يوسف الشويري الانتقال الديمقراطي في المملكة المغربية جاء في هذا السياق الذي أصبح يعرف ب “الربيع العربي”، وطرح علامة تساؤل كبيرة حول جدية الملكيات العربية باحتضان الديمقراطية من جهة، ومدى قدرتها على المضي في هذا الاتجاه من دون أن تعرض مؤسساتها للانهيار من جهة أخرى. وإذا عاينا الحالة المغربية، نلاحظ أن تعديل الدستور جاء علاوة على سياقه العربي الراهن، نتيجة تاريخ طويل للملكية المغربية، حيث إن شرعيتها تبدو في هذا المجال أشد رسوخا وأعمق جذورا من ملكيات عربية أخرى، وتمتاز اضافة إلى ذلك بالقدرة على التجاوب مع المطالب الشعبية أو أخذها بعين الاعتبار ومن ثم الارتقاء بها إلى جزء من السياسة العامة للدولة. وهكذا، وجدنا في الماضي القريب انبثاق مبدأ »التناوب التوافقي« الذي تلقفته الملكية، وحولته إلى فضيلة من فضائلها. وكان بهذا المعنى خيارا للالتقاء بالحد الأدنى من المطالب الحزبية والنقابية، وشكل نوعا من المشاركة أو الشراكة بين الملك والأحزاب المغربية ذات التعدد الايديولوجي والبرامج السياسية. ثم حمل الدستور المعدل الجديد معنى آخر، فانتقل بالبلاد من مرحلة الحرية السلبية إلى مرحلة الحرية الايجابية. وهي وإن كانت لا ترقى إلى مستوى »الملكية البرلمانية« في عرف الورقة المقدمة، فإنها تفتح الطريق أمام إمكانية الانتقال الديمقراطي إذا ما توافرت ظروف موضوعية جديدة. كما تطرح الورقة أيضا إمكانية الانتقال الديمقراطي هذا بالنسبة إلى الملكيات العربية الأخرى. نرحب بكم مرة أخرى، وكما عهدتم المركز في حلقاته السابقة، سيكون النقاش حرا، ومفتوحا من دون قيود، ما عدا ما تقتضيه أصول النقاش وحق إبداء الرأي. أريد أن أقدم ملاحظتين للنقاش: الملاحظة الأولى هي أنني لاحظت أن هناك نوعا من المراهنة علىِ تأهيل الملكية في المغرب، وعلى تأهيل طبقة جديدة أيضا، ويعني ذلك أنها مهمة تاريخية طويلة قد تحدث، وقد لا تحدث. الملاحظة الثانية هي أنه يبدو أن ديمقراطية المغرب ديمقراطية مؤجلة حتى نصل إلى تأهيل الملكية وتأهيل الطبقة الجديدة. وقد تذكرنا هذه الآراء بما سمعناه من قبل في ظل الأنظمة العسكرية من أن لا بد من تأجيل الديمقراطية حتى تنضج الظروف ويحين الوقت لتبني الديمقراطية. في المحصلة، يبدو أن هناك ديمقراطية مؤجلة، إلا أننا يجب أن لا ننزلق إلى رأي نظام يتبنى هذه الديمقراطية المؤجلة، سواء أكان النظام ملكيا أم جمهوريا، لأن هذه المماحكات كنا قد سمعناها من قبل في ظل الأنظمة العسكرية، وكانت الغاية منها تأجيل الديمقراطية عاما بعد عام، بذريعة الانتظار حتى ينضج الوضع الاجتماعي والوضع الاقتصادي والوضع الدولي ويتم تحرير فلسطين. وبقينا في ظل هذه الأنظمة عقودا من الزمن ولم نحقق شيئا ولم نحرر فلسطين ولم نحصل على الديمقراطية. هذه وجهة نظر هدفها فتح باب النقاش، ولا ندعي أن الورقة تحمل هذا الرأي فقط، بل ننبه إلى أن بعض المقولات غير المبلورة قد توحي بهذا الاستنتاج أو تؤدي إليه. ولذلك أتمنى أن ننتهي إلى استنتاج آخر. 1 – نيفين مسعد بداية، أود أن أحيي د. عبد الإله بلقزيز على هذا التناول الشامل والموضوعي إلى حد كبير للتعديلات الدستورية الاخيرة في المغرب وأود تسجيل مجموعة الملاحظات الآتية: أ – كشفت الثورات والانتفاضات العربية عن بروز قوة الجماعات الدينية على اختلاف توجهاتها. ورغم أن د. بلقزيز أشار إلى وجود قوى سياسة ومجتمعية نقابية وغيرها في المغرب على نحو يقلل من وزن الجماعات الدينية، إلا أنني أتصور أن قضية العلاقة بين الدين والدولة ستفرض نفسها على المغرب أكثر من أية دولة عربية حدث فيها حراك سياسي حتى الآن، والسبب في ذلك أن الملك يقدم نفسه بوصفه أميرا للمؤمنين، أي يؤسس شرعيته على أساس ديني. ومن هنا، يمكن القوى الدينية بسهولة أن تنازله على ساحته نفسها، وتنازعه في شرعيته من منظور إسلامي. ب – تحدث د. بلقزيز عن عدم جاهزية البيئة المغربية للملكية البرلمانية، وهذه مقولة استخدمها الحكام ضد شعوبهم بتنويعات مختلفة، على أساس أن الشعوب غير جاهزة لتحكم نفسها. ومع إقراري التام أن كل فكرة سياسية تحتاج إلى بيئة حاضنة لها، إلا أننا لا ينبغي أن نتجاهل أن الحكام هم الذين حرصوا على تجريف هذه البيئة، ثقافيا ونخبويا، بمعنى أنها لم تنشئ شعوبها على قيم الممارسة الديمقراطية، ونكلت في الوقت نفسه بكل عناصر النخبة التي كانت تتوسم فيها القدرة على منافستها، وبالتالي فما لم تتقدم المؤسسة الملكية على طريق تثقيف الناس ديمقراطيا، وتشجيع المنافسة السياسية الحقيقية، لا المزيفة، كما يحدث من خلال استحداث أحزاب كرتونية قبيل كل انتخابات تشريعية، أقول ما لم يحدث ذلك، فستظل مقولة عدم جاهزية البيئة المغربية للانتقال من الملكية غير البرلمانية إلى الملكية البرلمانية سائدة للأبد. ج – اعتبر د. بلقزيز أن الدستور يتضمن عدة ثنائيات متناقضة، وهذا صحيح في ما يخص النص على إسلامية الدولة ومدنيتها في الوقت نفسه، لكن لا أعتبره صحيحا في ما يخص التعامل مع الأمازيغية كلغة رسمية، جنبا إلى جنب مع اللغة العربية. فالاعتراف الدستوري المغربي بالأمازيغية يعد في تقديري أحد أهم ايجابيات التعديلات الأخيرة، لكونه يتضمن إقرارا بالتعددية الثقافية في المغرب وتقديرا لثقافة ما يقترب من نسبة 25 بالمئة من السكان في المغرب. د – أشار العرض الذي قدمه الدكتور عبد الإله بلقزيز إلى التأثير المحتمل للمغرب في الجزائر، وأنا أريد أن أسأل عن التأثير المحتمل للتطور في كل من تونس وليبيا في قدرة الملك محمد السادس على التحكم في وتيرة »الإصلاح السياسي«، وتجنب الشعار الجذاب للشعوب العربية وهو »الشعب يريد إسقاط النظام«؟ هذا طبقا بخلاف التأثير المحتمل لعموم التغير الحاصل في الوطن العربي؟ ه – تقتضي الأمانة العلمية الاشارة إلى تطورات مغربية مهمة على المستوى الدستوري، من قبيل إفراد موقع معتبر للمعارضة السياسية، والمناصفة بين الرجل والمرأة والتعزيز النسبي لصلاحية البرلمان ورئيس الوزراء المختار لتولي منصبه من واقع كونه رئيس الحزب صاحب الأغلبية الانتخابية. وتلك نصوص دستورية اعتبرها متقدمة، ونحن في مصر في صميم الجدل حول الدستور الجديد. 2 – فواز طرابلسي لدي عدد من الملاحظات: أ – إن الورقة لا تضيء بما فيه الكفاية العلاقة بين التنفيذي والتشريعي في الاصلاحات وفي الدستور الجديد. ب – لم تتطرق الورقة بما فيه الكفاية إلى موقع الملك، بما هو أمير المؤمنين في الدستور والمؤسسات والنظام السياسي. إن وجود مصدر أوحد للإفتاء يرأسه رأس السلطة يحول المؤسسة الدينية إلى مؤسسة تختلف تماما عن المألوف في الدساتير العربية القائمة على ثنائية المرجعية الدينية – المدنية. في هذه الحالات، إما أن يخضع تأويل الشريعة في الشؤون المدنية إلى السلطة السياسية، وإما أن ينتج من التفاوض والتوازن بين المرجعية الدينية والمرجعية المدنية. في حالة المغرب تتجسد المرجعية الدينية في الملك، الذي هو رأس السلطة المدنية وأمير المؤمنين في آن معا، أي أنه أشبه ب »»مرشد الثورة« «في الجمهورية الاسلامية الإيرانية، المهيمن على السلطة التنفيذية والتشريعية والأمنية والقضائية. ج- يبدو لي أن الدستور المعدل مايزال يغلب السلطة التنفيذية على السلطات التشريعية. فالملك مايزال يرأس مجلس الوزراء، ويسمي رئيس الوزراء والوزراء، وله حق إقالة الوزراء فرديا وجماعيا، بالتشاور – التشاور فقط – مع رئيس الوزراء، فيما الأخير لا يحق له إعفاء أحد الوزراء إلا بعد العودة إلى الملك. وللملك الحق أيضا في حل البرلمان. أخيرا وليس آخرا، الملك هو رئيس مجلس الأمن الأعلى. فأين التوازن بين السلطتين؟ وإلى أي مدى نجحت المعارضة في أن تُحدث توازنا بين السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب والسلطة التنفيذية، حيث الطرف الرئيسي والغالب فيها هو ممثل الحكم السلالي الوراثي الذي يستمد شرعيته من النسب الشريف والمرجعية الدينية؟ أعتقد أن هذا هو الموضوع الأهم لقياس مدى ما تحقق في مضمار الملكية الدستورية. د- لدي فضول لمعرفة المزيد عن حركة 20 فبراير بذاتها، خصوصا من حيث تركيبها الاجتماعي والعمري ومناخها الفكري… إلخ، بغض النظر عما إذا اعتبرناها تيارا راديكاليا أم لا، لأننا نجهل دائما الأطراف الأكثر جذرية في كل حركات الاحتجاج العربية الحالية، خصوصا الشبابية منها. ه- أضم صوتي الي صوت د. نيفين مسعد في التشديد على أهمية اعتراف الدستور بالمكونات المختلفة لشعب المغرب، وتنوعها الإثني والثقافي واللغوي، وهو درس بليغ عسى أن تقتدي به الجزائر مثلا. و- الحالة المغربية ليست استثناء في النقاش الدائر عربيا حول طبيعة النظام الديمقراطي ومؤسساته وطرائق الانتقال إليه: هل أن الأساس في الديمقراطية هو التعددية السياسية والإعلامية، بحسب النموذج الليبرالي الأمريكي، أم هي تطبيق لمبدأ السيادة الشعبية؟ هل هو تغليب للسلطة التنفيذية على التشريعية أو تغليب للسلطة التشريعية على التنفيذية؟ هل تتلخص الديمقراطية في تغيير رئيس دولة مطلق الصلاحيات برئيس دولة آخر مطلق الصلاحيات، أم هي في إجراء تعديلات جذرية في صلاحيات ر ئيس الدولة أصلا، بل في إنشاء نظام برلماني أو نظام رئاسي – برلماني يقوم على مبدأ الرقابة والتوازن بين مؤسستين صادرتين عن الاقتراع العام؟ يجب أن تشكل هذه الأسئلة بوصلة البحث ومقياس الحكم على تفكيك النظم الاستبدادية والانتقال الى الديمقراطية. ز- درجت عادات غريبة ومستأصلة في نقد عدم أهلية مجتمعاتنا للديمقراطية لأسباب تتعلق ب «الثقافة» أو «»الوعي« «لست أعتقد أن الفلاحين والحرفيين الفرنسيين (في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وقبلهم الإنكليز في القرن السابع عشر) هم الذين فرضوا نهاية النظام الملكي، ومبدأ الاقتراع العام، قاعدة الديمقراطية، أو كانوا أرقى «»ثقافة»« وأحد «»وعيا« «من العرب الحاليين. والحجة حول عدم الأهلية الثقافية، إن هي إلا حجة استشراقية تتغذى من عقدة نقص أكثر من المعرفة التاريخية. ومهما يكن، فقد جاء الجواب على نظريات «»العجز الديمقراطي»« و»»الاستثناء الإسلامي»« لدى العرب، بواسطة عشرات الملايين من العرب والمسلمين في الشوارع يطالبون بالديمقراطية الآن. فلابد من دراسة كيف تصحح الممارسات الثورية من سوانحنا ومقولاتنا، أفكارنا وتصوراتنا. أكتفي بمقولة المجتمع المدني/الدولة التي مللنا تردادها. فإذا الثورات تصدح بمعادلة مختلفة كليا لم نسمع بها منذ ربع قرن على الأقل: الشعب يريد إسقاط النظام. ألا يستحق مصطلحا «»شعب»« و»»نظام»« دهشة التساؤل والكثير من التأمل؟ 3 – يوسف مكي ابتداء، خالص الشكر للدكتور عبد الإله بلقزيز على ورقته القيمة. لقد قدم قراءة تحليلية تاريخية لتطور الحركة السياسية المغربية المعاصرة، مركزا بشكل خاص على المسار الديمقراي وصناعة الدستور. والورقة مكثفة وغنية بالمعلومات والتحليل والمقارنات والمقاربات، وقد تعلمت كثيرا منها. تابعت بتمعن المناقشات التي دارت حول الورقة. وأكثر ما استوقفني فيها أمران دارت حولهما مناقشات طويلة: الأمر الأول هو غلبة القراءة السياسية في ورقة د. بلقزيز على التحليل الاجتماعي. والأمر الثاني تركيز التحليل على الشروط التاريخية لنجاح الملكية النيابية التي يأتي في المقدمة منها وجوب بروز الحامل الاجتماعي للتحول الديمقراطي، وتوفر بيئة ملائمة وموروث ثقافي يسمح بهذا التحول. في الأمر الأول، قارب بعض المتدخلين ورقة د. بلقزيز من حيث إنها ركزت على التحليل السياسي، وليس الاجتماعي، ورأوا في غياب التحليل الاجتماعي فيها قصورا في هذا المجال. وأعتقد أن مثل هذه المقاربة للورقة تفتقر الى نقطتين: النقطة الأولى أن د. بلقزيز هدف في ورقته إلى مناقشة حدث بعينه، هو التحول الديمقراطي في المغرب في تفاعله مع الأحداث الدراماتيكية والعاصفة الي ارتبطت بالربيع العربي في عدد من البلدان العربية. وهذه الأحداث، بغض النظر عن التراكمات والظروف التاريخية التي حكمتها، هي سياسية بامتياز، ولا مندوحة عن قراءتها في هذا السياق. وذلك أمر طبيعي، فلحظة التحول في جل الثورات الإنسانية، بما فيها الثورات الاجتماعية الكبرى، هي لحظة فعل سياسي، أيا تكن الدوافع أو النتائج التي تتمخض عنها. والنقطة الثانية، ليس من الإنصاف القول إن ذ. بلقزيز غيب تماما التحليل الاجتماعي، فقد كان ذلك حاضرا بوضوح في القراءة التاريخية التي قدمها، على أن طبيعة الموضوع ذاته فرضت طغيان التحليل السياسي، وتركيز الباحث على الأدوار التي اضطلعت بها الأحزاب السياسية المغربية الرئيسية، وحركة 20 فبراير، في التطورات التي شهدتها البلاد، في مجال الدفع بمشاركة أوسع لشعب المغرب في صناعة القرار. الأمر الآخر، موضع الجدل في هذه الندوة، هو رؤية بعض المتدخلين بأن اشتراط وجود بيئة ثقافية تسمح بالتحول الديمقراطي، يمثل تماهيا مع الدعوات التي تطالب بتأجيل هذا التحول، بما يعني في نتيجته الاصطفاف مع مقولات أنظمة الاستبداد، في اعتقادي أن هذه المقولات تشكل خطرا على التحول الديمقراطي ذاته,وذلك أمر لسنا في حاجة إلى الاستغراق مطولا فيه، فلدينا محاولات جنينية للتحول الديمقراطي شهدتها مصر وسورية والسودان بعد الاستقلال مباشرة، وتم الانقضاض على تلك المحاولات. في السودان، بشكل خاص، تكررت محاولات الانتقال الى النظام الديمقراطي بعد انتفاضات ثلاث، أجريت بعدها انتخابات برلمانية، ما لبث العسكر أن قاموا بانقلاب ضدها (انقلابات عبود والنميري والبشير). وليس من تفسير مقبول لذلك سوى ضعف التشكيلات الاجتماعية، وغياب التراكم الثقافي الديمقراطي. والحال هذا، ينطبق الى حد كبير على الحالة السورية في مطلع الخمسينات، حيث شهدت البلاد ثلاثة انقلابات (الزعيم، الحناوي، والشيشكلي)، وعدت جميعها بتحول ديمقراطي، في بيئة هشة لم تكن في وضع يسمح لها بالدفاع عن مطلب الديمقراطية. وحتى إذا ما انتقلنا الى خارج الوطن العربي، فهناك الكثير من الأمثلة المماثلة، مثل تركيا ونيجيريا. ولن تكون إضافة كبيرة استعراض هذه الحالات. قيل إن تجربتي الهند وجنوب افريقيا تقفان بالضد من أطروحة التراكم لثقافة الديمقراطية. والواقع أن العكس هو الصحيح. وقد أشار د. بلقزيز في مداخلته الشفوية الى تجربة نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، ولا حاجة إلى المزيد. في التجربة الهندية، يمكن القول إن تراكم ثقافة الديمقرطية بدأ قبل الاستقلال عن الاستعمار البريطاني بعدة عقود، واستمر بعد ذلك حتى يومنا هذا. فقد وجدت في الهند أحزاب سياسية، كان حزب المؤتمر هو الأبرز بينها، وهناك انتخابات برلمانية ونقابات حرفية يعود تاريخ وجودها إلى ما قبل الاستقلال. في الجزء المعروف الآن بباكستان، لم يترسخ بعد انفصاله عن الهند ذلك التراكم، ولم تسهم البنية الاجتماعية في الدولة الجديدة بتدعيمه. وقد أدى تغول التركيبة القبلية فيها الى طغيان ترييف المدن، لينسحب ذلك على المكونات السياسية في البلاد. فكانت النتيجة انقلابات عسكرية متتالية وعودة متكررة، أيضا، للانتخابات النيابية في مسلسل لا تبدو له نهاية في المدى المنظور. والخلاصة أن القول إن التحول نحو الديمقراطية، في هذا المنعطف من التاريخ العربي، ليس من شروطه وجود تراكم ثقافي وبيئة اجتماعية ملائمة، هو أخر خطير، ربما يؤدي إلى انتكاسة هذا التحول. فمن يضمن عدم حدوث انقلابات عسكرية مرة أخرى، في البلدان التي شهدت موسم الربيع العربي، ما لم يجر تعزيز هذا التحول، وتتضافر جهود القوى الاجتماعية المؤمنة بهذا التحول على خلق حالة التراكم؟ وتبقى الورقة مساهمة علمية مهمة وإضافة نوعية لفهم سيرورة التحول الديمقراطي، وسياقات تطور صياغة الدستور في المغرب. 4 – فالح عبد الجبار الورقة غنية، تقدم الكثير مما نجهله عن المغرب وتطوره، ويتجلى غنى الورقة أيضا في أنها تثير وتحفز على الأسئلة والتفكير . لذلك، لدي نقطة ذات طابع عملي، و نقاط أخرى لها أبعاد نظرية – تاريخية. أ - تتعلق النقطة الأولى بالواقعية السياسية، أو فن الممكن، أين يبدأ الممكن، وأين ينتهي، وأين يبدأ التطرف او اللاواقعية، واين تنتهي اللاواقعية والتطرف؟ تصعب الإجابة عن هذا الأمر، ففي كل حالة ثمة مقاييس ومعايير قد تفيد في تحديد الخط الفاصل. في حالة المغرب المدروسة، استوقفني ما ورد من نقد لحركة الشباب، لانها طالبت بالحد الاعلى (الملكية البرلمانية) بإصرارها على انتخاب جمعية تأسيسية تتولى صياغة التعديلات الدستورية، بدل ترك التعديلات للنخب، اظن ان هذا المطلب بإحالة التعديلات الى هيئة منتخبة، بدل النخب القائمة، مطلب مشروع. ب – النظام الحالي نظام اوتوقراطي (بحسب ارسطو) أو باتريمونيالي (بحسب فيبر)، او سلطاني (بحسب اخرين)، وهو في رحلة انتقال وتحول نحو النموذج الديمقراطي، ومايزال في طور انتقالي. من هنا التضارب في الدستور بين ذكر «أمير المؤمنين» مقابل «الشعب مصدر السلطات». فالنظام الباتريمونيالي يقوم على التراث والدين، وتحوله نحو التحديث لابد من ان ينطوي على سمات القديم والحديث، اما أن الملك هو رئيس المؤمنين، مثلا، فهذا يذكرني بسيطرة ملوك انجلترا على الكنيسة، واعلان انفسهم رؤساء للكنيسة، كانت هذه خطوة نحو العلمنة، رغم أنها تنطوي على إمكان استخدام الدين لشرعنة الأوتوقراطية. ج – السؤال الذي تركز عليه الورقة هو سبل الانتقال من النظام الملكي الاوتوقراطي الى الملكي الديمقراطي – البرلماني، هناك طريقان معروفان: الارتقاء التدريجي، او القطع العنيف. هذا يحيلنا الي تاريخ اوروبا للمقارنة. النموذج الانجليزي هو نموذج تسويات، وانتقال متدرج انتزعت فيه صلاحيات الملك الكلية الواحدة بعد الاخرى، ان انتزع منه القضاء، ثم سلطة التشريع، واخيرا نزعت عنه السلطات التنفيذية، فاستحال رمزا. استغرق ذلك قرونا في اوروبا. وقد يستغرق وقتا طويلا في رقعتنا الحضارية، أما النموذج الفرنسي، الراديكالي القطعي، فقد انتهى الى الاضطراب المستديم، وبقيت فرنسا غير مستقرة قرنا او يزيد. باختصار، النموذج الانجليزي الارتقائي المتدرج اقرب الى عقلي وقلبي. ولكن في رحلة الانتقال هذه يتوجب اخذ و جهة المعترضين حول حدود الواقعية والممكنات، والميل إليها، وخصوصا في مسألة جوهرية: الاحتكام الى الجمهور بوسائل الاقتراع، لا الاحتكام إلى مماحكات نخب حول حدود الواقعية د – الورقة تشير جدلا، وستثير جدلا اكثر حول سؤال: من يبني الديمقراطية؟ هناك ثلاث نظريات في المسألة: تقول نظرية باريختون مور: طبقة وسطى – ديمقراطية، وثمة من يقول بإمكان نشوء الديمقراطية بوجود دولة ضعيفة (مثال انجلترا) لا دولة قوية (مثال فرنسا) كما ان هناك نموذج رأسمالية ديمقراطية. لذلك، لابد من مناقشة هذه الفرضيات كنماذج مثالية للمقايسة والمقارنة. ه – كلمة أخيرة عن الطبقات الوسطى والاقتصاد. الطبقات الوسطى في وطننا العربي كانت في طليعة حركات الاحتجاج الراديكالية في النصف الاول من القرن العشرين: في النصف الثاني منه تحولت الى «عبد» للدولة النفطية الريعية. وقد انقلبت بنيتها الداخلية، وصار المعتمدون على الراتب والوظيفة الحكومية يشكلون نحو 95 بالمئة من الطبقات الوسطى الحديثة. تجمع الطبقة السياسية بين السلطتين السياسية والاقتصادية في بلدان الريع النفطي، ولم يؤد انفكاك او اصلاح الحال، كما في مصر وتونس (مثلا)، الى تغيير الحال، فالنخب السياسية والنخب الاقتصادية المتحالفة اعادت ادماج السلطتين بعملية التفاف واحتيال. والسؤال هنا: ماهي السلطة الاقتصادية للملك وللاسرة المالكة؟ ماحالها؟ وكيف تؤثر في العملية الارتقائية الدستورية – السياسية؟ 5 -انطوان مسرة ابدي ثلاث ملاحظات حول الوثيقة والدستور اولا: الابعاد الثقافية يظهر في التجربة المغربية ثلاث قضايا أ – الاستجابة السريعة من قبل المغرب للمطالب الاصلاحية ب – الملكيات العربية، والملكيات بشكل عام، يقتضي مقاربتها من دون منمطات سلبية مسبقة. ويمكن الرجوع الى دراسة سابقة في الثمانينيات للدكتور سعد الدين ابراهيم صدرت في المستقبل العربي حول «»الشرعية في انظمة الحكم العربية««. ج – الحاجة الى ممارسة الحذر تجاه ذهنيات عربية تمارس النق والتشكي. هذا هو المدخل إلى أنظمة توتاليتارية تأتي وتعد الناس بمستقبل زاهر! المواطنية هي فعل، وليس مجرد تشك وتذمر. ثانيا: الأبعاد الدستورية يتضمن الدستور المغربي ايجابيات عديدة ويطرح بعض التساؤلات أ – الاقرار بالتعددية الثقافية واللغوية هو أمر ريادي على المستوى العربي والدولي. ب – يصعب على الذهنية العربية الخروج من مفهوم الدين والدولة، لكن مقدمة الدستور المغربي تنص صراحة علي الحقوق لصالح الجميع، بل فتح باب الاجتهاد في الشأن الديني. ج- التوكيل الالزامي للنائب Mandat impratifالوارد في المادة الرقم 61 يحتاج الى توضيح. د – تغيير القوانين بمرسوم بحسب المادة رقم 61 يبين بعض التشابك بين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية ه – صلاحيات المحكمة الدستورية تشكل ضمانة، بخاصة في مجال حق الدفع الوارد في الدستور و – كما أن الحق المعطى للمعارضة، دستوريا، يشكل جانبا ايجابيا ز – وكذلك مبدأ المناصفة بين الجنسين ثالثا: الأبعاد الاجتماعية يتطلب التحول الديمقراطي تنظيما دستوريا، وايضا مسارا على مستوى المجتمع للتحول الديمقراطي، بخاصة من خلال الجمعيات ووسائل الاعلام والعمل التربوي الثقافي. كل الثورات في التاريخ لم تغير، بل خلقت ديناميكية جديدة. اما التغيير العقلي فأتي ثمرة عمل ثقافي تربوي. كيف نبني مجتمعا ديمقراطيا؟ تبين الدراسات الميدانية ان العلاقات في البيئات التحتية في المجتمعات العربية علاقات سلطوية. ونحن لسنا جينيا كذلك لأننا عرب، بل كل شعوب العالم كذلك، اذ حصل في الغرب، في كل ما سمي عهود التحرر، سياق تربوي ثقافي. ان الديمقراطية عربية بدولابين: دولاب السلطة المركزية، ودولاب المجتمع الذي يشارك ويدعم ويراقب ويبادر… 6 – عبد الحسين شعبان شهد المغرب تحولا ديمقراطيا تدريجيا منذ أواسط التسعينات. وقد مثل ذلك ديناميكية خاصة في اطار عملية مستمرة متواصلة، بتراكم وتطور وتفاعل بين الحكم والمعارضة. و لعل التغييرات والثورات التي حصلت في الوطن العربي منذ مطلع العام 2011 سرعت في عملية التطور الدستوري الحالية، باقتراح دستور جديد، تضمن طائفة من الايجابيات المهمة التي تتمثل في بعض مطالب المعارضة، ولكنه في الوقت نفسه لم يخل من السلبيات والنواقص، الامر الذي سيكون تسليط الضوء عليه في هذه الحلقة النقاشية، ولا سيما مداخلة ذ. عبد الاله بلقزيز التي شكلت مادة اساسية لهذه الحلقة، واستطاعت اضاءة جوانب مهمة من التطور الدستوري المغربي. ويمكن مقاربة المسألة من زاويتين أساسيتين طرحتهما عمليات التغيير التي حصلت في العديد من بلدان العالم باتجاه التحول الديمقراطي، هل كان المطلوب يقوم على القطيعة مع الماضي, أم أنه جزء من صيرورة تتعلق بالاستمرارية والتواصلية والتراكم والتطور؟ ولعل التواصل كان عنوان التغيير الاساسي في المغرب، سواء عند دستور العام 1962بعد الاستقلال وتجاوز مرحلة الانقطاع الاستعمارية، او خلال عملية الانفتاح التي شهدها المغرب، والتي كان مفتاحها دستور العام 1996 واعتقد ان الخطوة الاستباقية باعداد دستور العام 2011 كانت الاكثر تقدما باتجاه الديمقراطية البرلمانية، وإن لم ترتق اليها، لكنها تحرث ارضية صالحة يمكن ان تؤدي اليها اذا ما حصل التراكم المطلوب. اعتقد ان التطورات الدستورية الثلاثة في المغرب كانت ثمرة مطالب المعارضة والحركة السياسية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني، من جهة، وارادة سياسية ملكية تم التعبير عنها بالتوافق على مطالب الاصلاح الدستوري من جهة أخرى. لذلك جاءت في كل المرات سلسلة وتراكمية وغير انقلابية. والأمر له علاقة أيضاً بموضوع المساءلة عن الارتكابات لحقوق الإنسان في إطار العدالة الانتقالية، خصوصاً ما يتعلق بكشف الحقيقة وتعويض الضحايا وجبر الضرر وإصلاح النظام القانوني. وقد سارت تجارب كونية أخرى باتجاه التواصلية والاستمرارية، كما حصل في أوربا الغربية في السبعينيات بعد القضاء على دكتاتورية سالازار في البرتغال، ووفاة فرانكو في إسبانيا، والتوجه نحو الديمقراطية في اليونان بعد حكم العقداء والانقلابات المتكررة. كما توجّهت أوربا الشرقية، ولاسيما بولونيا وهنغاريا، بشكل خاص، نحو الاستمرارية القانونية وعدم القطيعة وعدم المساءلة بأثر رجعي. ولعل تجربة جنوب افريقيا والشيلي، وقبلها الأرجنتين ودول آسيوية أخرى، اختارت هذا الطريق عبر تشكيل هيئات للعدالة والمصالحة، ولاسيما بعد المساءلة. وقد شكّل المغرب هيئة الإنصاف للمصالحة برئاسة المرحوم إدريس بن زكري الذي كان سجيناً لمدة 17 عاماً، والذي كان مثالا للنزاهة والتسامح والعقلانية. عشية التغييرات الكبيرة التي حصلت في دول أوربا الشرقية، وبُعيدها أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي، باشر الملك الحسن الثاني بإطلاق مبادرة للتقريب بين الحكم والمعارضة، فقد استشعر بحسّه أن المراوحة في أساليب الحكم السابقة ستعود على المغرب بالضرر، ولاسيما أن الأوان قد آن للتغيير في ظل بيئة عالمية مشجعة وظروف داخلية ضاغطة، خصوصاً بعد الدور الذي لعبه المجتمع المدني ومؤسساته وتنظيماته، بما فيها جمعيات حقوق الإنسان، فضلا عن القوى السياسية المعارضة بكافة تياراتها وألوانها. لقد أدرك الملك أن التغيير أصبح قاب قوسين أو أدنى، فإن لم يأتِ تراكمياً، وتدريجياً، فإنه سيأتي عاصفاً ومدوياً، وإن لم يكن داخلياً، فسيكون للخارج دور غير قليل، وإن لم يحصل في ظروف انفراج، فسيكون في حال احتدام، وإن لم يكن توافقياً، فسيكون تناحرياً. لهذا أقدم على مبادرة جريئة بوضع دستور عام 1996 الذي تضمّن أسساً صالحة للتعاون الوطني بين الحكومة والمعارضة، واختار، بعد أول انتخابات، المناضل الوطني المعارض عبد الرحمن اليوسفي ليصبح الوزير الأول (رئيس الوزراء)، وكانت تلك المبادرة قد وضعت حداً لسنوات من التسلطية وملاحقة وقمع المعارضة وكبت الحريات. جمعني حديث في الدارالبيضاء في عام 1999 مع عبد الرحمان اليوسفي، وكان حينها قد تولى رئاسة الوزراء (الوزير الأول كما يسمى في المغرب)، وكنت قد تعرّفت عليه، عندما كان كاتباً أول لحزب الاتحاد الاشتراكي، وهو من الشخصيات الحقوقية المؤثرة، حيث عمل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وفي اتحاد الحقوقيين العرب، ثم قبل تكليفاً ملكياً بتولي رئاسة الوزراء. كان اليوسفي قد طلب اللقاء مع نخبة من زملائه العاملين في الإطارين ذاتهما، على دعوة عشاء نظمها أ. عبد العزيز بناني في بيته، يومها تحرّك في الهاجس الصحفي لسببين: الأول هو كيف يمكن لمعارض وطني قضى أكثر من ثلاثة عقود في المنفى أن يتبوأ رئاسة وزارة في عهد مازال مستمراً، وكان من أشد المعارضين له، بل داعياً إلى إلغائه؟ والثاني كيف يفهم السياسي الوطني معارضته من خلال هيكل الدولة، وكيف يمكن التعامل معها؟ بادرت حينها الى إثارة النقاش بسؤال الوزير الأول: ألا تشعر أحياناً بالغربة أو الاغتراب، يا سي عبد الرحمن وأنت في هذا الموقع؟ وكان جوابه، »نعم، وإلى حدود غير قليلة، لكن شفيعي أن جزءاً من خطابي مازال معارضاً«، وهو ما كنت ألمسه في أحاديثه وخطبه التي تابعتها لأكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، بما فيها عندما استقبل عدداً محدوداً من الذين يرتبطون بعلاقة أو معرفة معه في منزله، الذي اعتذر عن عدم البقاء فيه رغم طلب الملك نفسه، وعاد الى شقته التي كان يسكنها قبل توليه الوزارة. وبعدها أردف اليوسفي قائلا: »لقد كنا نعارض الدولة من خارجها، وربما بعض معارضتنا الآن من داخلها، وهي تجربة اخترناها بالأغلبية، رغم تحفظ بعض الأصوات، وعلينا اجتيازها، ونأمل أن تكون مفيدة وناجحة، وهي تجربة مفتوحة للزمن للمناقشة والتقييم«. وقال اليوسفي: »كنا نعتقد أن بعض الملفات يمكن أن نفتحها بيُسر وسهولة، وإذا بها مغلقة أمامنا، وبعضها اعتقدنا بصعوبة فتحها، وإذا بها مفتوحة أمامنا، بل إننا استطعنا المضي فيها الى حدود كبيرة، بما فيها ملفات التعذيب والمساءلة وجبر الضرر والتعويض، فضلا عن إعادة النظر في بعض القوانين وتشريع قوانين جديدة«. لعل ذلك، ما قصده بلقزيز، عندما أشار إلى وجود صلابة في النصوص أحياناً مع مرونة في الممارسة، حيث تكون مساحة التسامح واسعة. فعلى الرغم من وعورة النص أحياناً، لكن الفسحة الاجتماعية السياسية والتطبيق المتسامح، يضفيان على النص بُعداً مرناً، ولاسيما من خلال الممارسة. استعدتُ تلك الديناميكية والحيوية المغربية لدى المعارضة والسلطة في المغرب، وأنا أتابع ما يحصل فيه منذ سنوات طويلة، ولاسيما في ظل موجة الاحتجاجات والتظاهرات الأخيرة. ففي هذه المرة أيضاً حاولت المؤسسة الملكية استباق الأحداث واللحاق بعجلة التغيير، قبل أن تسبقها أو تبعد عنها بمسافات لا يمكن ردمها أو الوصول إليها، فأقدم الملك محمد السادس على طائفة من التغييرات، لعل أهمها إجراء تعديلات مهمة على دستور العام 1996، وسواء قبل بها البعض واعتبرها خطوة إيجابية باتجاه الملكية الدستورية، أو رفضها البعض واعتبرها محاولة لإجهاض التطور نحو ملكية دستورية حقيقية، فإنها في جميع الأحوال، تعتبر تطوراً دستورياً للمغرب، قياساً بالمؤسسة الملكية وصلاحياتها المعروفة تاريخياً، بما فيها تلك التي قننت في دستور عام 1996. وتم تشكيل لجنة مؤلفة من 19 عضواً برئاسة د. عبد اللطيف المنوني ضمّت ألوان الطيف السياسي والنوع الاجتماعي والاختصاص القانوني والأكاديمي، إضافة الى نشطاء من المجتمع المدني ومن قوى يسارية، مع أن هناك من لاحظ غياب التيار الاسلامي، وهو تيار مؤثر وفاعل، معتبراً ذلك نقصاً في تركيب اللجنة وتوجّهها، إلا أن التمثيل الواسع، وإن لم يكن شاملا، إيجابي، مع الإشارة إلى نقص تمثيل بعض الاتجاهات. وقامت اللجنة باستطلاع رأي القوى والأحزاب والمنظمات بشأن مسودات مشروعها، الأمر الذي أيّده البعض وعارضه البعض الآخر، ولاسيما طريقة استطلاع الرأي والوقت المخصص والأسلوب الشفاهي الذي تم فيه، من دون وجود نص مكتوب بهدف مناقشته وإبداء الملاحظات عليه، لكن ذلك بحد ذاته يعكس حراكاً اجتماعياً وسياسياً وفكرياً. وإذا كانت التعديلات الدستورية قد ألزمت الملك باختيار الوزير الأول (رئيس الحكومة) من الحزب الذي يحصل على أعلى المقاعد في البرلمان، ومنحه صلاحيات واسعة قياساً بما سبق، إلا أن ذلك لم يغيّر من صلاحيات الملك واختصاصاته الأساسية، التي ظلت ذات طبيعة تنفيذية وتشريعية وقضائية بصفته »أميراً للمؤمنين«، الأمر الذي أعطاه حصانة وحرمة، وأعفاه من أية مساءلة. فضلا عن ذلك، فإن وجود نصوص من هذا القبيل تشكّل عائقاً أمام تحوّل النظام الملكي المغربي إلى نظام برلماني يتمتع فيه رئيس الوزراء (الوزير الأول) بالصلاحيات الكاملة، باستثناء اختصاصات الملك المحدودة والمحدّدة. ومع هذه الملاحظات الجوهرية، إلا أنها لا تنتقص من قيمة التعديلات الدستورية، وإن كانت تؤثر فيها، توجهاً ومساراً، لكن الحيوية المغربية والتطور التراكمي يمكن أن يسهما في تعديل بعضها، ولاسيما من خلال التطبيق المرن. ومن أهم التعديلات: وضع قاعدة للتوازن بين الأغلبية والأقلية (المعارضة) في البرلمان، بحيث لا تستطيع الأغلبية التغوّل على إرادة المعارضة، حيث ورد في الفصل العاشر 12 حقاً للمعارضة البرلمانية، أهمها تولّيها رئاسة لجنة التشريع داخل البرلمان، وهو ما يجعلها شريكاً أساسياً في عملية سن القوانين، وذلك نوع من الضمانة والحماية لها من جهة، ومن جهة أخرى، وضع الكوابح في وجه الأغلبية، كي لا تنفرد بالأقلية. إن النص على حقوق المعارضة البرلمانية أمر في غاية الأهمية، خصوصاً إمكانية استفادتها من التمويل العمومي. واحتوى الدستور المغربي على تعديلات دستورية مهمة تدخل في صلب حقوق الإنسان، فتوسّع في ما يتعلق بحرية التعبير والحق في الإبداع الثقافي (الفن والأدب)، وأكد مبادىء الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد، والحماية من الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، ونبذ العنصرية ومظاهر الكراهية والعنف، وشمل الحقوق السياسية في التصويت والترشيح وحقوق المغتربين وغيرها، ويكاد بعض هذه الحقوق يقترب من المعايير الدولية. ولعل جعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية للدولة، إلى جانب اللغة العربية، واستحداث مجلس وطني للغات واللهجات المغربية، كانا من الأمور المهمة التي تضمّنتها التعديلات الدستورية، انسجاماً مع إعلان حقوق الأقليات الصادر عن الأممالمتحدة في عام 1992. وفي خضم فوضى الفتاوى، بادرت التعديلات الدستورية الى تنظيم ذلك بحصرها في المجلس العلمي الأعلى الذي هو برئاسة الملك، وذلك منعاً من التلاعب بها أو توظيفها لأغراض خاصة من جانب قوى الإسلام السياسي. أما بعض النواقص والسلبيات التي احتواها، فتتعلق بالصلاحيات الواسعة التي ما يزال الملك يحتفظ بها، فالحكومة، على سبيل المثال، مسؤولة أمامه، وكذلك أمام البرلمان، وهناك تداخل بين السلطات أحيانا في بعض الصلاحيات، ولاسيما الأمنية منها، ويقر الدستور حق الملك في حل البرلمان من دون قيود محددة، وكان على الدستور تقييدها على نحو شديد، ولاسيما بتحديد السلطات الحصرية للملك. وأعطى الدستور حق التشريع للسلطة التنفيذية خارج دورات البرلمان، بحيث يمكنها أن تشرع لنفسها وإن كان على البرلمان المصادقة عليها بعد انعقاده، وذلك أحد مثالبه. وفي تقديري، فإن الدستور الجديد، على الرغم من بعض النواقص والثغر، مهم في إطار النظام الملكي القائم، حتى وإن لم يرتق إلى تحويل المغرب إلى ملكية دستورية برلمانية، لكنه يؤثت الطريق للوصول إليها، إذ أن فلسفة المشرع قامت على اعتبار نظام الحكم في المغرب »»ملكية، دستورية، ديمقراطية، برلمانية، اجتماعية««، أي أن الملكية هي الجوهر الثابث في سياقات الحكم، ضمن اختصاصاتها التي أشرنا إليها، لكنها بكل تأكيد، اتفاقا أو اختلافا، ستخلق ديناميكية جديدة، وهو ما تشهده الحياه السياسية منذ نحو عقد ونصف من الزمان. وبخصوص الحاجة إلى طبقة سياسية جديدة وبيئة ثقافية ووعي ديمقراطي، كما أشار د. بلقزيز، فإن ذلك لن يتحقق من دون ممارسة فعلية وتطور تدرجي وتراكم كمي، يمكنه أن ينقل البلاد من حال إلى حال. ولعل ما شهده المغرب من حراك ديناميكي، سياسي وثقافي وفكري، بمشاركة المجتمع المدني خلال العقد والنصف الماضي، طور الممارسة الديمقراطية التي تحتاج إلى تعزيز وتعميق يمكن للدستور الجديد أن يسهم في ارسائها على نحو سليم وجديد. 7 – دلال البزري أسباب تأجيل الوصول إلى دستور ملكي برلماني على غرار الملكيات الأوربية غير الحاكمة، لا تكمن في رغبة الباحث أو عدم رغبته في تحقيق هذا الهدف البعيد، إنما في ما يصفه في ورقته ب »»عدم توفر ميزان القوى»« الذي يساعد على تحقيق هذ الهدف أو يحول دونه. الباحث كتب ذلك ولم يقله في عرضه الشفوي، فبدا النقاش، وكأن المسألة مرهونة بتصوره الخاص لها. ولكن هذا لا يلغي أن خطا أحمر يحكم مجمل الحياة السياسية المغربية، وهو خط الملك نفسه، الذي يتمتع بسطوة أقوى من سطوة أمراء الطوائف اللبنانيين. ولا يبدو الآن أن ميزان القوى الراهن في المغرب قد سمح بتخطي هذا الخط الأحمر. - الورقة عموما، على عمقها والجهد الواضح المبذول لبناء حجمها، بدت وكأنها متخصصة في العلوم الدستورية أو القضائية، وبدا الحراك المغربي بسببها وكأنه خال من جوانب أو أوجه غير تلك الدستورية. ربما لهذا الوجه الأخير مكانة في المعركة الدائرة حول الحراك. ولكن لا نعرف تماما مدى هذه المكانة أو حجمها إذا لم نتعرف على ما عداها: أين ديناميكيات الحراك؟ أين موضوعاته؟ أين نقاط التواصل أو التعارض القائمة بين مختلف الشرائح أو الأحزاب أو المناطق أو الإثنيات… إلخ التي حملته أو تناقضت معه؟ في غياب مقاربة من هذا النوع للحراك المغربي، بدت حركته وكأنها مقتصرة على «»النضال الدستوري»« فحسب. - في الورقة ثغرة في معرض محاولة فهم الباحث لإنجاز الإصلاح الدستوري الذي بادر إلى صياغته الملك محمد السادس، حيث يرى صاحب الورقة أن حركة 20 فبراير، القوة الجديدة الدافعة إلى الاصلاح،» »خرجت، أيضا، من رحم الثقافة الديمقراطية والتقدمية التي انتشرت في الثلاثين عاما الاخيرة في البلاد«« الملك الراحل الحسن الثاني رحل منذ عقدين فقط، واستلم العرش من بعده ابنه محمد السادس. فهل هذا يعني أن عهد الملك الأب كان على الحظ نفسه من شيوع أفكار الديمقراطية والتقدمية؟ - لكن التناقض الأقوى الذي ينطوي عليه هذا اليقين هو إشارة الكاتب إلى الشعبية الواسعة التي تحظى بها جماعة «»العدل والاحسان« «الاسلامية التوجه. فكيف يستوي انتشار الثقافتين الديمقراطية والقدمية من جهة، والثقافة الاسلامية للحزب الأخير الجارف في شعبيته؟ 8 – خير الدين حسيب السيد الرئيس، ربما أنا لم أقرأ ورقة د. عبد الإله بلقزيز بعمق أو أن بعض الإخوان من الذين علقوا عليها لم يقرأوها بعمق. أن أزعم أن الورقة قد تكون أعمق وأشمل وأكثر موضوعية ممكنة للكتابة عن التجربة المغربية، وهي متوازنة، وأنا أتمنى على بعض الإخوان الذين قدموا مداخلاتهم حولها أن يعيدوا قراءتها. أبدأ بالقول إن المغرب هو البلد العربي المظلوم، نحن لا نعلم بقدر كاف عن المغرب العربي، والجزائر خلال فترة التحرير غطت على المغرب. ولقد أتيح لي منذ بداية الستينيات وحتى اليوم أن أقوم بزيارات متكررة إلى المغرب والجزائر وتونس. وكنا – قبل هذا – في الستينيات استقبلنا قيادات في بغداد من المغرب (المرحوم المهدي بن بركة، ومحمد الفقيه البصري، وعبد الرحمن اليوسفي… إلخ). في المغرب، وبحسب المعايير النسبية العربية، هناك حرية تعبير وحياة سياسية وأحزاب أفضل مما هو موجود في أي بلد عربي، بما فيها لبنان. ولو كان لدينا الوقت الكافي لدخلت في التفاصيل. فأنت إذا أردت أن تؤسس جمعية أو حزبا في المغرب، بإمكانك أن ترسل فقط إشعارا أو إعلاما إلى جهة معينة أو دائرة معينة وتؤسس ما تريد. أنا لا أقول إن هذا وضع مثالي، لكنه نموذج يتقدم ويتطور، وهو أفضل مما هو قائم في الجزائر وتونس ومصر … إلخ. وبالتالي يجب الحكم على هذا البلد بهذا المعيار. وأنا – أيضا – لا أقول إن الدستور الجديد المقدم يحقق ما هو مطلوب في المغرب، وهذا ما قاله د. عبد الإله بلقزيز بشكل واضح، لكنه خطوة على الطريق. إن نموذج الاصلاح الدستوري في المغرب هو إحدى الصيغ للتحول الديمقراطي التي تمت في العالم. ففي التسعينيات كانت الدبابات تحكم أمريكا اللاتينية، أما الآن فتحكمها صناديق الاقتراع. كيف تم هذا التحول؟ كانت هناك ثورات مسلحة في أمريكا اللاتينية في ظل الديكتاتوريات، إلى أن تمت صفقة بين هذه الثورات والأنظمة الدكتاتورية على تطور تدريجي، وتحولت هذه البلدان إلى أنظمة ديمقراطية، بخلاف ما تم في أوربا الشرقية، وبخلاف ما يتم حاليا في عدد من البلدان العربية من انتفاضات أو ثورات غير مسلحة. إنني اختلف مع د. عبد الإله في مسألة أساسية هي حول موضوع التطور الديمقراطي، والثقافة الديمقراطية والطبقة السياسية. فالديمقراطية لا نتعلمها إلا بالممارسة، إذ لا يمكننا أن نعلمها في كتاب كما نتعلم اللغات. فعلى المرء أن ينزل إلى البحر أو النهر كي يتعلم السباحة. هناك اليوم »»بعبع« «في الحديث عن الديمقراطية اسمه «»التيار الاسلامي«« وأنا أميل إلى الاعتقاد أن أحسن دواء لهذا «»البعبع«« هو الديمقراطية، وأن عقدة التيار الإسلامي عند العلمانيين ينبغي أن تنتهي، لأن استمرارها ليس من مصلحة التطر الديمقراطي، كما تعميم الأحكام على الاسلاميين جميعا لا يجوز. ما كتبه د. عبد الإله بلقزيز عن حركة 20 فبراير استفدت منه، وعرفت من خلاله أشياء لم أكن أعرفها سابقا. وعليه، فالقول بأن د. عبد الإله لم يتكلم على حركة 20 فبراير غير صحيح، بل أعتقد أنه قام بأكثر ما يمكن لشرح هذه الحركة، وأعطاها حقها، وهو متفائل بها. أما موضوع دين الدولة، فالقول إن الدساتير العربية تنص جميعها على أن دين الدولة هو الإسلام، غير صحيح، إذ أن دستور الجمهورية العربية المتحدة ما بين سورية ومصر كان أول دستور عربي لا ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام. لذا ينبغي علينا أن لا نصدر أحكاما بناء على عدم معرفة ما حدث من قبل. لم يجزم د. عبد الإله بلقزيز في ورقته أن ما حدث بالضرورة سيؤدي إلى وضع ديمقراطي، لكن الذي حدث يشكل خطوة إلى الأمام، وهي ما تزال حتى الآن غير مكتملة. كما لم يقل إن هذا الدستور دستور ملكية نيابية، لكنه قال إنه يفتح إمكان التقدم على طريق هذه الملكية، فلا بد من أن نأخذ كلامه في إطاره المعلن. 9 – ميشيل كيلو بداية، أريد أن أعبر عن إعجابي بهذه الورقة والطريقة التي كتبت بها. وقد استفدت كثيرا منها، ومن نص الدستور المغربي أيضا. إن ما شدني إلى هذا الدستور – مثلا – هو أنه يعتبر نظام الحزب الواحد غير مشروع، فهل هناك ما هو أروع من أن ينص الدستور على عدم شرعية نظام الحزب الواحد؟ الطريقة التي أقرت بها حقوق الفرد والمواطن، هي طريقة، فعلا، رائدة، بحسب معرفتي المتواضعة بالدستور، نظرا إلى أنني لست خبيرا دستوريا. والطريقة التي يتحدث بها أيضا عن حقوق المعارضة طريقة لافتة، وهذه مؤشرات هائلة نحو الديمقراطية. لدي ملاحظات: أ – كنت أتمنى لو أن هذا الدستور نص على تعيين حدود واضحة بين مفهوم التنوع الذي يعتبر شرعيا وضروريا، ومفهوم التبعثر الذي قد ينتج من تنوع غير منضبط. ما يحدث في سورية الآن أنه يجري الحديث بطريقة غريبة كثيرا عن القوميات الموجودة في سورية، وهي في اللغة السائبة: العرب والأكراد والشركس والأرمن والتركمان والكلدان والآشوريين والروم الأرثوذكس والكاثوليك! هذه المسألة في غاية الخطورة، ويجب أن تضبط إذ أردنا للمجتمع أن لا يشحن بألغام لها أول وليس لها آخر. لابد من ضبط هذه المفاهيم قانونيا ودستوريا في إطار التنوع والديمقراطية والحرية. ب – تحدث د. عبد الإله بلقزيز في الورقة عن أن هذا الدستور هو نتاج توازن سياسي. وأنا أعتقد أن هذا الدستور بحد ذاته ينطوي على نقاط غير متوازنة، غير تلك التي ذكرها د. عبد الإله، أهمها أنه يتحدث عن دولة إسلامية تأخذ مفردات حقوق الناس فيها طابعا مدنيا. هذه الدولة الإسلامية يرأسها الملك، وليس لها علاقة أو ليس لمجلس الوزراء علاقة بها كدولة إسلامية، بل هو له علاقة بحامله كجهة مدنية، باعتباره محمولا أيضا من المجتمع المدني، فضلا عن صلاحياته الدينية. أعتقد أن ذلك غير متوازن أو قد يخلق في المستقبل مشاكل، وقد يخلق نقاط احتكاك، ونقاط اختراق للدستور أو انتهاكا له، لوجود سلطتين غير متوازنتين ستطبقان دستورا واحدا مع أن لهما حاملين اجتماعيين وتعبيرين مختلفين. 10 – ناصيف نصار بعد كل ما قيل وسمعناه، تعليقا على ورقة د. عبد الإله بلقزيز، أصبح مجال الاضافة ضيقا جدا. في الواقع، نحن أمام موضوعين: الأول ورقة د. بلقزيز، والثاني دستور المغرب المعدل. والملاحظ أن التعليقات تناولت في قسم منها الدستور، وفي قسم آخر الورقة. لذلك أعتقد من الضروري أن نحدد ما هو مطلوب منا بالدرجة الأولى. ومن وجهة نظري، المطلوب إنما هو التعليق على الورقة التي تتناول الانتقال الديمقراطي في المغرب في نص الدستور المعدل، وليس الدستور نفسه الذي يمكن أن يكون موضوعا لدراسات تفصيلية من زاوية القانون الدستوري أو من زاوية العلوم السياسية، بمعناها الواسع. غير أن ذلك لا يمنع من أن نطرح أسئلة مختلفة حول الدستور، انطلاقا من الورقة نفسها. موضوع الورقة: «المغرب والانتقال الديمقراطي» في هذا الصدد، ألاحظ حصول نوع من التجربة الناجحة في إطار ما أسميته علاقة الذكاء بالتناقض في المجال السياسي. ففي المستوى الأول، يلفت انتباهي ذكاء الملك، وهو مذكور في الورقة بكل وضوح، حيث إن المبادرة الملكية جاءت في حينها استجابة لمتطلبات وضرورات ضاغطة في اتجاه التغيير. وأسمي هذا الذكاء بالذكاء الاستباقي. وفي المستوى الثاني، يأتي ذكاء المعارضة (الجماهير المطالبة بالتغيير، بما فيها حركة 20 فبراير والأحزاب، وفي مقدمتها الاتحاد الاشتراكي). لقد تحركت المعارضة في المغرب بمزيج من الصلابة والمرونة، وتوازن بين المثالية والواقعية، فجاء ذكاؤها براغماتياً، وليس انتهازياً، على قاعدة »»خذ وطالب««. أما الذكاء الثالث، فيتمثل في ذكاء الباحث الذي يمكن أن يسمى بالذكاء التفهّمي. والحق أن الورقة التي يقدمها د. بلقزيز متفمة تماماً، في الجملة، وفي التفاصيل، للتجربة التغييرية التي حصلت في المغرب، فأعطتنا صورة دقيقة ومتماسكة حول نص الدستور المعدّل، وخلفيته التاريخية، و السياق العام للتوازنات والمطالب والاجراءات التي رافقت تعديله، والتسويات التي طبعت صيغته النهائية. لذلك، أرى أن هذه الورقة مفيدة جداً، وبخاصة لمن ليس مطلعاً على تفاصيل الحياة السياسية في المغرب. إنها تضيء جوانب متعددة في الموضوع، بطريقة متوازنة وموضوعية. ولا أبالغ إذا قلت إنها من الأوراق النموذجية في دراسات الانتقال نحو الديمقراطية. انطلاقاً من هذا التقدير العام للورقة، أود تسجيل بعض الملاحظات: من جهة أولى، يبدو لي أن الجانب السوسيولوجي في الورقة غير كاف. ثمة إشارات عدة حول بنية المجتمع المغربي وحراكه وتحولاته. ولاشك عندي في أن الباحث قادر على التوسع في هذه الإشارات (على الرغم من أنه ليس عالم اجتماع بالمعنى الاحترافي). كيف تطور المجتمع المغربي على الصعيد الديمغرافي، وعلى الصعيد الطبقي، وعلى صعيد المجتمع المدني؟ ما هو بالضبط وضع الأمازيغ في البلاد؟ كيف حصل الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الدولة، وليس فقط في مناطقهم؟ هذه وسائل مهمة لمزيد من الفهم الدقيق لظاهرة التغيير الجارية في المغرب في اتجاه الديمقراطية. ومن جهة ثانية، يبدو لي أن الورقة قليلة العناية بالأسس الفلسفية للدستور المغربي الجديد، على الرغم من كون واضعها فيلسوفاً، وبخاصة لجهة التناقضات التي يحتضنها (تناقضات في مسألة الهوية، ومسألة العلاقة بين الدين والدولة، وفي مسألة توزيع السلطات). أشار د. بلقزيز، أكثر من مرة، إلى التوافق في معالجة هذه الأمور. فهل كان التوافق توفيقاً؟ التوافق بين من ومن؟ التناقض والتوافق والتوفيق والتسوية، مفاهيم أساسية في بناء دستور كالدستور المغربي، يحافظ على الملكية، ويسعى الى الديمقراطية، ويتجنب الملكية البرلمانية. فكيف تشتغل هذه المفاهيم في نص الدستور المغربي الجديد؟ وما هي التوقعات في المرحلة الآتية من الحياة الدستورية في المغرب؟ لدينا في لبنان دستور يشتمل على تناقضات عدة، وتسويات الدساتير حبلى بالأزمات السياسية. أليست فلسفة الأزمات الكبرى في المجتمع ضرورية لفهم ما يجري في المغرب؟ وبالعكس، أليس تحليل ما يجري من تغيير في المغرب مدخلا الى فلسفة الأزمات الكبرى في المجتمع؟ نحن أمام تجربة إصلاحية مهمة جداً. تجربة جديدة وجريئة، ولها مستقبل ينتظرها، في حدود منطقها وفي ما يتعداه. ولكنني أتساءل عن إمكانيات تأثيرها في البلدان العربية الأخرى، وبخاصة في الملكيات والإمارات، وذلك بالنظر إلى خصوصيات المغرب وظرفيته. لقد كان للثورة التونسية فضل الريادة في إشعال نار التغيير الديمقراطي، والثورة على أنظمة تدّعي الديمقراطية، وهي تمارس الاستبداد والقمع والفساد. فهل سيحصل شيء من ذلك، انطلاقاً من المملكة المغربية؟ ومن جهة ثالثة، يتحدث الدستور، في» »التصدير»«، عن طبيعة المملكة المغربية، فيقول، بعد النص على كونها دولة اسلامية، إنها دولة وطنية موحدة المقومات التاريخية وغنية »بروافدها الافريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية«، فما معنى هذا التشديد على «»الروافد»« في حديث عن الهوية الوطنية؟ ولماذا الحرص على ذكر الرافد »العبري«؟ هل هذا الرافد من جنس الروافد الأخرى؟ المسألة لافتة للانتباه جداً، ولابد من تحليل نقدي لها في معرض الحديث عن الوضع الدستوري والتاريخي للمغرب المنتقل الى الديمقراطية. في الخلاصة، يتبين بجلاء تام من خلال ورقة د. بلقزيز أن المغرب يعيش التغيير بطريقته الخاصة منذ الاستقلال. وبقاء شعار «»الملكية البرلمانية« «في ساحة النقاش والنضال يدل على أن أفق التغيير لايزال مفتوحاً في اتجاه مزيد من الديمقراطية والحداثة. II وسيم حر سأبدأ من حيث انتهى د. خير الدين حسيب، ذلك أنه عبّر عن أمور كثيرة كانت تجول في رأسي. إنني أوافقه الرأي وأتبنى ما قاله. وبالتالي أهنىء د. عبد الإله بلقزيز على ورقته الواضحة، وأشكره لأنه جعلنا نقرأ الوضع المغربي قراءة دقيقة، كما أن ورقته أضاءت الكثير من الجوانب، بحيث سمحت لنا بفهم الكثير من الأمور التي رافقت صياغة هذا الإنجاز الدستوري. وإني أتقاطع مع ما تفضّل به د. ناصيف نصار لجهة تمنّيه بأن يزوّدنا د. بلقزيز بالأبعاد الفلسفية. وأضيف إلى ذلك، متمنياً أن يفيدنا د. بلقزيز ببعض الأسباب الموجبة أو الخلفيات الشرحية للمبادئ التي تضمّنها الدستور. وكذلك من المفيد أن نعرف مجريات المفاوضات والتسويات التي سهّلت عملية الصياغة. على سبيل المثال، وتوضيحاً لما أقوله، ما هي الخلفية التاريخية لما اعتمده الدستور حول «»مؤسسة إمارة المؤمنين»«، وما هي المقومات التي بنيت عليها هذه المؤسسة، ولماذا لا تتمكن القوى السياسية في المغرب من الخروج على هذه المؤسسة وإسقاطها من المرتبة الدستورية التي احتلتها. وبالتالي، من المفيد جداً استعادة أسباب نشأتها، تاريخياً، وكيف شكّلت رافعة من رافعات التحرر والاستقلال، وشكلت تبعاً لذلك حجر الزاوية الذي ترتكز عليه الملكية المغربية. إضافة إلى أنها، من ناحية أخرى، صمام الأمان أمام الفتاوى الدينية، التي إن لم تؤطَّر، قد تنحو إلى ما لا يتفق مع مقتضيات التوازن الاجتماعي السياسي في المغرب. كذلك، كنت أتمنى على د. بلقزيز أن يزوّدنا بشروحات عن الأسباب الحقيقية لجعل الملك، الذي هو، كما يشير الدستور «»المرجع الحكمي»« و» »الرمز»« و «»صمام الأمان««، لضبط إيقاع عمل المؤسسات الدستوريات، وحماية الحريات الأساسية، يتدرّج نزولا الى ترؤس مجلس الوزراء، ومجلس القضاء الأعلى، وهو بالتأكيد في غنى عن ذلك. وفي اعتقادي، سيمارس بأقل قدر ممكن هذا الحق. وفي الحقيقة، لا أرى الخلفية أو الحكمة وراء احتفاظه بهاتين الرئاستين. من جهة أخرى، من المهم أن تعرض لنا الأسباب التي جعلت من حق رئيس الحكومة في حل البرلمان حقاً منقوصاً ومقيّداً. وأطرح هذه النقطة، ليس من ضمن الجدل القائم حول ما يسمى «»الملكية البرلمانية«« في الحقيقة، إن هذا المفهوم التصنيفي لم يعد متداولا ومهماً، بعد أن قامت مقاربات أخرى تتحدث عن إعادة هندسة الحكومة أو الدولة. بالتأكيد عبارة أو مفهوم «»الملكية البرلمانية««، مازالت تُستخدم في الأدبيات الأكاديمية كإطار توصيفي لآليات الحكم. وأعتبر أن ما هو أهم من اعتماد هذا المفهوم، كمطلب نضالي، هو التركيز على الديمقراطية كمجموعة من الآليات في إدارة الشأن العام والحكم، وهذه الآليات ترتكز أساساً على مفهومي »»المشاركة« «و «»المساءلة»«، وعلى الجدلية بينهما. فالديمقراطية آلية لإدارة الحكم نشأت تبعاً لعصر التنوير، ولعصر الحريات الذي شهدته أوربا في القرن الثامن عشر. من جهة أخرى، من المهم أن نتذكر أن الديمقراطية آلية صالحة لخدمة التنمية، بحيث ترتبط بها ارتباطاً عضويا (ولاسيما عندما تكون الليبرالية والتنافس الحر الرافعة الرئيسية للتنمية). وعلى هذا الأساس، تعتمدها الشعوب في حكمها بغية توفير «»الخير»« لها، وهي الآلية الأفضل لتوفير هذا »»الخير»«، ولإدارة قانون التنافس عبر اعتماد آليات المشاركة والمساءلة. أعود إلى التأكيد أنني من المؤيدين لهذا الإنجاز الرائع الذي تحقق في المغرب، وأعتبره إنجازاً مهماً، متوقفاً عند الجوانب الذكية التي أشار إليها د. ناصيف نصار، في ما عبّر عنه د. بلقزيز في تقريره. كما أؤكد أيضاً أن الدستور المغربي الجديد يتضمن مبادىء وعبارات متقدمة لم تتضمنها دساتير الدول المتقدمة، ولاسيما لجهة الحكم الرشيد، ولجهة صيانة وحماية الحريات الأساسية، وأيضاً لجهة ما ورد عن حقوق المعارضة، وإن كان ما جاء في هذا الخصوص، خجولا جداً وغير كامل. وأختم بالقول إن هذا الإنجاز المغربي يشكل ممارسة صالحة لترشيد الطريق أمام المجتمعات العربية الأخرى التي تشهد أيضاً مسار التغيير. 12 عصام سليمان إن الورقة التي أعدها د. عبد الإله بلقزيز تتناول الدستور المغربي الجديد في إطار المسار التطوري الذي سلكته التجربة الدستورية في المغرب، منذ مطلع الستينيات من القرن المنصرم، تحت تأثير الحراك السياسي، وأنماط العلاقات بين مختلف القوى السياسية. وقد سلّط الضوء على النواحي الإيجابية في الدستور الجديد، ورأى أنها مرحلة في سياق التطور باتجاه الملكية البرلمانية. مما لاشك فيه أن البنى الدستورية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبنى المجتمعية، وتحديداً السياسية، فالبنية الدستورية في الدولة لا يمكن أن تتطور، إلا إذا كانت موازين القوى القائمة، على مستوى البنى المجتمعية والسياسية، قادرة على دفعها باتجاه التطور. ما توصلت إليه القوى السياسية في المغرب من طروحات وتحالفات، وما هو حاصل من تغيرات سريعة في المنطقة العربية، دفعت العملية الدستورية في المغرب باتجاه التطور. لذلك، يمكننا الجزم بأن الدستور الجديد حقق خطوات متقدمة على دستور 1996، وجاء يدفع باتجاه قيام ملكية برلمانية لا أحد يستطيع التكهن متى ستنشأ، لأن ذلك رهن عوامل كثيرة. أبرز الإيجابيات في الدستور الجديد ما يلي: أ التوسع في الضمانات الدستورية للحقوق والحريات، وهذه الضمانات معطوفة على الصلاحيات الواسعة التي منحها الدستور للمحكمة الدستورية، بما فيها حق الدفع بعدم دستورية القوانين أمام المحاكم العادية، ورفعها إلى المحكمة الدستورية، على غرار ما اعتمد في فرنسا حديثاً، يفسح المجال أمام القضاء الدستوري المغربي لممارسة دوره بفاعلية في صون الحقوق والحريات، وتنقية القوانين مما علق بها من شوائب، جعلتها متعارضة مع الضمانات الدستورية للحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور الجديد. ب الاعتراف بالمعارضة وضمان حقوقها دستورياً، وتشمل هذه الضمانة توفير الأسباب التي تمكّن المعارضة من القيام بدورها في الرقابة والتشريع، والوصول إلى السلطة عن طريق التناوب، وهذا أمر مهم جداً لأن المعارضة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية هي الضمانة لضبط أداء الحكومة، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية. وما جاء به الدستور المغربي في هذا المجال طليعي في الوطن العربي. ج ضمانة حرية العمل الحزبي وهيئات المجتمع المدني، وعدم حلها إلا بقرار قضائي. د النص في الفصل 19 على أن «»تسعى الدولة الى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء«« ه إناطة السلطة التنفيذية بالحكومة بعد أن كانت منوطة بالملك، وتعيين الملك رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب. و- إلغاء النص الدستوري الذي كان يجيز للملك أن يستفتي شعبه في شأن كل مشروع أو اقتراح قانون بعد أن يكون المشروع أو الاقتراح قد قرئ قراءة جديدة، اللهم إلا إذا كان نص المشروع أو الاقتراح قد أقر أو رفض في كل من المجلسين بعد قراءة جديدة بأغلبية الثلثين من مجموع الأعضاء، وإلغاء النص الدستوري الذي كان يجيز للملك سحب أي نص نهائي من البرلمان حتى في حال اتفاق مجلسي البرلمان عليه. ويعتبر إلغاء هذه النصوص، وعدم إعطاء هذه الصلاحيات للملك في الدستور الجديد، خطوة في اتجاه الملكية البرلمانية.، ز- التشديد على استقلالية السلطة القضائية، وتناول هذه الاستقلالية بالتفصيل في نص دستوري، ما يحد من تقييدها في القوانين. ح- توسيع صلاحيات المحكمة الدستورية باعتماد إمكانية مراجعتها من خلال الدفع بعدم دستورية القوانين أمام المحاكم العدلية والإدارية. أما المآخذ على الدستور الجديد، فتتلخص في التالي: أ- الخلل في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لصالح الأولى، وهذا ناتج من اعتماد نموذج الجمهورية الخامسة في فرنسا كأساس للدستور المغربي، غير أنه يمكن للمحكمة الدستورية المغربية أن تصلح هذا الخلل، من خلال اجتهاداتها وقراراتها لصالح البرلمان، كما فعل المجلس الدستوري الفرنسي على امتداد الثلاثين سنة المنصرمة. ب- إعطاء السلطة التنفيذية صلاحية التشريع خارج دورات انعقاد البرلمان، وهذا يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ج- إعطاء الملك حق إقالة الوزراء، الأمر الذي يجعل الحكومة مسؤولة أمام الملك، كما هي مسؤولة أمام البرلمان. د- التجريد من صفة عضو في أحد المجلسين، لكل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها (الفصل 61). وهذا النص الدستوري يتعارض مع مبدأ الوكالة النيابية غير الإكراهية (Mandat Non-impératif)، فالنائب يمثل الأمة جمعاء، ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط، فهو حر في أن يمارس مهامه النيابية كما يشاء، والشعب يحاسبه في الانتخابات. ه- ما ورد في الفصل 54 بشأن المجلس الأعلى للأمن. يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين والرئيس… إن مشاركة رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين في المجلس الأعلى للأمن، الذي يقوم بمهمات تندرج في إطار عمل السلطة التنفيذية، تتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فلا يجوز أن يشارك رئيس السلطة التشريعية في أعمال السلطة التنفيذية. نستطيع القول إن الدستور المغربي الجديد خطوة متقدمة في مجال تنظيم شؤون الدولة والمجتمع، وتعزيز الحقوق والحريات وإحاطتها بضمانات. كما إنه خطوة متقدمة في مجال تنطيم العلاقات بين السلطات، بما يضمن حسن أدائها من الناحية المبدئية. ويبقى أن نقول إن أداء أي نظام سياسي يتوقف على أداء القوى السياسية، وطبيعة تكوينها، و أنماط العلاقات القائمة في ما بينها، ومستوى انتشار الوعي، وثقافة الديمقراطية في المجتمع. وقد أكد الدستور في صيغته الجديدة وجوب ممارسة الأحزاب والجمعيات مهامها في إطار المبادئ والقواعد الديمقراطية. فبقدر ما تتطور التجربة الديمقراطية في المغرب، يتطور النطام باتجاه الملكية البرلمانية. 13 – عصام نعمان دراسة ذ. عبد الإله بلقزيز منورة ومثقفة، ولاسيما لأمثالي ممن لا يحيطون بعمق بالوضع المغربي. لذلك، ليس لدي حولها أي تعليق، بل بضع أسئلة، آمل أن أتلقى من د. بلقزيز أجوبة وافية عنها: - السؤال الأول: ثمة دوافع وعوامل متعددة حملت الملك محمد السادس على تقبل مطلب الإصلاح الدستوري، والقبول تاليا ببعض التنازلات المحدودة في هذا المجال. هل شعرت القوى السياسية والإصلاحية، وأنت في صلبها، أن الولاياتالمتحدةوفرنسا مارستا ضغوطا على الملك أو أبدتا نصحا له للتجاوب مع المعارضة الإصلاحية؟ - السؤال الثاني: هل لتعددية المجتمع المغربي، من بين فواعل أخرى، الأثر الأقوى في الإبقاء على صلاحيات واسعة للملك، بما هو رمز الوحدة الوطنية والمرجعية الأكثر قبولا بين مختلف فئات المجتمع؟ - السؤال الثالث: كيف تقدر الوزن الشعبي لحركة 20 فبراير؟ هل يمكن اعتبار الذين لم يوافقوا على توليفة الإصلاحات الدستورية في الاستفتاء هم قوام مؤيدي الحركة؟ 14 – ساسين عساف لدي مجموعة نقاط أريد أن أتوقف عندها على عجل، وهي أقرب إلى أن تكون تساؤلات منها إلى آراء أو أحكام صالحة للسجال. - النقطة الأولى هي أنني لم أقرأ الدستور المغربي موضوع هذه الورقة، فأنا لست عالما أو فقيها دستوريا. وأعرف أن د. عبد الإله يدقق جيدا في مصطلحه السياسي أو الفلسفي. وعندما قرأت عنوان الورقة» »المغرب والانتقال الديمقراطي««، تساءلت: لماذا لا يكون العنوان «»المغرب والانتقال إلى الديمقراطية««، ففي العنوان الأول تكون الديمقراطية وسيلة للتغيير وآليته، وفي العنوان الثاني تكون غاية التغيير ومساره؟ ولكن حين أنهيت قراءة الورقة كاملة،. أدركت أنه تقصد ذلك. مذهبه في هذا هو أن الانتقال انتقال ديمقراطي، لا عنفي، ولا انقلابي، ولا دموي، بل تراكمي وتاريخي، له مقدماته النضالية منذ الحركة الوطنية حتى حركة شباب 20 فبراير. - النقطة الثانية تتعلق بإشكالية التوافقية والديمقراطية. هل فعلا التوافق التوفيقي فعل ديمقراطي؟ ألا يحتمل الإبعاد والتهميش، وتاليا يكون وجها آخر للإكراه والاستبداد إزاء من لا يوافق عليه كمنهج لتظهير الإرادة العامة أو إرادة الأكثرية؟ ثم، أليس التوافق ناتج موازين القوى؟ فإذا اختلت الموازين، ماذا يحدث؟ ألا ينهار النص التوافقي؟ لنا في التوافقية اللبنانية خير مثال على ذلك. - النقطة الثالثة تتعلق بإشكالية الديمقراطية والوحدة، وعلاقتهما بما كنا نسميه ب «»الأقليات»« أو»الهويات المقموعة».انه لأمر جيد أن يقر الدستور المغربي الجديد بالتنوع أو »التعدد الثقافي، وأن يعترف باللغة الأمازيغية لغة رسمية، فأنا مع العروبة الاحتضانية. ولكن، في ظل التناقضات الداخلية، وصراع الهويات، على امتداد جغرافية الوطن العربي، والتدخلات الخارجية التي تأخذ من وجود الأقليات وحمايتها ذريعة لها، ألا يخشى من أن يتحول الحق في الاختلاف أو التمايز في الهويات الثقافية والإثنية إلى حق سياسي في تقرير المصير؟ وهنا أريد أن أسأل د. عبد الإله: هل للحركات الأمازيغية في المغرب العربي مشاريع خاصة تشكل خطرا على وحدة أقطاره؟ - النقطة الرابعة، وهنا أنتقل إلى مستوى آخر من طرح التساؤلات. تقول الورقة إن النظام السياسي المغربي (الملكية) يتمتع بطاقة استيعابية مكنته ن التكيف واتخاذ إجراءات استباقية أنقذته من الدخول في مواجهات عنفية أو دموية، وعليه أسأل: إلى أي حد ومدى هو قادر على استيعاب حركات الإسلام السياسي، والتكيف مع طروحاته المتصاعدة في كل الساحات العربية، بما فيها الساحة المغربية، وجارتها الساحة الجزائرية؟ ومن هذا التساؤل أنتقل إلى آخر يتعلق بالملكية البرلمانية، وهو الشعار الذي رفعته حركة 20 فبراير، وهي ماتزال ترفعه في أي لقاء أو مهرجان أو تجمع. هذا الشعار هو رافعة التغيير الفعلي في اتجاه الديمقراطية، لذلك يجب عدم إحالته إلى افاق استراتيجية بعيدة ا لمدى. إن تحقيقه هو رهن صراع القوى وموازينها، فليبق قضية مرفوعة في وجه النظام للترصيد السياسي وترجيح الموازين. وفي السياق نفسه، أتساءل بشأن الملكية المغربية الراهنة، على ما في الورقة من ثناء على شجاعتها في تضمين الدستور الجديد من نقاط تحسب لها في الانتقال الديمقراطي، الأمر الذي أيده غير متداخل سبقني إلى الكلام، فأقول: الملكية دستوريا هي ملك، ولكنها واقعيا وسياسيا، وكممارسة حكم، هي أمر آخر. إنها الأسرة والمقربون والحاشية والمنتفعون وأصحاب الامتيازات. لذلك أسأل: هل الملكية بهذا المعنى يسري عليها حكم القانون؟ وإذا أردت أن أذهب بعيدا في هذا الجانب، أسأل عم إذا كانت هناك آليات دستورية ومراجع دستورية معروفة في دولة القانون يخضع لمراقبتها ومحاسبتها رؤساء الدول في الأنظمة الديمقراطية، فهل الواقع الدستوري المغربي يشير إلى شيء من هذا؟ أخيرا، تقدم الورقة النموذج المغربي نموذجا صالحا للاحتذاء به في سائر البلدان العربية التي تشهد ساحاتها نزاعات أهلية أو صراعات دموية بين شعوب وأنظمة وحكام، بمعنى أن المطلوب هو تسويات تاريخية توافقية توقف المواجهات العنفية والدموية. التسويات التاريخية مطلوبة، أيضا، خصوصا عندما يصل طرفا الصراع إلى استعصاءات متبادلة. نؤيد الآلية التي اعتمدها النموذج المغربي، أي الحوار، وتشكل لجان متخصصة وتمثيلية للإصلاح الدستوري والسياسي، خصوصا أن الدم يستسقي الدم، واستسقاؤه يولد أزمات ضميرية وأخلاقية، حتى لدى الحكام، مهما غلظت ضمائرهم وتقدمت مصالحهم. طبعا، لكل ساحة خصوصياتها، ولكل شعب قضاياه وأنماط سلوكه، ولكن المشترك ليس بقليل. المهم الإفادة من تجارب الآخرين، والتجربة المغربية في الانتقال الديمقراطي تحمل الكثير إلى الكثيرين.. شكرا ذ. عبد الإله، أعطيت فأغنيت. 15- خير الدين حسيب تساءل ذ. ناصيف نصار عن مصادر الهوية المغربية في الدستور، ولماذا توضع العبرية إلى جانب العربية. أنا أذكر أنه بعد أن استقبل الملك الحسن الثاني رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريس في لقاء إفران الشهير (العام 1986)، كان اليهود المغاربة في اسرائيل يقولون» ملكنا استقبل رئيس وزرائنا» وهو ما يدل على اعتزازهم بانتمائهم المغربي الأصل. 16 – مارلين نصر لدي بعض الأسئلة والملاحظات حول الدولة والمجتمع في المملكة المغربية، التي أثارتها ورقة د. بلقزيز، وهي ورقة غنية سمحت لي بأن أتعرف أكثر على الحياة السياسية وآليات التغيير في المغرب، وفيها دروس يمكن الاستفادة منها بالنسبة إلى أنظمتنا في المشرق العربي التي يغيب عن معظمها (باستثناء مصر) صفة الدولة. فهمت مما هو غير مكتوب في الورقة، إنما مضمر فيها، أن الدولة هي القيمة الأساسية في المغرب، و أن المملكة، كمؤسسة تاريخية، وملكها، يجسدان هذه الدولة، و يؤمنان ببقائها، ذلك أن الدولة المغربية هي الوحيدة في المغرب العربي، التي حافظت على بقائها واستمراريتها، بالرغم من الهجمات والاحتلالات الغربية المتعاقبة عليها عبر التاريخ، والتي وقعت ضحيتها معظم البلاد والأوطان القائمة في شمال أفريقيا: ليبيا والجزائر وموريتانيا، وهي مجاورة للمملكة المغربية ومحيطة بها. وبالتالي، أفهم أن سلوك المعارضة المنظمة في المغرب حيال التغيير سلوك تفاوضي وأحيانا صدامي، وإنما لا يصل إلى القطيعة والانقسام و الخروج عن نطاق الدولة، كما يحصل دائما في أوطاننا وبلادنا المشرقية. كما أن التعديلات الدستورية الأخيرة جاءت نتيجة سيرورة طويلة من الاختلاف والتفاوض، وخرجت الى العام بمبادرة ملكية، كما لو أن الدولة تجمع كلمة الأمة لتصلح نفسها بنفسها. السؤال: هل هذا التناغم الواضح بين القائمين على الدولة في المغرب والقوى السياسية المنظمة، يشمل جميع القوى السياسية، وكافة ممثلي مكونات المجتمع المغربي؟ هل الانقسام التاريخي الجغرافي – الاجتماعي والسياسي بين المخزن (مجال الدولة) والسيبة (مجال خارج نطاق السلطة)، عاد لينتج نفسه ويخرج من عملية التفاوض منظمات أخرى، دينية او شبابية، لم تشارك في عملية التغيير والاصلاح، بسبب ثقافتها السياسية الخارجة عن المشاركة في شؤون الدولة؟ وهل هي قائمة على سلبية حديثة تكونت في العقود الأخيرة، تضم فئات اجتماعية أصبحت خارج نطاق الانتاج والعمل، ولم تجد حتى ممثليها، وكيفية الدخول الى مجال الدولة؟ IV – جهاد الزين أعتقد أن وضع المغرب، أو المملكة المغربية، في فئة الانظمة الملكية، هو ترتيب شكلي فقط قياسا بما تكشف عنه الاوضاع العربية، سواء الثورية او غير الثورية. أما الترتيب الفعلي، فهو وضع المملكة المغربية في فئة الدول الراسخة، مجتمعا و كيانا، وهي تضم الى المملكة، مصر وتونس. أما الفئة الاخرى، فهي التي أظهرت الثورات العربية انها هزتها، دولة وكيانا ومجتمعا، كليبيا وسورية واليمن (وقبلها العراق). وتعتبر ورقة د. عبد الاله بلقزيز عينة جادة من مثقف مؤيد للثورات في ما هو داخل بلاده مع التطور الاصلاحي من قلب المؤسسات القائمة، وبذلك فهو يؤيد الدستور الجديد، كمرحلة على طريق الملكية البرلمانية، وقد أظهرت مصر الثورية ايضا انها دولة مؤسسات، والتغيير يحصل من داخلها. باختصار: الدول الراسخة: المغرب، ومصر، وتونس، ملكية أم غير ملكية، هي دول تغيير مؤسساتي حتى في الحالة الثورية. أما الدول الاخرى، فقد كشفت الثورات احتمال اهتزاز، لا كياناتها فحسب، بل مجتمعاتها أيضا، حتى لو كانت السلطة السياسية في بعضها قوية التماسك والتحالفات. عبد الإله بلقزيز (يرد) سأستفيد، قطعا، من ملاحظات الصديقات والاصدقاء في هذه الجلسة النقاشية، ولن يكون في وسعي أن أجيب عن كل ما طرح في مداخلاتهم من أسئلة. لكني، قبل أن انتقي منها ما يبدو لي جديرا بالاضاءة، أود أن أنبه الى أمرين مترابطين يتعلقان بطبيعة الورقة التي تشرفت بتقديمها في هذه الحلقة: أ – الامر الاول إن الورقة سياسية بالتعريف، وليست بحثا أكاديميا في تاريخ النظام السياسي أو في البنى الاجتماعية في المغرب، ولا هي دراسة في الاصول الفلسفية للخطاب السياسي لدى السلطة والمعارضة في المغرب، ولأنها تحليل سياسي في المقام الاول، يتناول شأنا سياسيا وظرفيا، فهي لم تكن معنية بالتحليل الاجتماعي للطبقات والحركات الاحتجاجية، كما ارادتني د. دلال أن أفعل، ولا كانت معنية بفتح حديث نظري في الاصول الفلسفية للمفردات الدستورية المتداولة، كما أمل. د. ناصيف أن أفعل، وانما كنت معنيا فيها بالتعبير عن موقف سياسي شخصي من مسألة الاصلاحات الدستورية في المغرب، من خلال تحليل السياقات الداخلية و العامة التي طرحت فيها نفسها كقضية عامة. ب – الامر الثاني هو انني حرصت في الورقة على أن أعرض، بالقدر الممكن من الحياد والتفهم، مواقف الاطراف السياسية المغربية كافة- الرسمية والحزبية والشعبية- من مسألة التعديلات الدستورية (وأشكر صديقي د. ناصيف نصار الذي التقط بذكائه هذا البعد التفهمي في ورقتي وأشاد به, لذلك أجدني غير متحمس لمناقشة من أخذوني على الانحياز الى موقف آخر، كما أوحت بذلك مداخلة د فواز طرابلسي، لانني لم أحسب نفسي منحازا الى احد، فانا لست طرفا سياسيا أو أنتمي الى طرف سياسي، وانما صاحب رأي سياسي يتقاطع مع مواقف ويتعارض مع اخرى. كما ان لدي بعض الملاحظات على مداخلات بعض الاخوة في مسائل مختلفة انتقي منها – للاختصار – ما يلي: أ – حول الشرعية الدينية للنظام، واتصال امارة المؤمنين بها والموقف منها.لم افهم تلك المماهاة التي أقامها. د. فواز بين الملك في النظام المغربي و»مرشد الثورة» في ايران، والارجح انه انتهى الى القول بها استنادا الى الاعتقاد بأن نظرية الامامة عند اهل السنة هي عينها نظرية الامامة عند الشيعة، وان درجة السلطة الدينية في الحالتين متطابقة، وليس ذلك بصحيح. ثم ان النظام السياسي في المغرب نظام مدني، ولا يدعي انه يطبق احكام الشريعة، وذلك بالذات سبب مشكلاته مع الحركات الاسلامية. ويمكنني أن أسلم، مع د. نيفين مسعد، ان الحركة الاسلامية قد تحاول ان تنازع في السلطة الدينية، لكن هذا ليس شأنا يتعلق – على الاقل – ب «حزب العدالة والتنمية» الذي يسلم بإمارة المؤمنين، ولا ينازع فيها، حتى لا نقول انه يطالب بتوسيع نطاق سلطانها. أما ما قاله د. وسيم حرب عن الأسباب التي تمنع القوى السياسية من «الخروج على هذه المؤسسة، واسقاطها من المرتبة الدستورية التي احتلتها « فالجواب عنه انه لم يكن يرد عند القوى السياسية ان تفعل ذلك، ولم يكن ذلك من مطالبها، بل ان اكثرها – وحتى من قوى اليسار – بات يطالب بتفعيل دور مؤسسة امارة المؤمنين لمنع قوى الاسلام السياسي من الاستيلاء على رأس المال الديني واستثماره في السياسة. ب – حول شرعية الدستور ومأتاها، هل هي من خلال وضعه من قبل مجلس تأسيسي ام من قبل لجنة خاصة مبناها وعملها على التوافق. لن اختلف مع د. فالح عبد الجبار في ان اكثر الدساتير شرعية هو الصادر عن مجلس تأسيسي./ لكني اسأل هنا، مثلما تساءلت في الورقة: هل صيغة المجلس التأسيسي تسمح لنا ويسمح لنا ميزان القوى في المجتمع، بالحصول علي نص دستوري افضل من هذا النص الذي جرى استيلاده بالتوافق؟ ثم لماذا نصر على ان الديمقراطية تنبذ التوافق وتتأباه، ولا نحتفظ لها بغير مفهومها الدارويني؟ ويحملني على التفاجؤ اكثر ان د. فالح استحسن في حديثه الخيار التدريجي، في مقابل خيار القطيعة، بينما لم يلحظ معي ان التوافق يقع في قلب ادوات ذلك الخيار التدريجي الذي اقاسمه استحسانه، والرهان عليه في مجتمعاتنا العربية. ج – حول جاهزية البيئة الاجتماعية والسياسية لنظام الملكية البرلمانية في المغرب. أريد هنا أن اشكر. د. خير الدين حسيب الذي فهم مقصدي على النحو المطابق، وان ابدي آسفا لما اورده على لساني الاخوة يوسف شويري، وفواز طرابلسي، ونيفين مسعد، من افتراضات ما انا بقائلها، فانا ما قلت ان بيئتنا غير جاهزة للديمقراطية، فنحن في المغرب نخوض في تجربة ديمقراطية منذ خمسة وثلاثين عاما تتدرج نحو الاحسن، انما قصدت بقولي المثال الملكي البرلماني من النمط البريطاني او الهولندي الذي لا يستطيعه مجتمعنا السياسي والمدني في المغرب – وذلك شأ ن المجتمعات العربية كافة – في المرحلة الراهنة من تطوره، ولا علاقة لهذا الذي قلته بكلام الاخ فواز عن «»العجز الديمقراطي».« اما ان الفلاحين والحرفيين الفرنسيين فرضوا مبدأ الاقتراع الديمقراطي، فيعرف أ. فواز انهم لم يصوتوا، ولم يدخلوا الى البرلمانيات في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لأنه لم يكن مسموحا بذلك لغير المالكين لوسائل الانتاج. والمسافة التي قطعتها الديمقراطيات الغربية، كي يشتد عودها، وتستقيم، كديمقراطيات، لجميع السكان والمواطنين، هي عينها المسافة التي بدأناها في الوطن العربي منذ ليبرالية مابين الحربين، ومازلنا نقطعها من أجل إقامة ملكيات برلمانية وجمهورية ديمقراطية غير عسكرية، ولا وراثية، ولا اوليغارشية، ولا طائفية ومذهبية. وهو شوط تاريخي طويل. بقي لي أن أسجل ملاحظتين سريعتين: الملاحظة الاولى ان د. دلال البزري تفترض ان الحراك الديمقراطي في المغرب لم يبدأ الا في السنوات العشر الاخيرة،و ان عهد الملك الراحل الحسن الثاني كان عهد فراغ سياسي، وتفترض وجود تناقض بين القول بوجود ثقافة ديمقراطية في المجتمع المغربي، والقول ان تنظيم «العدل والاحسان» ذو شعبية كبيرة. والحال، ان الامر ليس كما تفترض، فللثقافة الديمقراطية في المغرب تاريخ يعود الى أربعين عاما، ثم ان وجود تيار اسلامي قوي ليس نقضا لحقيقة التراكم الديمقراطي في المجتمع. والملاحظة الثانية هي انني اشاطر الصديقين ميشيل كيلو وساسين عساف قلقهما المشروع حول الوسائل التي يراد بها الاساءة الى وحدة كياناتنا باسم التنوع الذي هو – في عرف كل ديمقراطي – عامل غنى واخصاب – واضيف ان من مسؤوليات الديمقراطيين ان يبددوا التباسات العلاقة بين التنوع والوحدة من طريق نقد محاولات تسويق الهويات الثقافية واللغوية والدينية الفرعية، بما هي ماهيات قومية او اثنية. اما اسئلة د. عصام نعمان، اخيرا، فهي جديرة بجلسة اخرى خاصة. لكني اطمئنه الي أن الاستجابة الملكية لنداء الاصلاح ومطالبه كانت هذه المرة بوازع داخلي مزدوج: من الشعب، ومن الملك، ولم يكن محمد السادس ينتظر نصائح فرنساوالولاياتالمتحدة، او ضغوطهما، ليتجاوب مع تلك المطالب، فالرجل يقرأ التحولات بعناية،و يقدم عنها الأجوبة المناسبة. هكذا عرفناه حين فتح بشجاعة، قبل سنوات عديدة، ملف محنة حقوق الانسان في المغرب، وصفي الكثير من تلك التركة السياسية الثقيلة. وهكذا فعل حين هبت مطالب التغيير في المنطقة. و لو فعل معظم الحكام العربي ما فعله محمد السادس، لما كنا اليوم في حاجة الى ان نضع ايادينا على قلوبنا خوفا من قادم مجهول: اكان القادم ثورة، عند من يخشون على نظمهم من الثورة، ام فوضي غير خلاقة، عند من يعتقدون ان وراء الاكمة ما وراءها. ثم اني اوافق سؤال. د. عصام الثاني، واحسبه جوابا او يشبه الجواب، اذ في تلك التعددية الغنية ما يبرر، عند كثيرين، النظر بايجابية الى صلاحيات معتبرة للملك. اما ان الذين لم يوافقوا على التعديلات في الاستفتاء، فلا يمكن حسبانهم جميعا في جملة مؤيدي حركة 20 فبراير، والحركة نفسها لم تقل بذلك، فكم من لا مبال موجود في صف المقاطعين او غير المصوتين، وكم من عدمي موجود في صف المقاطعين، بحيث لا تعني لديه حركة 20 فبراير اكثر مما تعنيه الاحزاب عنده، والله أعلم. عن جريدة الاتحاد الاشتراكي: 21 دجنبر 2011