اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    المغرب: ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال خطوة مضيئة في النضال الوطني    نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ترفض تهريب قانون الإضراب للبرلمان    100 فاعل سياحي من إسبانيا والبرتغال يكتشفون جهة الداخلة وادي الذهب    2024.. أول عام تتجاوز فيه الحرارة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة    المغرب يحطم رقمه القياسي باستقبال 17,4 مليون سائح في 2024    سلطات الجزائر ترفض دخول "مؤثر" رحلته فرنسا إلى بلده    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    ارتفاع حصيلة قتلى حرائق لوس أنجلس    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ملفات ساخنة لعام 2025    مندوبية السجون تكشف حصيلة انتشار بوحمرون بين السجناء    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    ارتفاع حصيلة الحرائق في لوس أنجليس    جبهة الدفاع عن الحق في ممارسة الإضراب تدعو لمسيرة احتجاجية وطنية بالرباط    اتحاد طنجة يعلن فسخ عقد الحارس بدر الدين بنعاشور بالتراضي    السلطات تمنع جماهير حسنية أكادير من التنقل إلى الزمامرة لمساندته أمام نهضة الزمامرة    كأس الكونفدرالية: تحكيم بوروندي لمباراة نهضة بركان ولواندا سول الجنوب إفريقي    الذهب يتجه لتسجيل أقوى أداء أسبوعي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    تاونات : إنشاء مشروع مهيكل يروم تقوية منظومة إنتاج وتوزيع الماء الشروب    اكتشاف حطام سفينتين أثريتين قبالة ساحل الجديدة يعودان للقرن التاسع عشر    رقم معاملات التجارة الإلكترونية يبلغ 22 مليار درهم بزيادة سنوية تقدر ب 30 في المائة    نقابيو الجماعات الترابية يضعون مهلة نهائية للحوار ويهددون بالاحتجاج    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    بسبب مذكرة اعتقال نتنياهو.. مجلس النواب الأمريكي يصوّت بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية    النظام الجزائري يثير التوترات مع تركيا باستقباله انفصاليين أكراد في تندوف    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    عمدة فاس يكشف عن خطط لإطلاق شبكة حافلات حديثة ذات مستوى عالٍ من الخدمات    كيوسك الأربعاء | المتصرفون المغاربة يطالبون بإصلاح نظام الوظيفة العمومية    ترامب يكشف عن رغبة بوتين في لقائه قريباً    فضيحة تُلطخ إرث مانديلا... حفيده "الرمز" في الجزائر متهم بالسرقة والجريمة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. إيفرتون يفك الارتباط بمدربه شون دايش    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    قيس سعيد يزيد عزلة نظامه.. تونس وموقعها من قضية الصحراء؟    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    ولد الرشيد يؤكد على أهمية البعد البرلماني في مواكبة دينامية العلاقات المغربية – الفرنسية    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    سكان حي المطار بالجديدة يطالبون بإحداث مؤسسات تعليمية لسد الخصاص التعليمي    آباء و أمهات تلامذة مدرسة ابن حمديس بآزمور تطالب بإعادة الاعتبار للواجهة الرئيسية لدخول التلاميذ    عملية أمنية محكمة: توقيف مشتبه به متورط في سرقة أربعة محلات تجارية بطنجة    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    الموسيقار محمد بن عبد السلام في ذمة الله    في كتاب صدر حديثا بعنوان:« القصة السرية لجزائري أصبح عميلا» .. صديق الرئيس تبون يحكي عن ترتيب لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد!(1)    تسجيل 41 حالة إصابة بداء بوحمرون بعدد من المؤسسات السجنية    وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    أخذنا على حين ′′غزة′′!    "بوحمرون" يغزو أسوار السجون ويفتك بالنزلاء    مندوبية: رصد ما مجموعه 41 حالة إصابة بداء الحصبة بعدد من المؤسسات السجنية    حول الآخر في زمن المغرب ..    تايلور سويفت تتصدر مبيعات بريطانية قياسية للموسيقى    533 عاماً على سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام فى الأندلس    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيلم المغربي “أياد خشنة” من توقيع محمد العسلي: بلاغة الشعر دون مبالغة أو افتعال
نشر في أكورا بريس يوم 14 - 01 - 2012


بقلم: أمير العمري: موقع مجلة “عين على السينما”
لعل الرد البليغ على أفلام “القضايا الكبرى” التي يغرم بها الكثير من المخرجين السينمائيين في العالم العربي، أي تلك الأفلام التي يعتقدون أنها تتناول قضايا الواقع التي تمس الجماهير العريضة مسا مباشرا، أو التي توجه نقدا سياسيا أو هجاءا عنيفا للطبقات الحاكمة، جاء ممثلا في الفيلم المغربي البديع “أياد خشنة” للمخرج محمد العسلي.
من بين الأفلام المغربية الخمسة التي شاهدتها أخيرا، يبرز هذا الفيلم بوجه خاص، لأنه يبتعد ابتعادا كليا عن استعراض العضلات، في الأسلوب والحكي ومنهج المونتاج، وهو ما يقع فيه فوزي بن سعيدي في “موت للبيع” مثلا مما يفقده هويته ولا يشبع المتفرج اكتفاء بالتوقف فقط امام مشاهد منفصلة مقصودة في تصميمها وبناء الحركة والصورة فيها في حد ذاتها.
يبتعد فيلم العسلي ايضا عن تلك “الواقعية الجافة” شبه التسجيلية التي اعتدنا عليها وشاهدناها كثيرا والتي عادت إلينا في فيلم المخرجة ليلى كيلاني “على الحافة”، والتي أصبحت سمة مميزة ل”السينما الفقيرة”، بحيث أصبحت تقصد أيضا في حد ذاتها، للتأكيد على الانتماء ل”العالم الثالث” كما لو كان الشكل الروائي الاحترافي المتماسك الأكثر طموحا والمتشبع بالخيال الخاص للمخرج، يجب أن يكون قاصرا على سينما البلدان الغنية، تلك النظرية أصبحت في حاجة كبيرة إلى المراجعة اليوم، وهي من المخلفات الفكرية القديمة، من الستينيات، للناقد الفرنسي جي انيبيل الذي ترك تأثيرا لاشك فيه على سينمائيي المغرب العربي ربما لايزال قائما حتى اليوم.
ولا صلة بالطبع لفيلم “أياد خشنة” بالفيلم المغربي “النهاية” لهشام لعسري، في طابعه التجريدي الذي يرضي النزعة التجريبية لدى مخرجه الشاب، لكنه يطرح أيضا سؤالا يتعلق بهوية اللغة السينمائية المستخدمة فيه، وبالتأثرات الشكلانية الكثيرة التي يمكن أن نلمحها بين ثناياه.
البساطة الظاهرية
إن فيلم “أياد خشنة” يبدو من الناحية الظاهرية أو على المستوى الأولي، فيلما بسيطا، يصف أكثر مما يحلل، ويتأمل بدلا من أن ينتقد بشدة، لكنه على المستوى الأكثر عمقا في الرؤية، نكتشف أنه عمل شديد التعقيد، سواء من ناحية دراسته الممتعة للشخصيات التي يقدمها والتي تنبض بالحياة ولا تٌختصر في مجموعة من الرموز الساذجة مثلا (لا توجد هنا إشارات إلى صراع أجيال، أو السلطة والناس، والعسكر والحرامية، تلك الثنائيات المبسطة التي كانت ولاتزال تغوي الكثير من السينمائيين).
إنه فيلم متميز في تصويره الموحي الجميل، ونسيجه الفني الذي يستخدم تقنيات المونتاج التي يطوعها المخرج لكي يعبر من خلالها عن رؤيته الساخرة، وعن موقف من الواقع نفسه، مع وجود الكثير من الإشارات الكامنة- الظاهرة، التي تشير إلى التناقضات الطبقية، وإلى فساد السلطة، وإلى الوضع الاجتماعي البائس لسكان المدن الكبيرة في المغرب (الدار البيضاء هي النموذج هنا)، وإلى العلاقة بين الرجل والمراة من منظور جديد مختلف يبتعد عن الفولكولور والنمطية، كما يقترب من موضوع الطرد الاجتماعي الذي يؤدي الى التكالب على الهجرة الى الغرب فرارا من واقع بائس (إلى إسبانيا تحديدا هنا)، بالاضافة إلى ما يشير إليه عنوان الفيلم نفسه “أياد خشنة” إلى ذلك الاستغلال البشع من جانب الغريب الآخر، للقادم من الخارج لانتقاء النساء اللاتي يصلحن لمزاولة العمل في مزارع الريف الاسباني شريطة أن يكن متزوجات ولديهن أطفال أيضا ضمانا لعدم تزوجهن من اسبان أو مقيمين من العرب المهاجرين بحيث يتمتعن بعد ذلك، أو يطالبن بحق الإقامة وربما أيضا الجنسية فيما بعد.
تحايل على الواقع
هناك مثلا حكاية تلك المعلمة “آمال” التي تعمل في إحدى المدارس الخاصة في المدينة والتي ترتبط بالخطوبة مع شاب تركها وهاجر للعمل في اسبانيا تحاول هي بشتى الطرق اللحاق به، فتلجأ إلى “مصطفى” لكي يجد لها حلا عن طريق تزويدها بشهادة زواج مصادق عليها.
ومصطفى هو ذلك الشاب الذي يعمل حلاقا، يطوف مع مساعده بصحبة عازف مسن على آلة القانون من جيل انقضى عهده، يحلق لكبار المسؤولين السابقين والوزراء الذين تقاعدوا، ومنهم ذلك الوزير الذي فقد القدرة على النطق وعلى التحكم في جسده وأصبح مشلولا يجلس على مقعد متحرك، تتحكم فيه زوجته القوية المسيطرة ذات النفوذ، التي تستخدم شبكة علاقاتها مع المسؤولين في الدولة من أجل الحصول على مكسب شخصي مباشر اي أنها ضالعة في آلة الفساد الكبيرة.
مصطفى يمدها بالكثير من الملفات التي يحتاج اصحابها الى خدمات من هذا النوع الذي تطلبه “آمال” المعلمة الشابة الباحثة عن الآمان الشخصي ولو خارج البلاد، عن طريق شهادات مزورة لكن “هكذا تسير الأمور”(شعار الواقعية الجديدة الايطالية بالمناسبة)، طبقا لمنطق العرض والطلب، فصعوبة التحقق تخلق الاحتياج للحلول، وهناك من هم جاهزون لاستغلال تعقيدات الواقع للإثراء بطرق غير مشروعة.
لكن المطلوب من “آمال” ليس فقط ما يثبت أنها متزوجة وتعول أطفالا بل لابد أن تصمد أمام لجنة الفحص المباشر التي تفحص أيادي النساء المتقدمات حتى تتأكد أنها من تلك “الأيادي الخشنة” للفلاحات اللاتي يستخدمن أيديهن في العمل في الحقول.
تبذل آمال كل جهدها من أجل اتلاف بشرة يديها حتى تثبت أنها فلاحة أصيلة، لكنها تفشل في ذلك أمام اللجنة الاسبانية التي تتشكك في حقيقة يديها فتلجأ إلى فحص قدميها أيضا في مشهد شديد الدلالة على تلك المهانة التي يتعرض لها الانسان من اجل مغادرة وطنه للعمل في مهن اقرب إلى السخرة بعد ان عجزت الدولة عن توفير العدالة الاجتماعية.
بعيدا عن الأيديولوجية
لكن هذه الأفكار جميعها لا تأتي إلينا من خلال خطاب أيديولوجي عالي النبرة، يوظف الحالة السياسية والتدهور الاجتماعي لكي يصنع منه قطعة سينمائية هجائية، بل من خلال أسلوب رقيق، وطابع إنساني متفائل ناعم، ونسيج يتدفق في هدوء ونعومة من خلال ما ينشأ من علاقة عاطفية بين مصطفى وآمال.
مصطفى هنا ليس نموذجا شريرا، رغم استفادته الشخصية من مآس الناس ومشاكلهم، فهو يقدم لهم بطريقته الخاصة، خدمة جليلة عن طريق التوسط لحل مشاكلهم، كما أنه يتحايل من أجل البقاء في مجتمع ضار، ويؤكد الفيلم من خلال التكوينات أو الميزانسين في مشاهد اللقاء بينه وبين تلك السيدة المسيطرة زوجة الوزير السابق، على هامشيته وضعفه وكونه مجرد ترس صغير جدا في عجلة الفساد.
لا يوجد في هذا الفيلم من الشخصيات الشعبية البسيطة من هو مدان، أما الشخصيات التي تمثل الطبقة الأخرى الأعلى، فيتم تقديمها بروح كاريكاتورية فيها الكثير من السخرية أكثر مما فيها من إدانة أو تجريح، بل وحتى ذلك الوزير المشلول الذي يشير على نحو ما، إلى عجز السلطة العتيقة، يبدو في احد المشاهد وكأنه يتعاطف مع مصطفى وآمال عندما يشير لهما بالتحية أثناء توقف سيارتهما أمام قصره في يوم العرس.
وكما تسير القصة في خطوط بسيطة رغم عمقها الكبير، ينتهي الفيلم نهاية متفائلة عندما تدرك آمال أن بوسعها تحقيق أحلامها البسيطة في الزواج من رجل يحبها ويحترمها، بل ويحقق لها حلمها الشخصي المباشر المتمثل في ركوب سيارة مكشوفة حمراء (يتحايل مصطفى لكي يحصل عليها) يزفونها معه فيها وهي تجلس بجواره مثل أميرة.
شخصيات مدروسة
يعتمد محمد العسلي أولا على سيناريو جيد، لا مجال فيه لأي استطرادات أو تنميط، بل يحتوي أساسا، على شخصيات محدودة العدد، مدروسة بعناية ودقة، وانتقال بين الأحداث والأماكن والشخصيات، في تناسق بديع مثير للإعجاب، وانسيابية في السرد، واستخدام فني للمونتاج خاصة في مشهد الحلاقة الأول في الفيلم الذي نرى فيه انتقالات سريعة في لقطات قريبة على خلفية موسيقى القانون، من يدي الحلاق إلى وجهه، إلى رأس الزبون المسن الصامت، إلى أوتار القانون، إلى مقص الحلاق.. في تراتب بديع مع الايقاعات الموسيقية المتتالية، وهو مشهد ساخر لا يحتاج إلى شرح أو تعليق.
ويجعل العسلي بطلي فيلمه، آمال ومصطفى، من الشخصيات العادية البسيطة التي نراها يوميا في الشارع، فيختار ممثلا وممثلة (محمد بسطاوي وهدى الريحاني) لا يتمتعان بوسامة خاصة أو جمال ما، ولكن بقدرة هائلة على الأداء السهل السلس البسيط المقنع الذي يرتدي الشخصية تماما ويذوب في داخلها. ولعل تلك البساطة في الأداء هي ما أضفى سحرا على هذا الفيلم الجميل.
جدير بالذكر هنا الاشارة الى أن العمليات الفنية الأساسية في هذا الفيلم من تنفيذ فرنسيين مثل التصوير والمونتاج والموسيقى والصوت. والأمر نفسه بالضبط ينطبق على الأفلام المغربية الأخرى التي تطرقنا إليها وهي “على الحافة” و”النهاية” و”موت للبيع”.. وهذه إحدى المشاكل الكبيرة التي تواجهها السينما في المغرب أي ندرة التقنيين السينمائيين المؤهلين القادرين حتى الآن,


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.