هي أسر تعيش حياة غير عادية. أفرادها لا يجدون حرجا في تسخير ذويهم في تجارة المتعة. آباء وإخوة يقتاتون من أجساد قريباتهم، تارة بمباركتهم وتارة بصمت قريب من الرضى، فيما كان البعض أكثر جرأة في دفع فلذات كبده إلى امتهان أقدم مهنة في التاريخ. يركن سيارته قرب أحد الملاهي الليلية بعين الذئاب، استوصى الحارس بها خيرا، ومضى في جولته اليومية بحثا عن أجساد شابة تقضي اليلة مع مشغله الخليجي. سخر أسرته لامتاع مشغله الخليجي «الحاج معروف هنا، كاع الدريات مهلي فيهم!»، تتحدث سامية، وهي فتاة في بداية العشرينات من العمر، عاملة للجنس، وهي تحيل على «الحاج» الشخصية الأكثر شهرة بين عاملات الجنس اللواتي ينتشرن في جنبات مقاهي وملاهي عين الذئاب الشهيرة. لتفادي الفشل في إيجاد زبون بعين الذئاب، تكون السيارات الرباعية الدفع ل«الحاج» الملاذ الأخير، بعدما يعمد إلى جمع ما بين 6 و 8 فتيات شابات ولجن عالم الدعارة حديثا. يشترط فيهن الجمال و«اللوك» الحسن. الوجهة تكون فيلا مشغله الشيخ الخليجي بالدارالبيضاء، وتبدأ بذلك الليالي الملاح بنكهة البترودولار الخليجي، بعدما يفصح «الحاج» عن حقيقته بصفته سائقا ل«طويل العمر»، ويأمر الفتيات بتلبية رغبات الشيخ الخليجي، بعدما يستلم منهن عمولته، قبل أن يغدق الخليجي عليهن المال حسب اجتهادهن في إرضاء نزواته. نزوات تبتدئ بحصص من «بيديكور» و«المينكور»، أو التعري كما ولدتهن أمهاتهن والجري حد العرق، ثم التمرغ على أرضية انتشرت فيها مئات الأوراق النقدية الزرقاء والبنية، كل الأوراق النقدية التي تلتصق بالأجساد العرقى العارية ملك لصاحبتها. التحقت بنتان «للحاج» بنشاط والدهما، وقام بتجنيدهما بعد أن لمس فيهما استعدادا لذلك، وأصبح دورهما لايقتصر فقط على خدمة مشغلهما والعمل على تلبية رغباته كيفا كانت درجة غرابتها، بل يتجاوز الأمر إلى حشد المزيد من الفتيات الجميلات وإهدائها للشيخ، وتوسيع أجندتهن الحمراء بأرقام هواتف الفتيات، والبحث عن وجوه جديدة، إذ يشترط المشغل الخليجي على «الحاج» وبنتيه أن يجلبا فتيات جديدة عند كل سهرة، وهما ما دفع بالعائلة إلى البحث عن طرق كثيرة لتنمية مدخولهما في الوساطة في الدعارة، إذ يطلبن من الفتيات شريطة الاستفادة مرة أخرى من «حظوة» السهر مع الخليجي، تغيير ملامحهن وهيأتهن بشكل كلي، وضع عدسات لاصقة بألوان مختلفة ، أو صبغ الشعر إن تطلب الأمر ذلك، وتغيير التسريحة، ودفع إتاوة الدخول إلى إقامة الخليجي. سامية التي حظيت مرار بالدخول إلى فيلا الخليجي تحكي كيف كان يستبد الخمر بالشيخ الخليجي، لكنه كان يحافظ على الصلوات الخمس، ويقوم ليؤم الفتيات وهو مخمور! ثم يسلم مبالغ نقدية متفاوتة للفتيات اللواتي يقفن للصلاة خلفه. تجارة الحاج وبناته في اللحم البشري، آتت أكلها من الناحية المادية، حققت لهم قفزة مادية، واستطاعوا تملك عقارات وسيارات من الوساطة في الدعارة، وجندت الأسرة فتيات أخريات لمشغلهم الخليجي، قبل أن تلتحق بنتا الحاج كمؤنسات رسميات للخليجي الثري بعد أن اكتشف «مواهبهما». دعارة بمباركة الأخ «سهام»، شابة في الثلاثينات من عمرها نموذج من عاملات الجنس، ترددت كثيرا في الكلام والبوح، قبل أن تقبل على مضض بعد أن أمسكت بورقة نقدية من فئة 200 درهم، بسرعة أخفتها داخل حمالة صدرها، ارتشفت كوبا من القهوة، لتشرع في السرد. «كاينين دريات كيخرجوا بخبار ديورهم!»، تؤكد سهام، قبل أن تضيف بنبرة وثوقية: «إيه بحالا شفتيها بعينيك». حكت سهام عن صديقة لها تحترف الدعارة تقيم بحي درب السلطان، وكيف يعمل شقيقها الأصغر على تأمين سيارة أجرة لها صوب عين الذئاب أو شوارع الدارالبيضاء الرئيسية كشارع أنفا والحسن الثاني، وتضيف:« راه عارف فين غادا، مالو معارفش؟» تقول سهام. السبب كان إدمان شقيقها الأصغر على المخدرات، بحيث لم يعد يرى مانعا في أن تمتهن أخته الدعارة بعلمه، بل يتعدى الأمر ذلك إلى الالتحاق بها بمكان «عملها»، وتسلم مبالغ نقدية منها دون مركب نقص، عوض أن يبحث عن عمل يؤمن له ولآخته قوتهما اليومي:«قدو قد السخط، يقدر يخدم فاش ماكان!، مخلي ختو كتكرفص!» بحرقة تنفس سهام عن غيظها من حال زميلتها، قبل أن تختم بالقول أغلب ممتهنات الدعارة يخفين نشاطهن عن أقاربهن ويختلقن مبررات لغيابهن ومبيتهن خارج البيت. الأم «مديرة للأعمال» «نوضي دبري على راسك! غتبقاي مركنة ليا هنا!» هذه اللازمة تتكرر بشكل شبه يومي على مسامع « هناء» في العشرينات من العمر، طويلة القامة، بيضاء البشرة، شعرها أسود فاحم، رأسمالها جمال فاتن كان سببا في امتهانها العمالة الجنسية، بعد زيجة فاشلة، مع زوج يكبرها بضعف عمرها، وذلك بإيعاز من والدتها، قبل أن يطلقها الزوج الثري وتبذر أمها مالها، وتدفعها لبيع جسدها. جمال هناء كان سببا في تعاستها، فبمجرد أن تحصل على عمل وتستقر فيه إلا وتبدأ في صد المتحرشين والطامعين في جسدها الشاب بعد أن يتناهى إليهم أنها مطلقة، لتقرر الانقطاع عن العمل والهرب بجلدها، لكنها واجهت ردة فعل قوية من الأم، التي سارعت في لومها والتلميح إلى أنها لن تستطيع تدبير حاجياتها بسبب فقرها، وقلة مدخولها من تقاعد الأب، إلى أن تحول التلميح إلى تصريح، انتهى بامتهان هناء بيع الجنس للمساهمة في مصاريف البيت. «إلا جبت لفلوس راني زوينة، ما جبت والو ليلة كحلا!»، تصرح هناء التي أصبحت تراها الأم كدجاجة لا بد أن تبيض الذهب كل يوم! أو أن تختصر المسافات وتجد رجلا ثريا، ينقذها وينقذ الأسرة من الفقر، المهم أن تسخر جمالها وقوامها في جلب أكبر عدد من الزبناء. و لم يتقتصر الأمر على التحريض، بلغت الجرأة بالأم إلى استقبال أصدقاء هناء بالبيت وإعداد كل ما يلزم ل«البركة» وتتسلم عمولتها، لتدخل هي كذلك إلى ميدان الدعارة من باب الوساطة. أنس بن الضيف