِّسة. تعود لها مسؤولية بلورة مضامين الدستور في قوانين تنظيمية، تكرس تأويل الدستور تأويلا ديمقراطيا وحداثيا، تمشيا مع الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011. كما تتحمل مسؤولية بلورة تلك المضامين في أسلوب جديد في تدبير شؤون البلاد، يعتمد الإقدام والمبادرة والشجاعة السياسية، ويتجنب تبرير الفشل بوجود قوى خفية تعرقل عمل الحكومة، وتمنعها من خدمة الصالح العام. المغرب ليس في حاجة إلى حكومة تتخاطب مكوناتها بلغة تمتح تعابيرها من الشارع العام، و ليس في حاجة إلى حكومة يبدو مكونها الأساسي منشغلا أساسا بتسخير مؤسسات الدولة وأدواتها لفرض مرجعيته الإيديولوجية على المجتمع، وإرجاعه قرونا إلى الوراء. المغرب ليس في حاجة إلى رئيس حكومة يتحدث كرئيس حزب وليس كقائد سلطة تنفيذية مهمتها خدمة جميع المغاربة، سواء كانوا من مؤيديه أو من معارضيه. المغرب في حاجة إلى حكومة تنقله إلى العصر الحديث اقتصاديا، وثقافيا، وعلميا، وديمقراطيا، وتبوئه مرتبة تؤهله ليكون قوة إقليمية رائدة، مؤثرة ويحسب لها حسابها في المجتمع الدولي. هل هذه الطموحات مستحيلة؟ إذا كانت كذلك فكيف نجح آخرون في تحقيقها؟