لا يكاد يوم يمر دون تسجيل جريمة قتل تتصدر الصفحات الأولى للجرائد، مما يخلق نوعا من الاحساس بغياب الأمان لدى البعض. لكن جرائم القتل التي تحمل بصمة ضد الأصول تجعل من بعض الأسر تتوجس خيفة داخل منازلها من تحول الابن لقاتل. «ولدك قتل راجلك» عبارة ثقيلة تلقتها سيدة استوعبت في الحين أنها فقدت عزيزين في لحظة واحدة. لا أحد كان يعلم من تبكي المرأة بالتحديد بعد أن ذاع الخبر بين دروب حي النسيم التي اعتاد أهلها بين الحين والآخر الاستيقاظ على وقع مشادات كلامية، أو مشاحنات، لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بازهاق روح. تناقلت الجرائد خبر الواقعة، واختلفت التفاصيل التي جمعت الحقيقة ببعض المزايدات التي دفعت البعض للادعاء أن القاتل كان مدمنا على المخدرات القوية، وبين قائل أنه كان ابنا عاقا لوالديه اللذين تعرضا للكثير من الاعتداء الجسدي على يدي ابنهما.. كانت الروايات قابلة للتصديق ما دام الجميع يعتقد أنه لا يوجد إنسان سوي يمكنه الاقدام على جريمة قتل بحق أحد والديه، الا اذا كان غائبا عن الوعي، أو عاقا. لكن المقربين من الأم التي ذاقت مرارة فقدان الابن والزوج في نفس اليوم، يرون أن الابن لم يكن عاقا، ولم يكن مدمنا على المخدرات، لكنه كان يعاني من اضطرابات نفسية منذ كان مهاجرا باسبانيا، وأنه خضع لبعض جلسات العلاج التي لم تعد أمرا ممكنا عندما عاد للمغرب بسبب أوضاعه الاجتماعية، حيث كانت الأم المعيل الوحيد للأسرة بسبب مرض الزوج، وبطالة الابن الذي كان يطالب والدته كل يوم بمبلغ مالي من أجل اقتناء بعض الأقراص المهدئة، والسجائر. تكرر طلبات الابن كل صباح، دفع الأب لمحاولة زجره، لكن الابن دخل في حالة هيجان وهو يمسك بيده مقصا، استقر بطريقة ما بجسد والده ليسقط جثة هامدة. ملابسات القصة تتكرر في الكثير من الجرائم التي يذهب الأصول ضحية لها بسبب مشاحنات تؤججها أوضاع اجتماعية لعائلات يعيش أغلبها على الهامش داخل المدن الكبرى التي يرى فيها الاختصاصي في الأمراض العقلية والنفسية عبد الله زيوزيو مكانا لتكاثر الجريمة بغض النظر عن مقترفها، وهو ما يجعل علماء الاجتماع في كل أنحاء العالم يتنبؤون بارتفاع معدلات الجريمة داخل مناطق محددة. ومن الأمور التي يتم تسجيلها أن الكثير من المدن المغربية تتجه لتصبح مدنا مليونية، بعدما كان الأمر حكرا على العاصمة الاقتصادية. ويفسر زيوزيو دور المدن المليونية في إحداث مناخ مساعد على ارتكاب الجريمة، من خلال إشارته للعلاقة بين العشوائية في التخطيط للفضاءات، وتداعياتها على شخصية الساكنة المحرومة من نمط عيش كريم، ومن غياب فضاءات للتعلم، وممارسة الرياضة، واكتساب مهارات تصرف الطاقة الزائدة التي يتميز بها الشباب، وهو ما ينعكس على نفسيتهم داخل المدارس ليصبح العراك والعنف بين المراهقين والشباب وسيلة التعبير الوحيدة التي من شأنها خلق اختلالات، أو اعتماد العنف المفرط كطريقة عيش. وأشار الدكتور زيوزيو أن الكثير من المظاهر الاجتماعية السلبية مثل تناول المخدرات، والعنف داخل المدارس، وأوقات الفراغ الغير مقننة… تنتشر داخل المدن الكبرى التي يتحفظ المختص النفسي عن تسميتها بالمدن، « أعتقد أن المدينة تحيل على التمدن، والتحضر، لكن جميع المؤشرات الحالية تشير أن ما يصطلح عليه مدن كبرى، هو في الواقع تجمعات كبرى تضم ما يشبه القرى وسط المدينة، وهذا ما يفرز العديد من المظاهر الاجتماعية السلبية التي ترفع من وتيرة الاجرام… منذ سنوات كان من الممكن للشخص أن يجد مراحيض عمومية، لكن للأسف تم هدمها دون تعويضها بمراحيض أخرى، هذا مثال بسيط أن مظاهر المدنية تتراجع، لتعوضها مظاهر اجتماعية سلبية لا علاقة لها بالتحضر والتمدن» يقول زيوزيو الذي يرى أن تجاوز المظاهر الاجتماعية السلبية رهين بإعادة النظر في مفهوم التمدن، من خلال إعادة الهيكلة. بانتظار تفكير “أهل الاختصاص” في إعادة الهيكلة، تعيش العديد من الأسر على هامش التمدن “المزعوم”، كما هو الحال لصفية التي تعيش بقلب الدارالبيضاء وسط بيت آيل للسقوط. «للأسف أنا مضطرة للبحث عن لقمة يومي رفقة زوجي، وفي نفس الوقت أضع يدي على قلبي لحين عودتي للمنزل مخافة أن أجد ابني يوما قد وقع في فخ الادمان، أو الأقراص المهلوسة» تقول الأم التي تعبر كل يوم أزقة عتيقة أصبح أطفالها ومراهقوها يفتخرون بانتمائهم لأحياء تعرف بعواصم القرقوبي. يتغذى خوف صفية على عناوين القتل التي تتناقلها الألسن، ووسائل الإعلام التي تربط بين حبوب الهلوسة، وقتل الأصول، « أراقب ابني بطريقة تشعرني بالضيق، لكنني مجبرة على ذلك، لأنني لا أريد أن أكون كباقي الآباء الذين قتلوا على يد أبنائهم “المقرقبين” »، تقول الأم التي ترسخت في ذهنها فكرة النهاية المأساوية مع وجود ابن مدمن على أقراص الهلوسة داخل أسرة ما… سكينة بنزين