قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال باستئنافية البيضاء، يؤُجل استنطاق خالد عليوة إلى بداية الأسبوع القادم. القرار حسب مصادر خاصة، أملته ظروف التحول «المفاجىء» في مسار الملف، فبعد أسبوعين على وفاة والدة المدير السابق للقرض العقاري والسياحي، والذي استفاد بسببها من ترخيص استثنائي، رغم سريان مسطرة الاعتقال الاحتياطي في حقه. خالد عليوة يستفيد من المتابعة في حالة سراح، مع الإبقاء على تدابير المراقبة القضائية في حقه. فعليوة الذي كان منتظرا أن يباشر معه أمس قاضي التحقيق الاستنطاق التفصيلي، سبق أن استنطقه داحين لدقائق معدودات ذات جمعة من شهر يونيو 2012. ليستفيد بعض قضائه زهاء التسعة أشهر وراء عكاشة، وبعد أقل من خمسة دقائق على تقديم طلب الدفاع من حق المتابعة في حالة سراح. أيضا عشرة دقائق أخرى، كانت كافية لغرفة المشورة باستئنافية البيضاء من أجل التأشير على قرار قاضي التحقيق، بعدما لم تُحرك النيابة العامة ساكنا أمام المسار الجديد الذي رسمه القدر لملف «خالد عليوة ومن معه». النسخة الثانية من ملف «السياش»، حسب المتتبعون ستكون مفتوحة على مفاجآت كثيرة. لعل أولها هي ماهية الضمانات القانونية والمادية للحضور التي أعطت أكلها أخيرا، رغم أنها هي نفس الضمانات التي سبق لهيئة دفاع عليوة تقديمها إلى قاضي التحقيق خلال المرات السابقة. المحامي على الكتاني، الذي يدافع عن متهم في ملف المطارات بتبديد المال العام، استغرب بشدة ل «سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع جرائم الأموال العامة». في إحدى مرافعاته توجه لقاضي الجلسة قائلا : «أحد الملفات عرف متابعة أشخاص في حالة سراح، رغم أنهم متهمين بتبديد ربع ميزانية المغرب. ملف آخر، توبع فيه المتهمين في حالة سراح لستة سنوات، حتى الأحكام جاءت فيه موقوفة التنفيذ. هناك الكثير من الضمانات التي يمكن أخذها بعين الاعتبار في قرارات المتابعة في حالة اعتقال. هناك سحب جواز السفر، وإغلاق الحدود وغيرها. العدل يجب أن يشمل الجميع». خالد عليوة.. من دروب السياسة إلى مستنقع «السياش» على رأس الملف. اسم راهن عليه ملك البلاد ذات يوم، ليكون منقذ مؤسسة عمومية عاشت على إيقاع مجموعة من الهزات المالية. على مدى سنوات عانت المؤسسة البنكية مشاكل حقيقية ناتجة عن سوء تسييرها وتدبيرها. هكذا جاء اسم خالد عليوة، ليكون الاسم الأمثل آنذاك من أجل إنقاذ البنك القرض العقاري والسياحي من هاوية الإفلاس. عهد المغاربة خالد عليوة، حينما كان وزيرا وناطقا رسميا باسم حكومة التناوب، شخصية سياسية تحرق المراحل بسرعة، تتمتع بمساندة حزبية مطلقة من طرف الزعيم الاتحادي عبدالرحمن اليوسفي، كما تتميز بحسها التواصلي القوي، وأناقة لغتها الفرنسية. بعد اعتزال اليوسفي للعمل السياسي، اختار خالد عليوة الانزواء وإدارة ظهره لحزب القوات الشعبية. بعد تجربة الاستوزار، وفشل مشروعه الطموح الرامي إلى تولي رئاسة مجلس العاصمة الاقتصادية سنة 2003. وجد عليوة نفسه قريبا من صيت عالم المال والأعمال، ليخاصم دروب السياسة، ويستسلم لمتاهات الثروة. لم يطل انتظاره طويلا حيث اقترحه زميله في المكتب السياسي للحزب فتح الله ولعلو، وزير المالية والاقتصاد حينها، مديرا عاما لمؤسسة بنكية على مشارف الإفلاس، حسب ماجاء في تقارير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق. وجد عليوة نفسه غائصا في مستنقع «السياش»، إلى أن قررت الدولة ضخ أموال طائلة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه داخل المؤسسة المالية التي أحدثت سنة 1967، وأصبحت خاضعة لمقتضيات القانون البنكي في 1993. امتد تطبيق برنامج التقويم خمس سنوات، استغل خلالها الاقتصادي اليساري درايته وخبراته من أجل التصفية النسبية ل «التركة الثقيلة» من الديون المعلقة الأداء. كما تمكن من تقوية البنية المالية عبر إعادة رسملة السياش الذي أصبح خاضعا لرقابة شركة «مسيرة كابيتال مانجمنت» المملوكة لصندوق الإيداع والتدبير ومجموعة صناديق التوفير الفرنسية، والمالكة ل 67 في المائة من رأسماله. خمس سنوات تخللتها بعض المحطات «الاستثنائية» التي شكلت مفاتيح مرحلة لفها الكثير من الغموض. مرحلة اتُهم خلالها خالد عليوة بتحويل المؤسسة البنكية إلى «بقرة حلوب» لفائدة أولي عصبته. وضع تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009 خالد عليوة في قفص الاتهام، بعد أن نسب إليه العديد من الاختلالات التسييرية، كالانفراد بالبت في تصفية بعض الديون المعلقة الأداء دون الرجوع لباقي أعضاء مجلس الإدارة، ومنح قروض أو تسهيلات لبعض المنعشين العقاريين خلافا لما ينص عليه النظام الداخلي لمجلس الإدارة الجماعية، إلى جانب التدخل المباشر في تسيير الوحدات الفندقية التابعة للبنك. بقى الملف يراوح مكانه لمدة طويلة بين الرفوف، قبل أن تبدأ القضية في أخذ مسارها القضائي الحاسم. في بداية السنة الماضية، صدرت أوامر قضائية بوضع عليوة تحت المراقبة القضائية، كما باشرت الفرقة الوطنية بأوامر من النيابة العامة بالبيضاء، البحث تمهيديا مع أزيد من 50 شخصا، من بينهم مسؤولون ومدراء سابقون بوحدات فندقية بالبيضاء ومراكش، أبرزهم ثلاثة مدراء سابقين وردت أسماؤهم في تقرير المجلس الأعلى للحسابات. كان خالد عليوة آخر متهم جرى الاستماع إليه. امتدت رحلات المكوكية بين مقر سكناه بالرباط ومقر الفرقة الوطنية بوسط البيضاء لأسابيع عديدة، قبل أن يصدر قاضي التحقيق في الجمعة 29 يونيو 2012 أمرا بإيداعه سجن عكاشة احتياطيا. بذلك انتهى مسار خالد عليوة من أروقة الوزارة و الأرائك الفخمة إلى زنزانة بسجن عكاشة منتظرا عدالة القضاء بعدما خانه قدره السياسي. عدالة تجددت ثقته فيها، بعد أن حظي زوال الأربعاء الماضي بالسراح المؤقت.